الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى ابن أبي حاتم عن مالك بن دينار -كأنه عن بعض الكتب- قال: جنات النعيم بين جنان الفردوس، وبين جنان عدن، وفيها جَوارٍ خُلِقن من ورد الجنة، قيل: ومن يسكنها؟ قال: الذين همُّوا بالمعاصي فلمَّا ذكروا عظمتي راقبوني، والذين انثنت أصلابهم من خشيتي (1).
ويجمع بين هذا وبين حديث أبي أمامة وأنس: بأن جمهور الحور خلقن من الزعفران، ومنهن من خلقن من مسك، أو كافور، أو ورد، فاقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على ذكر الغالب.
- ومن أخلاق الملائكة عليهم السلام:
11 - محبة مجالس الذكر، وإقبالهم عليها، وحنينهم إليها، وحفهم بها، ومساعدتهم لأهلها في الذكر، وتكثير سوادهم
.
روى مسلم، والترمذي، وابن ماجه عن أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما: أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُوْنَ الله تَعَالَىْ إِلَاّ حَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ، وَغَشِيتهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِيْنَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيْمَنْ عِنْدَه"(2).
وروى الشيخان، والترمذي، والنسائي، وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً سَيَّاحِيْنَ فِيْ الأَرْضِ فُضُلاً (3)
(1) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(4/ 1170).
(2)
رواه مسلم (2700)، والترمذي (2945)، وابن ماجه (3791).
(3)
فضلاً: بضم الفاء والضاد، ويروى بسكون الضاد؛ أي: زيادة على الملائكة.
عَنْ كُتَّابِ النَّاسِ، يَطُوْفُوْنَ فِيْ الطُّرُقِ يَلْتَمِسُوْنَ أَهْلَ الذّكْرِ، فَإِذا وَجَدُوْا قَوْمًا يَذْكُرُوْنَ الله تَعَالَىْ تَنادَوْا: هَلُمُّوْا إِلَىْ حاجَتِكُمْ، فَيَحُفُّوْنَ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَىْ السَّماءِ الدُّنْيا، فَيَسْألهُمْ ربهُمْ -وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ-: ما يَقُوْلُ عِبادِيْ؟ فَيقُوْلُوْنَ: يُسَبحُوْنَكَ، وُيكَبروْنَكَ، وَيَحْمَدُوْنَكَ، وُيمَجِّدُوْنَكَ، فَيَقُوْلُ: هَلْ رَأَوْنيْ؟ فَيَقُوْلُوْنَ: لا -وَاللهِ- ما رَأَوْكَ، فَيَقُوْلُ: كَيْفَ لَوْ رَأَوْنيْ؟ فَيقُوْلُوْنَ: لَوْ رَأَوْكَ كانُوْا أَشَدَّ لَكَ عِبَادةً، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيْداً، وَأكثَرَ لَكَ تَسْبِيْحاً، فَيَقُوْلُ: فَمَا يَسْألوْنيْ؟ فَيقوْلُوْنَ: يَسْألوْنَكَ الْجَنَّةَ، فَيَقُوْلُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ فَيقُوْلُوْنَ: لا -وَاللهِ يا رَبِّ- ما رَأَوْها، فَيَقُوْلُ: فَكَيْفَ لَوْ أَنهمْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُوْلُوْنَ: لَوْ أَنهمْ رَأَوْها كانُوْا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا، وَأَشَدَّ لَها طَلَباً، وَأَعْظَمَ فِيْها رَغْبَةً، قالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُوْنَ؟ فَيقُوْلُوْنَ: مِنَ النَّارِ، فَيَقُوْلُ اللهُ تَعَالَىْ: وَهَلْ رَأَوْها؟ فَيقُوْلُوْنَ: لا -وَاللهِ يا رَب- ما رَأَوْها، فَيقوْلُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْها؟ فَيقوْلُوْنَ: لَوْ رَأَوْها كانُوْا أَشَدَّ مِنْها فِراراً، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً، فَيقوْلُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَني قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، فَيَقُوْلُ ملك مِنَ الْمَلائِكَةِ: فِيْهِمْ فُلانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جاءَ لِحاجَةٍ، فَيَقُوْلُ: هُمُ الْقَوْمُ لا يَشْقَىْ بِهِمْ جَلِيْسُهُمْ" (1).
وفي رواية مسلم: "إِنَّ للهِ تبارك وتعالى مَلائِكَةً سَيارَةً فُضُلاً عَنْ كُتَّابِ النَّاسِ يَبْتَغُوْنَ مَجَالِسَ الذكْرِ، فَإذا وَجَدُوْا مَجْلِسًا فِيْهِ ذِكْرٌ قَعَدُوْا مَعَهُمْ، وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّىْ يَمْلَؤُوْا ما بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّماءِ،
(1) رواه البخاري (6045) واللفظ له، ومسلم (2689)، والترمذي (3600).
