الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رأيى فى صلاحهم وسدّ خلّتهم (1) والتوسعة عليهم، فمن أنكرته عند بيعته، أو اتهمته على طاعته، فابعث إلىّ برأسه مع خبره، وإياك وإقالته، فإن النار أولى به، واكتب إلى عمّال ثغورك وأمراء أجنادك، بما طرفك من المصيبة بأمير المؤمنين، وأعلمهم أن الله لم يرض الدنيا له ثوابا حتى قبضه إلى روحه (2) وراحته وجنته مغبوطا محمودا، قائدا لجميع خلفائه إلى الجنة إن شاء الله، ومرهم أن يأخذوا البيعة على أجنادهم وخواصّهم وعوامّهم على مثل ما أمرتك به من أخذها على من قبلك، وأوعز إليهم فى ضبط ثغورهم، والقوة على عدوهم. إنى متفقّد حالاتهم، ولامّ شعثهم، وموسّع عليهم، ولا آن (3) فى تقوية أجنادى وأنصارى، ولتكن كتبك إليهم كتبا عامّة لتقرأ عليهم، فإن ذلك ما يسكّنهم ويبسط أملهم، واعمل بما نأمر به لمن حضرك أو نأى عنك من أجنادك على حسب ما ترى وتشاهد، فإن أخاك يعرف حسن اختيارك، وصحّة رأيك، وبعد نظرك، وهو يستحفظ الله لك، ويسأله أن يشدّ بك عضده، ويجمع بك أمره، إنه لطيف لما يشاء».
وكتب بكر بن المعتمر بين يدىّ وإملائى شوال سنة 192.
(تاريخ الطبرى 10: 125)
184 - كتاب الأمين إلى أخيه صالح
ونسخة كتابه إلى أخيه صالح:
«بسم الله الرحمن الرحيم: إذا ورد عليك كتابى هذا عند وقوع ما قد سبق فى علم الله، ونفذ من قضائه فى خلفائه وأوليائه، وجرت به سنّته فى الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين- فقال: «كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» - فاحمدوا الله على ما صار إليه أمير المؤمنين من عظيم ثوابه، ومرافقة
(1) الخلة: الحاجة والفقر.
(2)
أى رحمته.
(3)
أى ولا مبطىء ولا متأخر.
أنبيائه صلوات الله عليهم، إنا إليه راجعون، وإياه نسأل أن يحسن الخلافة على أمة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كان لهم عصمة وكهفا (1)، وبهم رءوفا رحيما.
فشمّر فى أمرك، وإياك أن تلقى بيديك، فإن أخاك قد اختارك لما استنهضك له، وهو متفقّد مواقع فقدانك (2)، فحّقق ظنّه، ونسأل الله التوفيق.
وخذ البيعة على من قبلك من ولد أمير المؤمنين وأهل بيته ومواليه، وخاصّته وعامّته، لمحمد أمير المؤمنين، ثم لعبد الله ابن أمير المؤمنين، ثم للقاسم ابن أمير المؤمنين، على الشّريطة التى جعلها أمير المؤمنين صلوات الله عليه من فسخها على القاسم أو إثباتها، فإن السعادة واليمن فى الأخذ بعهده والمضىّ على مناهجه، وأعلم من قبلك من الخاصّة والعامّة رأيى فى استصلاحهم، وردّ مظالمهم، وتفقّد حالاتهم، وأداء أرزاقهم وأعطياتهم (3) عليهم، فإن شغب (4) شاغب، أو نعر ناعر، فاسط به سطوة تجعله نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين.
واضمم إلى الميمون ابن الميمون الفضل (5) بن الربيع ولد أمير المؤمنين وخدمه وأهله ومره بالمسير معهم فيمن معه وجنده ورابطته (6)، وصيّر إلى عبد الله بن مالك أمر العسكر وأحداثه، فإنه ثقة على ما يلى، مقبول عند العامّة، واضمم إليه جميع جند الشّرط من الروابط وغيرهم إلى من معه من جنده، ومره بالجدّ والتيقظ وتقديم الحزم فى أمره كله ليله ونهاره، فإن أهل العداوة والنفاق لهذا السلطان يغتنمون مثل حلول هذه المصيبة.
