الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
142 - كتاب بشر البلوى إلى إبراهيم بن عبد الله الحجبى
وكتب بشر البلوى إلى إبراهيم بن عبد الله الحجبىّ والى صنعاء لهرون الرشيد، لمّا قدمها سنة 182، وعزم على أن يولّى بشرا بعض نواحى اليمن، فعاقه عن ذلك هشام بن يوسف الأبناوى (1):
بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد، فإن رأى الأمير- أمتع الله به- أن لا يعلم هشاما ما يريد من صلتى، فإنه لم يردنى وآلى قطّ بخير، ولم يفتح لى باب صلة، فتكون منه خالصة لا يريد بها إلا وجه الله وحده، ولا يرجو بها إلا ثوابه، إلا عرض هشام من دونها، فثقّلها وكرّهها (2) وأدار القياس فيها، وضرب لها الأمثال، وألقى الحيلة فيها إلى الكاتب والحاجب، وقاسمهما إنّى لكما لمن النّاصحين (3)» ومدحنى بما لا يسمع به من أخلاقى، وانتقصنى فيما لا يطمع بغيره منى، ليكون ما أظهر من المدحة، مصدّقا لما أسرّ من العيبة، ثم زخرف ذلك بالموعظة، وزيّنه بالنصيحة، وقاربه بالمودّة، وأغراه من ناحية الشفقة، وشهد عليه أربع شهادات بالله إنّه لمن الصّادقين، والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين (4)،
(1) نسبة إلى الأبناء، وهم قوم من الفرس استوطنوا اليمن، وهم الذين أرسلهم كسرى مع سيف ابن ذى يزن لما جاء يستنجده على الحبشة، فنصروه وملكوا اليمن وتزوجوا فى العرب، فقيل لأولادهم الأبناء، وغلب عليهم هذا الاسم، لأن أمهاتهم من غير جنس آبائهم- كغلبة الأنصار-.
(2)
وفى مفتاح الأفكار «وكثرها» .
(3)
أخذه من قوله تعالى فى قصة إبليس مع آدم وحواء، وَقاسَمَهُما: أى أقسم لهما.
(4)
فإذا الحاجب يزلقنى ببصره (1)، وإذا الكاتب يسلقنى بلسانه (2)، وإذا الخادم بعرض عنى بجانبه (3)، وإذا الوالى ينظرنى نظر المغشىّ عليه من الموت (4)، فصارت وجوه النفع مردودة، وأبواب الطمع مسدودة، وأصبح الخير الذى كنت أرجوه هشيما تذروه الرّياح (5)، والصلة التى كنت أشرفت عليها صعيدا زلقا، وأصبح ماؤها غورا فما أستطيع له طلبا (6)، فأسأل الله الذى جعل لكل نبىّ عدوّا من المجرمين (7)
(1) اقتبسه من قوله تعالى: «وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ» أى أنهم لشدة عداوتهم ينظرون إليك نظرا شزرا يكاد يزل قدمك.
(2)
اقتبسه من قوله تعالى: «فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ» وسلقه بالكلام: آذاه، قال صاحب الصحاح: وبابه ضرب.
(3)
اقتبسه من قوله تعالى: «وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ» *.
(4)
اقتبسه من قوله تعالى: «فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ» .
(5)
اقتبسه من قوله تعالى: «وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ» والهشيم: النابت اليابس المتكسر، تذوره: تطيره وتذهبه.
(6)
اقتبسه من قوله تعالى: «فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً، أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً» والحسبان: البلاء والشر والجراد والصواعق. والصعيد: التراب ووجه الأرض، زلقا أى ملساء لا يثبت عليها قدم، غورا. أى غائرا.
(7)
اقتبسه من قوله تعالى: «وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً» .