الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فذلك قوله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال: 12].
قلت: والكذب في الحرب نَصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على إباحته (1)، لكن الأحسن أن يحمل ذلك من الملائكة على حقيقته، وأن الملك كان يدنو من الكفار فيسمعهم يقولون ذلك لشدة ما دخل قلوبهم من الرُّعب، ثم يبلغون ذلك المؤمنين تثبيتاً لهم، والله الموفق.
97 - ومنها: حفظ العبد وحراسته، وكَلأَتُه من الشياطين ومن كل ما يؤذيه
، وإحصاء حسناته له، وسيئاته عليه، وكتابة ذلك.
ويتشبه بالملائكة في ذلك من حفظ أخاه المؤمن في نفسه بالحراسة، والجاه، والذبِّ عنه وعن ماله وعرضه، وبتعويذه بأسماء الله تعالى وكلماته، وبتعلم الفرائض والحساب والكتابة، ونحو ذلك.
قال الله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 10 - 12].
وقال تعالى: {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} [الأنعام: 61].
قال السُّدِّي: هم المعقبات من الملائكة يحفظونه، ويحفظون
(1) جاء التصريح بإباحة الكذب في الحرب في أحاديث منها: ما رواه أبو داود (4921) عن أم كلثوم بنت عقبة قالت: كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "لا أَعُدُّهُ كَاذِبًا الرَّجُلُ يُصْلحُ بين الناس يقول الْقَوْلَ ولا يُرِيدُ بهِ إلا الإصْلَاحَ، وَالرَّجُلُ يقول في الْحَرْبِ، وَالرَّجُلُ يحدث امْرَأتَهُ، وَالْمَرْأَةُ تُحَدِّثُ زَوْجَهَا".
عمله. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم (1).
وقال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11].
قال مجاهد: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} [الرعد: 11]؛ يعني: هي الْحَفَظة (2).
وقال ابن عباس: هم الملائكة تعقب بالليل والنهارة تكتب على ابن آدم.
رواهما ابن جرير، وابن المنذر (3).
وروى الطبراني عن أبي عُبيدة بن عبد الله بن مسعود قال: كان عبد الله - يعني: أباه رضي الله تعالى عنه - يقول: يتدارك الحرسان من ملائكة الله عز وجل حارس الليل، وحارس النهار عند طلوع الفجر (4).
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الآية: ليس من عبد إلا ومعه ملائكة يحفظونه من أن يقع عليه حائط، أو يتردَّى في بئر، أو يأكله سبع، أو غرق، أو حرق، فإذا جاء القدر خَلَّوا بينه وبين القدر. رواه ابن
(1) رواه الطبري في "التفسير"(7/ 216)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(4/ 1306).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(13/ 115).
(3)
رواه الطبري في "التفسير"(13/ 116).
(4)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(9139). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 318): أبو عبيدة لم يسمع من أبيه.
المنذر، وأبو الشيخ (1).
وفي رواية لابن المنذر: لكل عبد حفظةٌ يحفظونه؛ لا يخر عليه حائط، أو يتردى في بئر، أو يصيبه دابة، حتى إذا جاء القدر الذي قدر له تخلت عنه الحفظة، فأصابه ما شاء الله أن يصيبه (2).
وأخرجه أبو داود، وابن أبي الدنيا، وابن عساكر.
وفي رواية لأبي داود: ليس من الناس أحد إلا وقد وكل به ملك فلا تريده دابة، أو شيء إلا قال: اتقه، اتقه، فإذا جاء القدر خلى عنه (3).
وروى ابن جرير عن أبي مَجْلِز قال: جاء رجل من مُراب إلى عليٍّ وهو يصلي، فقال: احترس فإن ناساً من مراد يريدون قتلك، فقال: إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر عليه، فإذا جاء القدر خَلَّيا بينه وبينه، وإن الأجل عدة حصينة (4).
وروى هو، وأبو الشيخ عن كعب الأحبار قال: لو تجلى لابن آدم كل حزن وسهل لرأى على كل شيء من ذلك شياطين، لولا أن الله
(1) كذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(4/ 615) إلى ابن المنذر وأبي الشيخ.
(2)
ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(41/ 551).
(3)
ذكره ابن كثير في "البداية والنهاية"(8/ 12)، والسيوطي في "الدر المنثور"(4/ 615) ونسباه إلى أبي داود في "القدر".
(4)
رواه الطبري في "التفسير"(13/ 119)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى"(3/ 34).
وكل بكم ملائكة يذُبُّون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم إذن لتَخَطَّفَتْكم (1).
وروى ابن أبي الدُّنيا في "مكائد الشيطان"، والطبراني عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وُكِّلَ بِالْمُؤْمِنِيْنَ ثَلاثُ مِئَةٍ وَسِتُّوْنَ مَلَكاً يَدْفَعُوْنَ عَنْهُ ما لَمْ يُقَدَّرْ عَلَيْه؛ مِنْ ذَلِكَ: لِلْبَصَرِ سَبْعَةُ أَمْلاكٍ يَذُبُّوْنَ عَنْهُ كَما يُذَبُّ عَنْ قَصْعَةِ الْعَسَلِ مِنَ الذُّبابِ فِيْ الْيَوْمِ الصَّائِفِ، وَما لَوْ بَدا لَكُمْ لَرَأَيْتُمُوْهُ عَلَىْ كُلِّ سَهْلٍ وَجَبَلٍ كُلُّهُمْ باسِطٌ يَدَيْهِ فَاغِرٌ فاهُ، وَما لَوْ وُكِلَ الْعَبْدُ إِلَىْ نَفْسِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ لاخْتَطَفَتْهُ الشَّياطِيْنُ"(2).
وروى ابن جرير عن كِنانة العدويّ قال: دخل عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أخبرني عن العبد كم معه من ملك؟ فقال: "مَلَكٌ عَنْ يَمِيْيكَ عَلَىْ حَسَناتِكِ، وَهُوَ أَمِيْرٌ عَلَىْ الَّذِيْ عَلَىْ الشِّمالِ؟ إِذا عَمِلْتَ حَسَنَةً كُتِبَتْ عَشْراً، فَإِذا عَمِلْتَ سَيهمَةً قالَ الَّذِيْ عَلَىْ الشِّمالِ: أَكْتُبُ؟ قَالَ: لا، لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ اللهَ ويَتُوْبُ، فَإِذا قالَ ثَلاثاً قالَ: نعَمْ، اكْتُبْهُ أَراحَنَا اللهُ مِنْهُ، فَبِئْسَ الْقَرِيْنُ ما أقلَّ مُراقَبَتَهُ لِلَّهِ، وَأقلَّ اسْتِحْياءَهُ مِنْهُ، يَقُوْلُ اللهُ تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ
(1) رواه الطبري في "التفسير"(13/ 119)، وأبو الشيخ في "العظمة"(3/ 969).
(2)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(7704) مع اختلاف في بعض الألفاظ.
قال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء"(2/ 723): رواه ابن أبي الدنيا في "مكائد الشيطان"، والطبراني في "المعجم الكبير" بإسناد ضعيف.