الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال أيضاً: {مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} : بإذن الله. رواهما ابن أبي حاتم (1).
وقال: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} : بأمر الله. رواه أبو الشيخ (2).
فَ: (مِنْ) للتبعيض على قول سعيد؛ أي: حفظهم إياه بعض أمر الله.
وللسببية على قول ابن عباس؛ أي: حِفْظُهم إياه ناشع عن أمر الله تعالى، فهم مسخرون من قِبَلِه سبحانه لحفظ العبد، وحفظه من جملة أعمالهم التي بأمره يعملون.
وليس معنى الآية أنهم يحفظونه من قضاء الله وقدره؛ فإن هذا محال.
98 - ومن أعمال الملائكة عليهم السلام: السعي في مصالح المسلمين
؛ فإنهم يصعدون بأعمالهم الصَّالحة، ويسوقون أرزاقهم إليهم باذن الله تعالى.
روى الحاكم وصححه، والبيهقي، وغيرهما عن المحارب بن
سليم قال: قال عبد الله رضي الله تعالى عنه: إذا حدثناكم بحديث بتصديق ذلك من كتاب الله عز وجل: إن العبد المسلم إذ قال: الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وتبارك الله، أخذها ملك، فجعلها تحت
(1) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(7/ 2232)، والطبري في "التفسير"(13/ 117).
(2)
وكذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(4/ 612).
جناحه، ثم صَعِدَ بها، فلا يمر على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن، حتى يجيء بها وجه الرحمن، ثم قرأ:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10](1).
وقد تكلم حجة الإسلام أبو حامد في كتاب الشكر من "الإحياء" في تسخير الله تعالى الملائكة عليهم السلام لعباده في القيام بمصالح أغديتهم ومنافعهم بما لا مزيد عليه؛ كالملائكة الموكلين بالسحاب، وغيرهم (2).
وروى الديلمي في "مسند الفردوس" عن بُريدة الأسلمي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ نبتٍ يَنْبُتُ إِلَاّ وَتَحْتَهُ مَلَكٌ مُوَكَّل بِهِ حَتَّىْ يُحْصَدَ"(3).
وروى ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن عبد الله بن الحارث قال: ما في الأرض من شجرة - صغيرة ولا كبيرة، كمغرز إبرة، رطبة
(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(3589)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(625)، ورواه أيضاً الطبراني في "المعجم الكبير" (9144). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 90): رواه الطبراني، وفيه المسعودي، وهو ثقة، ولكنه اختلط، وبقية رجاله ثقات.
(2)
انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (4/ 120) وما بعدها.
(3)
رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(6143). قال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء"(2/ 1031): وفيه محمد بن صالح الطبري، وأبو بحر البكرواي، واسمه عثمان بن عبد الرحمن، وكلاهما ضعيف.
ولا يابسة - إلا عليها ملك موكل بها يأتي الله بعلمها - أي: وهو أعلم -؛ رطوبتها إذا رطبت، ويبسها إذا يبست كل يوم (1).
قال الأعمش: وهذا في الكتاب: {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59](2).
قلت: ولا شك أن هذا تسخير للملائكة في حفظ أرزاق العباد.
وقد قال الله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13]، والملائكة: ما في السَّموات والأرض.
وقال كعب: ما من شجرة، ولا موضع إبرة إلا وملك موكل بها، يرفع علم ذلك إلى الله تعالى؛ فإن ملائكة السَّماء كثر من عدد التراب (3).
وقال الحسن: ما من عام بأمطر من عام، لكن الله يصرفه حيث يشاء، وُينزل مع المطر كذا وكذا من الملائكة يكتبون حيث يقع فيه المطر، ومن يرزقه، وما يخرج منه مع كل قطرة (4).
رواهما أبو الشَّيخ.
(1) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(4/ 1304)، وأبو الشيخ في "العظمة"(2/ 743)، ورواه كذلك الطبري في "التفسير"(7/ 213).
(2)
رواه أبو الشيخ في "العظمة"(2/ 743).
(3)
رواه أبو الشيخ في "العظمة"(2/ 742).
(4)
رواه أبو الشيخ في "العظمة"(2/ 1274).
وروى الإمام أحمد، والترمذي وصححه، والنَّسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن اليهود سألوا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الرَّعد: ما هو؟ قال: "مَلَكٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُوَكَّلٌ بِالسَّحابِ مَعَهُ مَخارِيْقُ مِنْ نارِ يَسُوْقُ بِها السَّحابَ حَيْثُ شاءَ الله"، قالوا: فما الصوت الذي نسمع فيه؟ قال: "زَجْرُهُ السَّحابَ حَتَّىْ يَنْتَهِيَ إِلَىْ حَيْثُ أُمِرَ"، قالوا: صدقت (1).
وروى ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: إن تحت الأرض الثالثة، وفوق الأرض الرابعة من الجن ما لو أنهم لو ظهروا لكم لم تروا معه نوراً، على كل زاوية من زواياه خاتم من خواتيم الله، على كل خاتم ملك من الملائكة يبعث الله إليه في كل يوم ملكاً من عنده: أن احتفظ بما عندك (2).
ولا شك أنَّ في حبس الملائكة، وطردهم الشياطين - كما سبق - مصالح كثيرة لبني آدم، ودَرء مفاسد كثيرة، وما ذلك إلا كرامة للمؤمنين منهم، ولكن كان التسخير لعامة بني آدم ليتم حفظ المؤمنين بحفظ عامتهم، وليرحم العامة بعمل الخاصة، وحِكَمُهُ تبارك وتعالى بديعةٌ بلغةٌ.
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 274)، والترمذي (3117) وحسنه، والنَّسائي في "السنن الكبرى"(9072).
(2)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(4/ 1304)، ورواه أيضاً أبو الشيخ في "العظمة"(5/ 1643).