(1) الكهف: الوزر والملجأ.
(2)
يريد بالفقدان الغياب، والمعنى. أن أخاك يرقبك فى المواقف التى استنهضك لها، ولا يحب أن يراك غائبا فى موقف منها.
(3)
أعطيات: جمع أعطية، وأعطية: جمع عطاء.
(4)
شغبهم وبهم وعليهم كمنع وفرح: هيج الشر عليهم، ونعر كمنع وضرب نعيرا ونعارا: صاح، والمعنى ثار ودعا إلى الفتنة.
(5)
هو الفضل بن الربيع بن يونس، استوزره الرشيد بعد أن نكب البرامكة، ثم ابنه الأمين من بعده، وهو الذى زين للأمين خلع المأمون من البيعة كما سيأتى، وتوفى سنة 208. انظر ترجمته فى وفيات الأعيان 2: 412 والفخرى ص 192 وتاريخ بغداد للخطيب البغدادى 12: 343.
(6)
الرباط (بالكسر) والمرابطة: ملازمة ثغر العدو، فالرابطة هى الجند المرابطون.
وأقرّ حاتم بن هرثمة على ما هو عليه، ومره بحراسة ما يحفظ به قصور أمير المؤمنين، فإنه ممن لا يعرف إلا بالطاعة، ولا يدين إلا بها، بمعاقد من الله، مما قدّم له من حال أبيه (1) المحمود عند الخلفاء.
ومر الخدم بإحضار روابطهم من يسدّ بهم وبأجنادهم مواضع الخلل من عسكرك، فإنهم حدّ من حدودك.
وصيّر مقدّمتك إلى أسد بن يزيد بن مزيد، وساقتك (2) إلى يحيى بن معاذ فيمن معه من الجنود، ومرهما بمناوبتك فى كل ليلة، والزم الطريق الأعظم، ولا تعدونّ المراحل، فإن ذلك أرفق بك، ومر أسد بن يزيد أن يتخيّر رجلا من أهل بيته أو قواده فيصير إلى مقدّمته، ثم يصير أمامه لتهيئة المنازل أو بعض الطريق، فإن لم يحضرك فى عسكرك بعض من سمّيت فاختر لمواضعهم من تثق بطاعته ونصيحته وهيبته عند العوامّ، فإن ذلك لن يعوزك من قوادك وأنصارك إن شاء الله.
وإياك أن تنفذ رأيا أو تبرم أمرا إلّا برأى شيخك وبقيّة آبائك الفضل ابن الربيع، وأقرر جميع الخدم على ما فى أيديهم من الأموال والسلاح والخزائن وغير ذلك، ولا تخرجنّ أحدا منهم من ضمن ما يلى إلى أن تقدم علىّ.
وقد أوصيت بكر بن المعتمر بما سيبلغكه، واعمل فى ذلك بقدر ما تشاهد وترى، وإن أمرت لأهل العسكر بعطاء أو رزق، فليكن الفضل بن الربيع المتولّى لإعطائهم على دواوين (3) يتخذها لنفسه، بمحضر من أصحاب الدواوين، فإن الفضل ابن الربيع لم يزل مثل ذلك لمهمّات الأمور.
(1) يعنى هرثمة بن أعين، وقد تقدم ذكره.
(2)
الساقة: مؤخرة الجيش.
(3)
الديوان: الكتاب الذى يكتب فيه أسماء الجيش وأهل العطاء، وهو فارسى معرب .. قال القلقشندى فى صبح الأعشى 1: 90 «وقد حكى الماوردى فى الأحكام السلطانية» فى سبب تسميته بذلك وجهين: أحدهما: أن كسرى ذات يوم اطلع على كتاب ديوانه فى مكان لهم، وهم يحسبون مع أنفسهم، فقال «ديوانه» أى مجانين، فسمى موضعهم بهذا الاسم ولزمه من حينئذ، ثم حذفت الهاء-