الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الله، فتنازعوا إلى الحسن بن زيد، فكتب بذلك إلى أبى جعفر، فكتب إليه:
(تاريخ الطبرى 9: 232)
62 - كتب بين أبى جعفر وسلم بن قتيبة
وكتب أبو جعفر إلى سلم بن قتيبة الباهلى لما ولّاه البصرة- بعد مقتل إبراهيم ابن عبد الله بن الحسن-:
أمّا بعد، فاهدم دور من خرج مع إبراهيم واعقر نخلهم».
فكتب إليه سلّم: «بأى ذلك أبدأ، أبا الدور أم بالنخل» ؟
فكتب إليه أبو جعفر: «أما بعد: فقد كتبت إليك آمرك بإفساد تمرهم، فكتبت تستأذننى فى أيّة تبدأ به. أبالبرنىّ (2) أم بالشّهريز (3)؟ » وعزله، وكان ذلك سنة 146 هـ. (تاريخ الطبرى 9: 264)
63 - كتاب المنصور إلى عيسى بن موسى
وكان أبو العباس السّفّاح، عام وفاته (سنة 136 هـ) عقد لأخيه أبى جعفر الخلافة من بعده، وجعله ولىّ عهد المسلمين، ومن بعده ابن أخيه عيسى بن موسى، وكتب العهد بذلك وصيّره فى ثوب، وختم عليه بخاتمه وخواتيم أهل بيته، ودفعه إلى عيسى ابن موسى (4).
(1) كان عيسى بن موسى لما قتل محمدا النفس الزكية، قبض أموال بنى الحسن كلها، فأجاز ذلك أبو جعفر.
(2)
البرنى: تمر، فارسى معرب.
(3)
تمر أيضا. جاء فى القاموس: «تمر شهريز بالضم والكسر، وبالنعت وبالإضافة، وبالشين:
نوع معروف».
(4)
انظر تاريخ الطبرى 9: 154.
فلما ولى أبو جعفر الخلافة أقرّ عيسى بن موسى على ما كان أبو العباس ولّاه من ولاية الكوفة وسوادها، وكان له مكرما مجلّا، وكان إذا دخل عليه أجلسه عن يمينه، وأجلس المهدى ابنه عن يساره، ثم عزم على تقديم المهدى عليه فى الخلافة، وكلّمه فى ذلك برفيق من الكلام فأبى، فتغيّر عليه وباعده بعض المباعدة. وقصد إليه بالأذى حتى أجابه إلى ما سأله (1)، وكان ذلك سنة 147 هـ.
وروى الطبرى أن أبا جعفر كتب إليه فى ذلك:
«بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله: عبد الله المنصور أمير المؤمنين إلى عيسى ابن موسى، سلام عليك، فإنى أحمد إليك الله الذى لا إله إلا هو، أما بعد، فالحمد لله ذى المنّ القديم، والفضل العظيم، والبلاء (2) الحسن الجميل، الذى ابتدأ الخلق بعلمه، وأنفذ القضاء بأمره، فلا يبلغ مخلوق كنه حقّه، ولا ينال فى عظمته كنه ذكره، يدبّر ما أراد من الأمور بقدرته، ويصدرها عن مشيئته، لا قاضى فيها
(1) من ذلك ما قيل من أن أبا جعفر سقاه بعض ما يتلفه، فمرض مدة، وبلغت العلة منه كل مبلغ حتى تمعط شعره ثم أفاق من علته، وقيل إنه وضع الجند فصاروا يشتمونه إذا رأوه وينالون منه، فشكا ذلك إلى المنصور فقال للجند: لا تؤذوا ابن أخى، فإنه جلدة بين عينى ولو كنت تقدمت إليكم لضربت أعناقكم، فكانوا يكفون ثم يعودون، فمكث بذلك زمانا، فلما كتب أبو جعفر إليه الكتاب الآتى، وأتاه جوابه بالإباء. عاد الجند لأشد ما كانوا يصنعون، فكانوا يأتون باب عيسى فيمنعون من يدخل إليه، فإذا ركب مشوا خلفه، وقالوا: أنت البقرة التى قال الله فيها «فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ» فعاد فشكاهم، فقال له المنصور: يابن أخى أنا والله أخافهم عليك وعلى نفسى، قد أشربوا حب هذا الفتى (المهدى) فلو قدمته بين يديك فيكون بينى وبينك لكفوا، فأجابه، وقيل إن أبا جعفر لما أعياه الأمر فى خلع عيسى بن موسى من ولاية العهد، بعث إلى خالد بن برمك وقال له: هل عندك حيلة فيه، فقد أعيتنا وجوه الحيل، وضل عنا الرأى. فقال: نعم يا أمير المؤمنين، وسار إليه فى ثلاثين رجلا من كبار شيعة أبى جعفر، فأداره بكل وجه من وجوه الحذر والطمع، فأبى عليه، فخرج خالد فقال:
نخبر أمير المؤمنين أنه قد أجاب، ونشهد عليه إن أنكره، وساروا إلى أبى جعفر، فأعلموه أنه قد أجاب.
فأخرج التوقيع بالبيعة للمهدى، وكتب بذلك إلى الآفاق، وبلغ الخبر عيسى فأتى أبا جعفر منكرا لما ادعى عليه، فدعاهم أبو جعفر فسألهم، فقالوا: نشهد عليه أنه قد أجاب، وليس له أن يرجع، فأمضى أبو جعفر الأمر وشكر لخالد ما كان منه- انظر تاريخ الطبرى 9: 272، والفخرى ص 155.
