الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَجُلٍ يَكُوْنُ بِأرْضِ فَلاةٍ تَحْضُرُهُ الصَّلاةُ فَيُؤَذنُ، وُيقِيْمُ الصَّلاةَ، فَيُصَلِّيْ إِلَاّ صَلَّىْ خَلْفَهُ مِنَ الْمَلائِكَةِ ما لا يَرَىْ طَرْفاهُ، يَرْكَعُوْنَ بِرُكُوْعِهِ، وَيَسْجُدُوْنَ بِسُجُوْدِهِ، وُيؤَمنُوْنَ عَلَىْ دُعائِهِ" (1).
*
تنبِيْهانِ:
الأَوَّلُ: لا تقتدي الملائكة بالمنفرد إلا إذا أذن وأقام، فإن اقتصر على الإقامة لم يُصَلَّ معه سوى ملكيه؛ لما رواه عبد الرزاق عن سعيد بن المسيِّب رحمه الله تعالى قال: من صلى بأرض فلاة فأقام، صلى عن يمينه ملك وعن يساره ملك، فإذا أذن وأقام صلى معه من الملائكة أمثال الجبال (2).
ورواه الليث، عن ابن المسيب، عن معاذ رضي الله تعالى عنه.
وقال الدارقطني في "العلل": إنه الأصح (3).
وروى عبد الرزاق -أيضًا - حديث سلمان المتقدم بلفظ: "إِذا كانَ الرَّجُلُ بِأرْضِ فَلاةٍ فَحانَتِ الصَّلاةُ فَلْيتوَضَّأ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ماءً فَلْيتَيَمَّمْ، فَإِنْ أَقامَ صَلَّىْ مَعَهُ مَلَكانِ، وَإِنْ أَذَّنَ وَأَقامَ صَلَّىْ خَلْفَهُ مِنْ جُنُوْدِ اللهِ
(1) رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 405) مرفوعًا، ثم رواه موقوفًا على سلمان وقال: هذا هو الصحيح موقوف، وقد روي مرفوعًا ولا يصح رفعه.
(2)
رواه عبد الرزاق في "المصنف"(1945)، ورواه الإِمام مالك في "الموطأ"(1/ 74).
(3)
انظر: "العلل" للدارقطني (6/ 63).
ما لا يَرَىْ طَرْفاه" (1).
التَّنْبِيْهُ الثَّانِيْ: لعلك تقول: إن فضيلة الجماعة لا ينالها الإِمام ما لم ينو الإمامة والجماعة -على الأصح - فعليه: لا تحصل فضيلة الجماعة للمنفرد إذا اقتدى به غيره، فأي فائدة له في اقتداء غيره به؟
فالجواب عن ذلك: إن المقتدي بهذا المنفرد إن كان لم يُصَلِّ قبل ذلك، أو صلى منفردًا، فقد حصل فضيلة الجماعة لنفسه باقتدائه بالمنفرد المذكور، وإن كان قد صلى قبل ذلك صلاته في جماعة فقد حصل باقتدائه المذكور فضيلة هذه الصلاة الثانية نفلًا، وفرضه الأولى في الأصح.
ثم المنفرد لا يخلو عن فائدة باقتداء هذا المقتدي به إن قلنا بالقول الثاني: (إن فضيلة الجماعة تحصل له وإن لم ينو الإمامة أو الجماعة).
ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم وقد جاء بعد العصر رجل إلى المسجد -: "مَنْ يتصَدَّقُ عَلَىْ هَذا فَيُصَلِّ مَعَهُ؟ " فصلى معه رجل. رواه أبو داود، وغيره، وحسنوه (2).
وإن قلنا بالقول الأول -وهو الأصح -: (إن فضيلة الجماعة لا تحصل له إلا بنية الجماعة) فلا تفوته الفضيلة أيضًا؛ لأنه يمكنه أن ينويَ
(1) رواه عبد الرزاق في "المصنف"(1945).
(2)
رواه أبو داود (574)، والترمذي (220) وحسنه، والإمام أحمد في "المسند"(3/ 45).
بقلبه الجماعة في أثناء صلاته، فينال الفضيلة من حينئذ.
وقال القاضي حسين من أصحابنا الشافعية رضي الله تعالى عنهم فيمن صلى منفردًا، فاقتدى به جمع، ولم يعلم بهم: ينال فضيلة الجماعة لأنهم نالوها بسببه، بخلاف ما لو علم بهم؛ فإنه لا ينال الفضيلة ما لم ينوها؛ لأن تركه للنية مع علمه يشعر بإعراضه عن تحصيل الفضيلة (1).
وعلى هذا القول: ففي مسألة اقتداء الملائكة بالمؤمن إذا صلى في أرض فلاة لا تفوته -إن شاء الله - فضيلة جماعتهم لأنه لا يحس بهم، فإن أحس بهم - بأن كان من أرباب الكشف، وأصحاب الأحوال السَّنِية، وكشف له عن حقائقهم وجواهرهم - فحينئذ ينبغي أن ينوي الجماعة على ما فصَّله القاضي حسين رحمه الله تعالى.
ثم على كل حال: فإن المقتدي بالمنفرد مع تشبهه بالملائكة عليهم السلام متسبب لإقامة جماعة من جماعات المسلمين، فلا يخلو لذلك عن ثواب وأجر.
وكذلك إن اقتدى بمن يصلي في جماعة إماما لا يخلو من ثواب زائد على فضيلة الجماعة -وهو تكثير سواد المصلين - لأن "من أكثر سواد قوم فهو منهم"(2) - كما سبق - مع فضيلة التشبه بالملائكة عليهم السلام في ذلك.
(1) انظر: "روضة الطالبين" للنووي (1/ 367).
(2)
تقدم تخريجه.