الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
146 - كتابه إلى يحيى بن خالد البرمكى
«وكتب بشر البلوى إلى يحيى بن خالد أيضا يستمتع (1) بالحجبى المذكور:
«أما بعد: حفظ الله أبا على، وحفظ لك ما استحفظك (2) من دينك وأمانتك، وخواتيم عملك، أمّا ما تحب أن ينتهى إليك علمه من قدوم الحجبىّ علينا، وما عمل به فينا، وعلى ما أصبح المسلمون معه قبلنا، فكلّ ذلك بحمد الله تعالى ونعمه على أفضل سرورك، وأعظم رجائك، ومنتهى أملك، من سكون الدّهماء (3)، وأمان السّبل، وحسن الحال، وتتابع الأمطار، وقد أصبح الناس بحمد الله رحماء (4) بينهم، لا يسمع إلا سلاما سلاما (5)، وذلك أن الحجبىّ لمّا قدم علينا، فزع إلى خيار الناس وأهل الصلاح منهم، فقرّبهم وأدناهم، وغلظ على أهل الفجور والرّيبة، وأبعدهم وأقصاهم، وبعث لحملة القرآن، فلما اجتمعوا إليه من أطراف البلاد تخيّر الفقهاء وذوى الرأى منهم، فجعلهم بطانته، وأهل مشاورته، وبعث أكثرهم عمّالا على كثير من نواحى عمله، وعهد إليهم ما عهد إليه أمير المؤمنين، فى أخذ الصّدقات والزكاة على
(1) أى يطلب إبقاءه للانتفاع به، يقال: متعه الله وأمتعه بفلان: أى أبقاه ليستمتع به فيما يحب من الانتفاع به والسرور بمكانه.
(2)
أى ما جعلك حافظا عليه من الدين والأمانة، وخواتيم العمل، أى العمل الصالح الذى هو آخر عمل عمله. وأصل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء رجل يودعه لسفر، فقال له رسول الله:
«أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك» أى الصالح الذى جعلته آخر عملك فى الإقامة. فإن المسافر يسن له ختم إقامته بعمل صالح، فيندب لكل من ودع أحدا من المسلمين أن يقول له ذلك وأن يكرره.
(3)
الدهماء: جماعة الناس.
(4)
اقتبسه من قوله تعالى: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ» .
(5)
اقتبسه من قوله تعالى: «لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً. إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً» وسلاما سلاما فى قول بشر نائب فاعل على الحكاية، ويجوز أن يكون الأصل «لا تسمع إلا سلاما سلاما» .
وجوهها، وقسم السّهمان (1) الخمسة موفّرة بين أهلها، وأعلمهم أن أمير المؤمنين لم يأمره ولا من قبله من ولاة اليمن وغيرها إلا بالعدل والإحسان، وأن أمير المؤمنين يبرأ إلى الله من ظلم كلّ ظالم، وجور كلّ جائر، وأنه قد خلع ما يتثقّل به عن رقبته، وجعله فى دين الحجبىّ وأمانته، فلم يبق عند ذلك فرقة من فرق المسلمين، ولا جماعة من الصالحين، ولا أحد من الفقراء المساكين، إلّا دعا لأمير المؤمنين بطول البقاء، ثم دعوا لك يا أبا على بأفضل الدعاء، ونشروا عنك أحسن الثناء، لما ساقه الله إليهم بسببك، وجعله بيمن (2) موازرتك وأجراه لهم على لسانك ويدك، ولما أخذ الحجبىّ فيهم من ورائك، فإنا قد عرفناه بالرّفق الذى ليس معه ضعف، وبالشدة التى ليس معها عنف، وبالجدّ الذى لا يخالطه هزل، ثم هو مع ذلك قليل الغفلة، شديد التّهمة، لا يتّكل على كتّابه، ولا يفوّض أمره إلى أمنائه، ولا يطمئنّ إلى جلسائه، حتى يتفقّد الأشياء بنفسه، فيورد ما حضر منها على عينه، ويصدر ما غاب عنه منها على علمه، لا يمنعه من مطالبة الصغير مزاولة الكبير، قد أحكم السياسة، ورسخ فى التدبير، فأشدّ الناس خوفا لغضبه أرجاهم جميعا لمثوبته، وأقلّهم أمانا لعقوبته أطولهم لزوما لمجالسته، قد شغل كلّا بنفسه، فأقبل كل على شأنه، فليس أحد يجاوز حدّه، ولا يعدو قدره، ولا يتكلم إلا فيما يعنيه، ولسنا نراه بحمد الله يزداد فى كل يوم إلا شدّة، ولا تزداد الأمور معه إلا إحكاما، فليس لمغتاب إليه سبيل، ولا لمنتقص معه مطمع، والسلام». (مفتاح الأفكار ص 275، والمواهب الفتحية 2: 147)
(1) السهمان: جمع سهم، وهو النصيب، والسهمان الخمسة ومصرفها مبين فى قوله تعالى:
«وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ» وذكر الله تعالى فى الآية للتعظيم، والمراد قسم الخمس على الخمسة المعطوفين، فكأنه قال: فأن لله خمسه يصرف إلى هؤلاء، لكل منهم خمس الخمس، والأخماس الأربعة الباقية للفاتحين.
(2)
اليمن: البركة، والموازرة: المعاونة والمساعدة.