الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال المستلم بن سعيد: كان رجل بأرض طبرستان - قال: وهي أرض آسية كثيرة الشجر - قال: فبينما هو يسير إذ نظر إلى ورق الشجر قد جف، فتساقط، وتراكم بعضه على بعض، فجعل يفكر في نفسه وهو يسير: أترى الله عز وجل يحصي هذا كله؟ فسمع منادياً ينادي: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14](1).
روى هذه الآثار ابن أبي الدنيا في كتاب "الهواتف".
وأقرب ما يحمل عليه ما فيها أن الهواتف بهؤلاء من الملائكة عليهم السلام.
82 - ومنها: قولهم فيما لا يعلمون: "لا علم لنا"، أو: "لا ندري
":
قال الله تعالى حكاية عن الملائكة عليهم السلام: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32].
قال القرطبي: الواجب على من سئل عن علم أن يقول إن لم يعلم:
(الله أعلم)، و:(لا أدري) اقتداء بالملائكة، والأنبياء، والفضلاء من العلماء (2). انتهى.
وسئل الشعبي عن مسألة فقال: لا علم لي بها، فقيل: ألا تستحيي؟ قال: ولِمَ أستحيي مما لم تستحِ منه ملائكة الرحمن حين قالوا: {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 32]؟ .
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "الهواتف"(ص: 31).
(2)
انظر: "تفسير القرطبي"(1/ 285).
وروى الإمام أحمد، والحاكم وصححه، عن جُبير بن مُطْعِم رضي الله تعالى عنه، وأبو يعلى عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أي البلاد شر؟ " قال: "لا أَدْرِيْ حَتَّىْ أَسْأَلَ"، فسأل جبريل عليه السلام عن ذلك، فقال:"لا أدري حتى أسأل"، فانطلق ثم جاء، فقال:"إني سألت ربي عن ذلك، فقال: شر البلاد الأسواق"(1).
قال الحاكم: هذا الحديث أصل في قول العالم: (لا أدري)(2).
وروى ابن حبان في "صحيحه" عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ البقاع شر؟ فقال: "لا أَدْرِيْ حَتَّىْ أَسْأَلَ جِبْرِيْلَ"، فسأل جبريل فقال:"لا أدري حتى أسأل ميكائيل"، فجاءه فقال:"خيرُ البقاعِ المساجدُ، وشرُّها الأسواقُ"(3).
وروى ابن مردويه بأسانيدَ حِسانٍ، عن جابر بن عبد الله، وعن قيس ابن سعد بن عبادة، وعن أنس بن مالك - وكلهم من الأنصار رضي الله عنهم: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] قال لجبريل: "ما هَذا؟ " قال: "لا أدري حتى أسأل العليم"، ثم رجع فقال: "إن ربك يأمرك أن تَصِلَ من قطعك،
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 81)، والحاكم في "المستدرك"(303)، وأبو يعلى في "المسند"(7403)، ورواه الطبراني في "المعجم الكبير"(1545) كلهم عن جبير بن مطعم.
(2)
انظر: "المستدرك" للحاكم (303).
(3)
رواه ابن حبان في "صحيحه"(1599).
وتعطيَ من حرمك، وتعفوَ عن من ظلمك" (1).
وأنشد القرطبي ليزيد بن الوليد بن عبد الملك (2)، واستحسنه:[من المتقارب]
إِذا ما تَحَدَّثْتُ فِيْ مَجْلِسٍ
…
تَنَاهَىْ حَدِيْثِيْ إِلَىْ ما عَلِمْتُ
وَلَمْ أَعْدُ عِلْمِيْ إِلَىْ غَيْرِهِ
…
وَكانَ إِذا مَا تَناهَىْ سَكَتُّ (3)
وقلت: وذيلت عليه بقولي: [من المتقارب]
وَلَوْ جاءَنِيْ أَحَدٌ سائِلاً
…
عَنِ الشَّيْءِ أَعْلَمُهُ لأَفَدْتُ
وَقُلْتُ لِمَا لَمْ أَكُنْ عَالِماً
…
بِهِ إِنْ أَكُنْ عَنْهُ يَوْمًا سُئِلْتُ
إِلَيْكَ اعْتِذارِيَ لا عِلْمَ لِيْ
…
بِهَذا وَلا غَرْوَ فِيْما فَعَلْتُ
(1) عزاه الحافظ في "فتح الباري"(8/ 306) إلى ابن مردويه.
(2)
في "أ": "عبد الله".
(3)
انظر: "تفسير القرطبي"(1/ 287)، و"جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر (1/ 132).