فَإِذا تَفَرَّقُوْا عَرَجُوْا، وَصَعِدُوْا إِلَىْ السَّماءِ، قالَ: فَيَسْألهُمُ اللهُ عز وجل، وَهُوَ أَعْلَمُ -: مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فَيَقُوْلُوْنَ: جِئْنا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِيْ الأَرْضِ يُسَبِّحُوْنَكَ، وُيكَبِّرُوْنَكَ، وَيُهَللوْنَكَ، وَيَحْمَدُوْنَكَ، وَيسْألوْنَكَ، قالَ: فَما يَسْألوْنيْ؟ قالُوْا: يَسْألوْنَكَ جَنَّتَكَ، قالَ: وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِيْ؟ قالُوْا: لا يا رَبِّ، قالَ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِيْ؟ قالُوْا: وَيسْتَجِيْرُوْنَكَ، قالَ: وَمِمَّ يَسْتَجِيْرُوْننِيْ؟ قالُوْا: مِنْ نارِكَ يا رَبِّ، قالَ: وَهَلْ رَأَوْا نارِيَ؟ قالُوْا: لا يا رَبِّ، قالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نارِيَ؟ قالَ: وَيَسْتَغْفِرُوْنَكَ، قالَ: فَيَقُوْلُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، وَأَعْطَيْتُهُمْ ما سَألوْا، وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجارُوْا، قالَ: فَيَقُوْلُوْنَ: رَبِّ! فِيْهِمْ فُلان عَبْدٌ خَطَّاءُ، إِنَّما مَرَّ، فَجَلَسَ مَعَهُمْ، قالَ: فَيقُوْلُ: وَلَهُ قَدْ غَفَرْتُ؛ هُمُ الْقَوْمُ لا يَشْقَىْ بِهِمْ جَلِيْسُهُمْ" (1).
وروى الطبراني في "معجمه الصغير" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن رواحة رضي الله عنه وهو يُذَكِّرُ أصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أَمَا إِنكمُ الْمَلأُ الَّذِيْنَ أَمَرَنيْ اللهُ أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِيَ مَعَهُمْ"، ثم تلا هذه الآية:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} إلى قوله: {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28].
"أَمَا إِنَّهُ ما جَلَسَ عِدَّتُكُمْ إِلَاّ جَلَسَ مَعَهُمْ عِدَّتُهُمْ مِنَ الْمَلائِكَةِ؛ إِنْ سَبَّحُوْا الله سَبَّحُوْهُ، وَإِنْ حَمِدُوْا الله حَمِدُوْهُ، وإنْ كَبَّرُوْا اللهَ كَبَّرُوْهُ، ثُمَّ يَصْعَدُوْنَ إِلَىْ الرَّبِّ -جَلَّ ثَناؤُهُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ- فَيَقُوْلُوْنَ: رَبَّنَا!
(1) رواه مسلم (2689).
عِبادُكَ سَبحُوْكَ فَسَبحْنَا، وَكَبرُوْكَ فَكَبرْنا، وَحَمِدُوْكَ فَحَمِدْنا، فَيَقُوْلُ ربُّنَا: يا مَلائِكَتِيْ! اشْهَدُوْا عَلَيَّ أَنِّيْ قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، فَيقُوْلُوْنَ: فِيْهِمْ فُلانٌ الْخَطَّاءُ، فَيَقُوْلُ: هُمُ الذِيْنَ لا يَشْقَىْ بِهِمْ جَلِيْسُهُمْ" (1).
وفي هذا الحديث إشارة لطيفة، وهي أن من أخلاق الملائكة أنهم يتشبهون بالذاكرين إذا رأوهم، ويلائمونهم، فإذا سبحوا سبحوا، وإذا كبروا كبروا، وإذا حمدوا حمدوا.
وروى ابن أبي الدنيا، وأبو يعلى، والبزار، والطبراني، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وقال المنذري: حسن، عن جابر رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"يا أيهَا النَّاسُ! إِنَّ لِلَّهِ سَرايا مِنَ الْمَلائِكَةِ تَحُلُّ، وَتَقِفُ عَلَىْ مَجالِسِ الذِّكْرِ فِيْ الأَرْضِ، فَارْتَعُوْا فِيْ رِياضِ الْجَنَّةِ" قالُوْا: وَأَيْنَ رِياضُ الْجَنَّةِ؟ قالَ: "مَجالِسُ الذِّكْرِ، فَاغْدُوْا وَرُوْحُوْا فِيْ ذِكْرِ اللهِ، وَذَكّرُوْهَ أَنْفُسَكُمْ، مَنْ كانَ يُحِبُّ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلتهُ عِنْدَ اللهِ فَلْيَنْظُرْ كَيْفَ مَنْزِلَةُ اللهِ عِنْدَهُ؛ فَإِنَّ الله يُنْزِلُ الْعَبْدَ مِنْهُ حَيْثُ أنزَلَهُ مِنْ نَفْسِهِ"(2).
(1) رواه الطبراني في "المعجم الصغير"(1074).
(2)
رواه أبو يعلى في "المسند"(1865)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(2501)، والحاكم في "المستدرك"(1820)، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 77): رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط وفيه عمر بن عبد الله مولى عفرة وقد وثقه غير واحد، وضعفه جماعة، وبقية رجالهم رجال الصحيح.
وانظر: "الترغيب والترهيب" للمنذري (2/ 261).