(2)
البلاء يكون منحة، ويكون محنة.
غيره، ولا نفاذ لها إلا به، يجريها على أذلالها (1)، لا يستأمر (2) بها وزيرا، ولا يشاور فيها معينا، ولا يلتبس عليه شىء أراده، يمضى قضاؤه فيما أحبّ العباد وكرهوا، لا يستطيعون منه امتناعا، ولا عن أنفسهم دفاعا، ربّ الأرض ومن عليها، له الخلق والأمر، تبارك الله ربّ العالمين.
ثم إنك قد علمت الحال التى كنّا عليها فى ولاية الظّلمة: كيف كانت قوّتنا وحيلتنا، لما اجترأ عليه أهل بيت اللّعنة علينا، فيما أحببنا وكرهنا، فصبرنا أنفسنا على ما دعونا إليه، من تسليم الأمور إلى من أسندوها إليه، واجتمع رأيهم عليه، نسام الخسف (3)، ونوطأ بالعسف، لا ندفع ظلما، ولا نمنع ضيما، ولا نعطى حقا، ولا ننكر منكرا، ولا نستطيع لها ولا لأنفسنا نفعا، حتى إذا بلغ الكتاب أجله، وانتهى الأمر إلى مدّته، وأذن الله فى هلاك عدوّه، وارتاح بالرحمة لأهل بيت نبيه صلى الله عليه وسلم، فابتعث الله لهم أنصارا يطلبون بثأرهم، ويجاهدون عدوّهم، ويدعون إلى حبّهم، وينصرون دولتهم، من أرضين متفرّفة، وأسباب مختلفة، وأهواء مؤتلفة، فجمعهم لله على طاعتنا، وألّف بين قلوبهم بمودّتنا على نصرتنا، وأعزّهم بنصرنا، لم نلق منهم رجلا، ولم نشهر معهم سيفا، إلّا ما قذف الله فى قلوبهم، حتى ابتعثهم لنا من بلادهم ببصائر نافذة، وطاعة خالصة، يلقون الظّفر، ويعودون بالنصر، وينصرون بالرّعب، لا يلقون أحدا إلا هزموه، ولا واترا إلا قتلوه، حتى بلغ الله بنا بذلك أقصى مدانا، وغاية منانا، ومنتهى آمالنا، وإظهار حقنا، وإهلاك عدوّنا، كرامة من الله جلّ وعزّ لنا، وفضلا منه علينا بغير حول منا ولا قوّة.
ثم لم نزل من ذلك فى نعمة الله وفضله علينا، حتى نشأ هذا الغلام (4)، فقذف الله
(1) يقال: أمور الله جارية أذلالها (بالنصب) وعلى أذلالها: أى مجاريها، جمع ذل بالكسر، وذل الطريق: محجته.
(2)
الاستئمار والمؤامرة: المشاورة.
(3)
سامه الخسف: أولاه الذل. والعسف: الظلم:
(4)
يعنى ابنه محمدا المهدى.
له فى قلوب أنصار الدّين الذين ابتعثهم لنا مثل ابتدائه لنا أوّل أمرنا، وأشرب قلوبهم موّدته، وقسم فى صدورهم محبّته، فصاروا لا يذكرون إلا فضله، ولا ينوّهون (1) إلا باسمه، ولا يعرفون إلا حقّه، فلما رأى أمير المؤمنين ما قذف الله فى قلوبهم من مودته، وأجرى على ألسنتهم من ذكره، ومعرفتهم إياه بعلاماته واسمه، ودعا العامّة إلى طاعته، أيقنت نفس أمير المؤمنين أنّ ذلك أمر تولّاه الله وصنعه، لم يكن للعباد فيه أمر ولا قدرة ولا مؤامرة ولا مذاكرة، للّذى رأى أمير المؤمنين من اجتماع الكلمة، وتتابع العامّة، حتى ظن أمير المؤمنين أنه لولا معرفة المهدىّ بحقّ الأبوّة لأفضت الأمور إليه، وكان أمير المؤمنين لا يمنع مما اجتمعت عليه العامّة، ولا يجد مناصا عن خلاص ما دعوا إليه، وكان أشدّ الناس على أمير المؤمنين فى ذلك الأقرب فالأقرب من خاصّته وثقاته من حرسه وشرطه، فلم يجد أمير المؤمنين بدّا من استصلاحهم ومتابعتهم، وكان أمير المؤمنين وأهل بيته أحقّ من سارع إلى ذلك، وحرص عليه ورغب فيه، وعرف فضله، ورجا بركته، وصدّق الرّواية فيه، وحمد الله إذ جعل فى ذرّيّته مثل ما سألت الأنبياء قبله، إذ قال العبد الصالح (2):«فهب لى من لدنك وليّا. يرثنى ويرث من آل يعقوب واجعله ربّ رضيّا» . فوهب الله لأمير المؤمنين وليّا، ثم جعله تقيّا مباركا مهديّا، وللنبى صلى الله عليه وسلم سميّا، وسلب من انتحل هذا الاسم (3)، ودعا إلى تلك الشّبهة التى تحيّر فيها أهل تلك النّيّة، وافتتن بها أهل تلك الشّقوة، فانتزع ذلك منهم، وجعل دائرة السّوء عليهم، وأقرّ الحقّ قراره، وأعلن للمهدىّ مناره، وللدين أنصاره.
(1) نوه بفلان: إذا رفعه وطير به.
(2)
هو زكريا عليه السلام.
(3)
يعنى النفس الزكية، وكان يلقب بالمهدى- انظر ص 79.