الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يطير، وقد ذكرت ذلك في كتاب ترجمة الوالد المسمى:"بلغة الواحد" بأبسط من ذلك.
وقلت ملمًا بالقصة: [من الطويل]
وَلَمْ أَرَ يَوْمًا فَوْقَ نَعْشٍ يُرَفْرِفُ
…
طُيُوْر مِنَ الأَمْلاكِ تَحْنُوْ وَتَعْطِفُ
كَما قَدْ رَأَيْنا فِيْ جَنازَةِ مَنْ بَكَتْ
…
عَلَيْهِ قُلُوْبُ الْخَلْقِ تَذْكُوْ وَتَنْطِفُ
أَبِيْ الْبَرَكاتِ الْعامِرِيِّ وَمَنْ بِهِ
…
مَقادِيْرُنا تَسْمُوْ السِّماكَ وَتُشْرِفُ
وَذَلِكَ أَمْرٌ شاهَدَتْهُ جَماعَة
…
وَرُبَّ فَتَىً غَيْرِيَ بِذَلِكَ أَعْرَفُ
وَقَدْ خَفَّ فِيْهِمْ نَعْشُهُ وَكَأنَّهُ
…
يَطِيْرُ وَأَجْسادُ الْمُحِبِّيْنَ تَلْطُفُ
*
تنبِيْهٌ:
إنما قيدنا هذه الخصلة من خصال الملائكة عليهم السلام؛ أعني: شهود الجنائز، بجنائز الصالحين لأنها محل الاقتداء بالملائكة، والتشبه بهم في حضورها، وإلا فإن الملائكة ورد أنهم يحضرون جنائز الكفار أيضًا، كما في الحديث الذي رواه عبد الله ابن الإِمام أحمد، والطحاوي
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا مَرَتْ بِكُمْ جَنازَةٌ فَإِنْ كانَ مُسْلِمًا، أَوْ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرانِيًّا فَقُوْمُوْا لَها؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ نقُوْمُ لَها، وَلَكِنْ نَقُوْمُ لِمَنْ مَعَها مِنَ الْمَلائِكَةِ عليهم السلام"(1).
في هذا الحديث إشارة إلى أن الملائكة تحضر جنائز الكفار كما تحضر جنائز المسلمين، وكأن جنائز المسلمين تحضرها ملائكة الرَّحمة، وجنائز الكفار تحضرها ملائكة العذاب.
ويدل على هذا حديث أبي سعيد الخُدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم -قال: "إِنَّ رَجُلاً قتَلَ تِسْعَة وَيسْعِيْنَ نَفْساً، ثُمَّ عَرَضَتْ لَهُ التَّوْبَةُ، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ، فَدُلَّ عَلَىْ راهِبٍ، فَأَتاهُ، فَقالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتسْعِيْنَ نَفْساً، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقالَ: لا، فَقَتَلَهُ، فَكَمَّلَ بِهِ مِئَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ، فَدُلَّ عَلَىْ رَجُلٍ عالِمٍ، فَقالَ لَهُ: إِنَّهُ قَتَلَ مِئَةَ نَفْسٍ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقالَ: نَعَمْ، وَمَنْ يَحُوْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إِلَىْ أَرْضِ كَذا وَكَذا؟ فَإِنَّ بِها ناساً يَعْبُدُوْنَ اللهَ، فَاعْبُدِ الله مَعَهُمْ، وَلا تَرْجِعْ إِلَىْ أَرْضِكِ؛ فَإِنَّها أَرْضُ سُوءٍ، فَانْطَلَقَ حَتَّىْ إِذا انْتَصَفَ الطَّرِيْقُ فَأَتاهُ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيْهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلائِكَةُ الْعَذابِ، فَقالَتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جاءَ تائِباً مُقْبِلاً، وَقالَتْ مَلائِكَةُ الْعَذابِ: إِنَّه لَمْ يَعْمَلْ خَيْراً قَطُّ، فَأَتاهُمْ ملك فِيْ صُوْرَةِ آدمِيٍّ، فَجَعَلُوْهُ بَيْنَهُمْ، فَقالَ: قِيْسُوْا ما بَيْنَ الأَرْضَيْنِ، قالَ: أيُّتُها
(1) رواه الإِمام أحمد في "المسند"(4/ 413)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 489).
كانَ أَدْنى فَهُوَ لَهُ، فَقاسُوْهُ، فَوَجَدُوْهُ أَدنى إِلَىْ الأَرْضِ الَّتِيْ أَرادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَة". أخرجه الإِمام أحمد، ومسلم، وابن ماجه (1).
فالملائكة التي تحضر جنازة الكافر والفاسق الذي مات مُصِرًّا هم ملائكة العذاب.
وذكر الحافظ عبد العظيم المنذري في حديث عمار رضي الله تعالى عنه الذي أخرجه أبو داود، وغيره:"إِنَّ الْمَلائِكَةَ لا تَحْضُرُ جَنازَةَ الْكافِرِ بِخَيْرٍ، وَلا الْمُتَضَمِّخِ بِالزعْفَرانِ، وَلا الْجُنُبِ"(2): أن المراد بالملائكة هنا هم الَّذين يتنزلون بالرَّحمة، والبركة دون الْحَفَظَةِ؛ فإنهم لا يفارقون على حال من الأحوال (3). ا. هـ.
وأما شهود المسلم لجنازة الكافر فلا فائدة فيه للميت؛ فإنه خالد في النَّار، ولا للحي؛ إذ لا ثواب له في ذلك، بل هو مكروه.
إلا أنه لا بأس باتباع المسلم جنازة قريبه الكافر.
قال الأذرعي: و [لا] يبعد إلحاق الزوجة والمملوك بالقريب.
قال: وفي الجار نظر (4).
(1) رواه الإِمام أحمد في "المسند"(3/ 20)، ومسلم (2766)، وابن ماجه (2622)، ورواه البخاري أيضًا (3283).
(2)
رواه أبو داود (4176).
(3)
انظر: "الترغيب والترهيب" للمنذري (1/ 90).
(4)
انظر: "فتح الوهاب شرح منهج الطلاب" لزكريا الأنصاري (2/ 165).