الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد روى الدارمي وغيره في حديث عن عمرو بن قيس رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللهَ تَعَالَىْ أَجارَ أُمَّتَهُ مِنْ ثلاثٍ: لا يَعُمُّهُمْ بِسَنةٍ، وَلا يَسْتَأْصِلُهُمْ عَدُوٌ، وَلا يَجْمَعُهُمْ عَلَىْ ضَلالَةٍ"(1).
وروى الخطيب البغدادي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا أُسْرِيَ بِيْ، قَرَّبَنِيْ رَبِّيْ حَتَّىْ كانَ بَيْنيْ وَبيْنَهُ كقابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، بَلْ أَدْنى، وَعَلَّمَنِيْ السِّماتِ؛ قالَ: يَا مُحَمَّدُ! قُلْتُ: لَبّيكَ يا رَبِّ، قالَ: هَلْ غمَّكَ (2) أَنِّي جَعَلْتُكَ آخِرَ النَّبِيِّيْنَ؟ قُلْتُ: يَا رَبِّ! لا، قَالَ: فَهَلْ غمَّ (3) أُمَّتَكَ أَنِّي جَعَلْتُهُمْ آخِرَ الأُمَم؟ قُلْتُ: لا يا ربِّ، قال: [أَبْلِغْ أُمَّتَكَ عنِّي السَّلامَ] (4)، وأخبرهم أني جعلتُهم آخِرَ الأُممِ؛ لأَفْضَحَ الأُمَمَ عِنْدَهُمْ، وَلا أَفْضَحَهُمْ عِنْدَ الأُمَمْ"(5).
4 - ومن الحكم المذكورة: أن الله تعالى لما سبق في علمه أنه يورث هذه الأمة الأرض بعد سائر الأمم
، كان في تأخيرهم تنفيذ هذا القضاء المبرم السابق لهم بالوراثة؛ فإن الوارث لا بد أن يتأخر عن
(1) رواه الدارمي في "السنن"(54).
(2)
في "أ": "علمت".
(3)
في "أ": "علم".
(4)
زيادة من "تاريخ بغداد"(5/ 130).
(5)
رواه الخطيب في "تاريخ بغداد"(5/ 135)، والديلمي في "مسند الفردوس" (5321). قال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/ 182): هذا حديث لا يصح.
الموروث زماناً، وإلا لم يتحقق إرثه منه، ولذلك لم يُوَرِّثِ الغرقى، والمهدوم عليهم، والمقتولين في المعركة إذا انكشف الأمر عنهم أمواتاً، ولم نعلم السابق منهم بعضهم من بعض.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105].
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أخبرنا الله تعالى في التوراة والزبور، وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض، أن يورث أمة محمد صلى الله عليه وسلم الأرض (1).
وقرأ أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه الآية، فقال: نحن الصالحون (2).
رواهما ابن أبي حاتم في "تفسيره".
بل نقول: إن الله تعالى أورث هذه الأمة ما هو أعظم من وراثة الأرض، وهو علم الكتاب الأول.
قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر: 32].
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ ورثهم
(1) رواه الطبري في "التفسير"(17/ 104).
(2)
رواه البخاري في "التاريخ الكبير"(7/ 375).
الله تعالى كل كتاب أنزله، فظالمهم مغفور له، ومقتصدهم يحاسب حساباً يسيرًا، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب (1).
وفي الحديث المرفوع ما يؤيده.
وروى الإمام أبو نعيم الأصبهاني عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مُوْسَىْ عليه السلام لَمَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِ التَّوْراةُ، وَقَرَأَهَا، فَوَجَدَ فِيْها ذِكْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ، قالَ: يا رَبِّ! إِنِّيْ أَجِدُ فِيْ الأَلْواحِ أُمَّةً هُمُ الآخِرُوْنَ السَّابِقُوْنَ، فَاجْعَلْها أُمَّتِيْ، قالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ"، الحديث.
إلى أن قال فيه "قال: رَبِّ! إِنِّيْ أَجِدُ فِيْ الأَلْواحِ أُمَّة يُؤْتَوْنَ الْعِلْمَ الأَوَّلَ، وَالْعِلْمَ الآخِرَ، فَيَقْتُلُوْنَ قُرُوْنَ الضَّلالَةِ، وَالْمَسِيْحَ الدَّجَّالَ، فَاجْعَلْها أُمَّتِيْ، قالَ: تِلْكَ أُمَّةُ أَحْمَدَ"(2)، الحديث.
ولا شك أن في توريث الأمة الكتاب، والعلم الأول تكريماً لهم وتزكية، وأي زكاة أعظم من زكاة العلم، والاطلاع على أسرار المعرفة، وحقائق التوحيد.
ولا شك أن من أكثر علمه أكثر عمله، ونمت أحواله، وإلا لم يكن علمه معتداً به، ولا ملتفتاً إليه.
(1) رواه الطبري في "التفسير"(20/ 465)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3181).
(2)
رواه أبو نعيم في "حديث أبي نعيم عن أبي علي الصواف"(ص: 2)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(1/ 379) من قول وهب بن منبه.