الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عادا (1) إلا لتوسّع ذكر عنهم، فهو يخشى العقاب على الإنفاق، ويرجو الثواب على الإفتار، ويعد نفسه الفقر، ويأمرها بالبخل، خيفة أن تنزل به قوارع (2) الظالمين، أو أن يصيبه ما أصاب القرون الأولين (3)، فأقم- يرحمك الله- على مكانتك، واصطبر على عسرتك، وتربّص به الدوائر (4) عسى الله أن يبدلنا خيرا منه زكاة وأقرب حما (5)». (المنظوم والمنثور 13: 412، ومفتاح الأفكار 278)
149 - كتاب آخر له
وكتب إلى ذلك الرجل الذى يصف له عبد الله بن مصعب:
«أما بعد، فإنك كتبت إلىّ تسألنى عن عبد الله بن مصعب، فكان والله غثّا (6) فى دينه، قذرا فى دنياه، رثّا فى مروءته، سمجا فى هيئته، مسكينا فى علمه، منقطعا إلى نفسه، راضيا عن عقله، بخيلا بما وسّع الله عليه من رزقه كتوما لما آتاه الله من فضله
- الشديدة، قال تعالى فيهم:«وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ، فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ» .
(1)
عاد: هم قوم هود عليه السلام وكانوا يسكنون الأحقاف- رمل فيما بين عمان إلى حضر موت- قال تعالى فيهم: «وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ، ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ» . والريح العقيم: هى الدبور. وسماها عقيما لأنها أهلكتهم وقطعت.
دابرهم، أو لأنها لا خير فيها ولا منفعة، لأنها لا تحمل المطر ولا تلقح الشجر.
(2)
القوارع: جمع قارعة، وهى الداهية الفاجئة.
(3)
وفى مفتاح الأفكار «ما أصاب القوم المجرمين» .
(4)
الدوائر: جمع دائرة، وهى الهزيمة، وتربص به: : انتظر به شرا (أو خيرا) يحل به.
(5)
اقتبسه من قوله تعالى: «فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً» أى رحمة.
(6)
الغث: ضد السمين، أى رقيق الدين مهزوله.
حلّافا لجوجا لا يطمع فيما عنده حتى يحلف ألا يفعل، ولا يرجّى منه أحد ما يعطى حتى يقسم بالله ألّا يقبل، فإذا ألحّ فى ذلك وأكثر حنث متعمّدا، وأتى الذى ذكره من ذلك متطوّعا، لو أنفق ما فى الأرض جميعا لم يكن ذلك قدر حنثه فى هزله، فكيف ظنّك بكفّارة حلفه فى جدّه؟ ولو سكن الفالج (1) فى لسانه لم ينقص ذلك حرفا واحدا من إيمانه، أشد الناس إكراما لأبعدهم من ذلك استحقاقا، وأقلّ الناس إحسانا إلىّ أشدهم لذلك استيجابا، كأن البخل والشؤم صارا جميعا فى سهمه، وكانا قبل ذلك حظّا (2) فى قسمه، فاستجمعهما من الورثة، واستحقّ ما استهلك منهما بالشّفعة، واستولاهما من كلّ بالقيمة، وأشهد على حيازتهما أهل الدين والأمانة، حتى خلصا له من كل بائع، وسلما من تبعة كل منازع، فلا يصيب إلا مخطئا، ولا يحسن إلا ناسيا، ولا ينفق إلا كارها، ولا ينصف إلا صاغرا، ولا يعدل إلا راهبا (3) ولا يرفع نفسه عن (4) منزلة إلا ذلّ بعد تعزّزه فيها، ولا يكره خطّة سوء إلّا أصابه ما هو شرّ منها، لا تردّ أعناق أموره إلا على تعسّف وجهالة، ولا تصدر أعقاب رأيه إلّا عن حرقة وندامة، برأى جدّه (5) خرجت أمّنا (6)، وشؤم والده (7) هدمت قبلتنا، وعلى يديه ظهر الدجّال فينا، فمن يهده الله يومئذ فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليّا مرشدا (8)». (المنظوم والمنثور 13: 413)
(1) الفالج: مرض يحدث فى أحد شقى البدن طولا فيبطل إحساسه وحركته، وربما كان فى الشقين
(2)
فى الأصل «خمطا» وهو تحريف.
(3)
أى خائفا، وفى الأصل «راغبا» وهو تحريف.
(4)
الظاهر أن صوابه «إلى» .
(5)
يعنى الربير بن العوام.
(6)
يعنى أم المؤمنين السيدة عائشة.
(7)
يعنى عبد الله بن الزبير، وقد عاذ بالكعبة وقاتله الحجاج ورمى الكعبة بالمنجنيق كما قدمنا فى الجزء الثانى.
(8)
الآية الكريمة: «مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ» .*