الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَمْ أَكُنْ لاطِمًا خَدِّيْ لِبَيْنِهِمُ
…
لأَنَ ذَاكَ دليْلُ السُّخْطِ وَالْجَزَعِ
55 - ومنها: البكاء لموت الغريب لغربته لا جزعا لموته
.
*
مَطْلَبٌ:
إذا توفي في غربته لم يعذَّب.
روى ابن أبي الدُّنيا في "كتاب الموت" عن الحسن قال: إن الله عز وجل إذا توفي المؤمن ببلاد غربته لم يعذبه رحمة لغربته، وأمر الملائكة فبكته لغيبة بواكيه عنه (1).
56 - ومنها: حضور جنائز الصالحين، وحملها، وتشييعها:
روى الإِمام أحمد في "الزُّهد"، والبيهقي في "شعب الإيمان" عن أبي الجلد: أن داود عليه السلام قال في مسألته: إلهي! فما جزاء من شيع الجنائز ابتغاء مرضاتك؟ قال الله: جزاؤه أن تشيعه الملائكة يوم يموت إلى قبره، وأن أصلِّيَ على روحه في الأرواح (2).
وروى البيهقي في "الدَّلائل" عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه: "تَحَرَّكَ لَهُ
(1) انظر: "شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور" للسيوطي (ص: 105).
(2)
رواه الإِمام أحمد في "الزُّهد"(ص: 70)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(9280).
الْعَرْشُ، وَشَيَّعَ جَنازَتَهُ سَبْعُوْنَ ألفَ مَلَكٍ" (1)
وروى ابن سعد، عن محمود بن لَبِيد رضي الله عنه: أن القوم قالوا: يا رسول الله! ما حَمَلْنا ميتًا أخف علينا من سعد؟ قال: "ما يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَخِفَّ عَلَيْكُمْ وَقَدْ هَبَطَ مِنَ الْمَلائِكَةِ كَذا وَكَذا، لَمْ يَهْبِطُوْا قَطُّ قَبْلَ يَوْمِهِمْ، قَدْ حَمَلُوْهُ مَعَكُمْ"(2).
وعن الحسن رحمه الله تعالى قال: لما مات ابن معاذ - وكان رجلًا جسيماً، جزلاً - جعل المنافقون يقولون: لم نر رجلًا أخف منه، وقالوا: تدرون لم ذاك؟ لمحكمه في بني قريظة، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"وَالَّذِيْ نَفْسِيْ بِيَده لَقَدْ كانَتِ الْمَلائِكَةُ تَحْمِلُ سَرِيْرَه"(3).
وروى هذا الحديث الحاكم بنحوه من طريق قتادة، عن أنس رضي الله عنه (4).
قلت: كذلك يطمس الله على قلوب المنافقين حتى يروا الأمور الحسنةَ قبيحةً؛ فإن خفة جنازة سعد رضي الله تعالى عنه إنما كانت لكرامته، فزعموا أنها كانت بخلاف ذلك، وأنها عقوبة له على حكمه في بني قريظة مع أنه موافق في حكمه الله تعالى.
وأين نظر هؤلاء من نظر النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام رضي الله عنهم الذين
(1) رواه البيهقي في "دلائل النبوة"(4/ 28).
(2)
رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(3/ 428).
(3)
رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(3/ 430).
(4)
رواه الحاكم في "المستدرك"(4926).
منهم حسان بن ثابت -رضي الله تعالى عنه، القائل - يبكي سعداً، ويرثيه رضي الله تعالى عنهما:[من الطويل]
لَقَدْ سَمَحَتْ مِنْ فَيْضِ عَيْنيَ عَبْرَةٌ
…
وَحُق لِعَيْنيْ أَنْ تَفِيْضَ عَلَىْ سَعْدِ
قَتِيْلٌ ثَوَىْ فِيْ مَعْرَكٍ فُجِعَتْ بِهِ
…
عُيُوْنٌ درارِيْ الذَمْعِ دائِمَةُ الْوَجْدِ
عَلَىْ مِلةِ الرَّحْمَنِ وارِثُ جَنَةٍ
…
مَعَ الشُهَداءِ وَفْدُهُمْ أَكْرَمُ الْوَفْدِ
فَإِنْ تَكُ قَدْ وَدَعْتَنا وَتَرَكْتَنا
…
وَأَمْسَيْتَ فِيْ غَبْراءَ مُظْلِمَةِ اللَّحْدِ
فَأَنْتَ الَّذِيْ يا سَعْدُ أُبْتَ لِمَشْهَدٍ
…
كَرِيْمٍ وَأَبْوَابِ الْمَكارِمِ وَالْمَجْدِ
بِحُكْمِكَ فِيْ حُييِّ قُرَيْظَةَ بِالَّذِيْ
…
قَضَىْ اللهُ فِيْهِمْ ما قَضَيْتَ عَلَىْ عَمْدِ
فَوافَقَ حُكْمَ الله حُكْمُكَ فِيْهِمُ
…
وَلَمْ تَعْفُ إِذْ ذَكَّرْتَ ما كانَ مِنْ عَهْدِ
فَإِنْ كانَ ريبُ الدَّهْرِ أَقْصاكَ فِيْ الأُلَىْ
…
شَرَوْا هَذِهِ الدُّنْيا بِجَنَاتِها الْخُلْدِ
فَنِعْمَ مَصيْرُ الصَّادِقِيْنَ إِذا دُعُوْا
…
إِلَىْ اللهِ يَوْماً لِلْوَجاهَةِ وَالْقَصْدِ (1)
- ومن شهود الملائكة لجنائز الصَّالحين: ما رواه الطَّبراني في "الكبير"، وأبو نعيم في "معرفة الصَّحابة" رضي الله تعالى عنهم، عن سهم ابن حبيش - وكان ممن شهد قتل عثمان رضي الله عنه قال: فلما أمسينا قلت: لئن تركتم صاحبكم حتى يصبح مثلوا به، فانطلقوا به إلى بَقيع الغَرقد، فأمكنا له من جوف الليل، ثم حملناه، وغشينا سواد من خلفنا، فهبناهم حتى كدنا أن نتفرق عنه، ومنادٍ: لا روع عليكم اثبتوا؛ فإنَّا جئنا لنشهده معكم.
وكان ابن حبيش يقول: هم -والله- الملائكةُ عليهم السلام (2). ومن ذلك ما رواه أبو الحسن بن جَهْضَم، ونقله عنه الإِمام عبد الحق الإشبيلي في كتاب "العاقبة" عن أبي بكر المصري من شهود الملائكة لجنازة ذي النون المصري، ولجنازة أبي إبراهيم المزني رحمهما الله في صُور طيرٍ خُضْر (3).
قلت: وكذلك شاهد غَيْرُ واحد طيراً خضراً ترفرف حول جنازة شيخ الإِسلام الوالد حول نعشه، وقد خفَّ نعشُه على حامليه حتى كاد
(1) انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (4/ 231).
(2)
رواه الطَّبراني في "المعجم الكبير"(115)، وأبو نعيم في "معرفة الصَّحابة"(1/ 70).
(3)
انظر: "العاقبة في ذكر الموت" للإشبيلي (ص: 159).