الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما ما ينقل عن بعض الصوفية من كثرة السجود فمحمول على أنهم مراقبون بسرائرهم وأحوالهم، فكلما فجأهم حال شريف، أو نزلوا في مقام منيف سجدوا شكرًا لهجوم تلك النعمة، وكلما تخلصوا من آفة من آفات الطريق سجدوا لاندفاع تلك الآفة، وكلما رأوا مبتلى بمعصية سجدوا لذلك.
وأما سجود بعض المتصوفة لصورة جميلة، أو لشيوخهم فإنه ضلال شبيه بسجود النصارى لأساقفتهم، كما سيأتي.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كُنْتُ آمِراً أَحَداً أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِها"(1). رواه الإِمام أحمد عن معاذ، والترمذي وصححه، عن أبي هريرة، والحاكم وصححه، عن بريدة رضي الله عنه.
*
فَائِدَةٌ:
قال أبو الليث السمرقندي في "تنبيه الغافلين": يقال: إن الله تعالى خلق سبع سماوات، وحَشَاها بالملائكة، وتعبَّدهم بالصلاة لا يَفْتُرُوْنَ ساعة، فجعل لأهل كل سماء نوعا من العبادة، فأَهْل سماء قيام على أرجلهم إلى نفخة الصور، وأهل سماء سجود، وأهل سماء مرخية الأجنحة من هيبته، وأهل عليين، ومن حول العرش يسبحون بحمد
(1) رواه رواه الإِمام أحمد في "المسند"(5/ 227) عن معاذ، ورواه الترمذي (1159) وحسنه عن أبي هريرة، ورواه الحاكم في "المستدرك"(7326) عن بريدة.
ربهم، ويستغفرون لمن في الأرض، فجعل الله تعالى ذلك كله في صلاة واحدة كرامة للمؤمن حتى يكون له حظ من عبادة كل سماء، وزادهم القرآن يتلونه فيها، وطلب منهم شكرها، وشكرُها إقامتها بشروطها، وحدودها. انتهى.
وروى أبو نعيم عن سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَىْ فِيْ السَّماواتِ السَّبع مَلائِكَةً يُصَلُّوْنَ لَهُ غِنَىً عَنْ صلاةِ فُلانٍ"؛ عن رجل من المنافقين تخلف عن الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأراد عمر قتله، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: وما صلاتهم يا رسول الله؟ قال: فلم يردَّ عليه شيئًا، فجاءه جبريل عليه السلام فقال:"يا نبي الله! سألك عمر عن صلاة أهل السماء؟ قال: نَعَمْ، فقال: اقرأ على عمر السلام، وأخبره أن أهل سماء الدنيا سجود إلى يوم القيامة تقول: سبحان ذي الملك والملكوت، وأهل السماء الثانية ركوع إلى يوم القيامة يقولون: سبحان ذي العزة والجبروت، وأهل السماء الثالثة قيام إلى يوم القيامة يقولون: سبحان الحي الذي لا يموت"(1).
وروى الإِمام عبد الله بن المبارك في "الزهد والرقائق" عن شريح ابن عبيد الحضرمي قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لكعب رحمه الله تعالى: خَوِّفنا يا كعب، قال كعب: والله إن لله لملائكة قياماً منذ يوم
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 277)، وكذا الطبري في "التفسير"(1/ 210).