الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال والدي رحمه الله تعالى: وقد ظفرت بعد ذلك ببيتين لشيخ الإسلام الوالد - يعني: الشيخ رضي الدين -، وهما أحسن من قول ابن حجر، ومن قولي، وهما:[من الخفيف]
إِنْ تَكُنْ عَنْ حالِ الَّذِيْنَ اجْتَبَاهُمْ
…
ربُهُمْ عاجِزاً وَتَطْلُبْ قُرْبا
حِبَّ مَوْلاكَ وَالَّذِيْنَ اصْطَفَاهُمْ
…
تَبْقَ مَعْهُمْ فَالْمَرْءُ مَعْ مَنْ أَحَبَّا
وقوله: "حِبَّ مولاك" - بكسر الحاء -؛ بمعنى: أَحِبَّ؛ لغة قليلة،
يقال: حَبَّ، يَحِبُّ - بكسر ثاني المضارع -، كما في "القاموس"(1).
*
تَنْبِيهٌ:
من شرط إلحاق المحبة من يحب بمن يحبه من الصالحين وأولياء الله تعالى: الإخلاص وحسن النية.
وهذا مما أبعد المنافقين عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله تعالى عنهم؛ لأنهم أظهروا محبتهم لهم، ونيتهم غير ذلك.
وقال ابن مسعود: هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس، فكان يسمى مهاجر أم قيس. رواه الطبراني في "الكبير" بسند صحيح (2).
(1) انظر: "القاموس المحيط"(ص: 90)(مادة: حبب).
(2)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(8540). قال الحافظ في "فتح الباري" =
فتأمَّل كيف لما هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الظاهر - والهجرة إليه دليل حبه - فلما أشرك في هجرته غيره، وأضمر طلب أم قيس، سمي بها دونه!
قال بعض العلماء: وهذا كان السبب (1) في قوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا الأَعْمالُ بِالنِّيَّاتِ، وإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَىْ، فَمَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَىْ اللهِ وَرَسُوْلهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَىْ اللهِ وَرَسُوْلهِ، وَمَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَىْ دُنْيَا يُصِيْبُها، أَوْ إِلَىْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُها، فَهِجْرَتُهُ إِلَىْ ما هاجَرَ إِلَيْهِ". أخرجه الشيخان، وغيرهما من حديث عمر رضي الله عنه (2).
وفي قوله: "أَوِ امْرَأةٍ ينْكِحُها" تلميحٌ بمهاجر أم قيس.
وقد روى الطبراني - بسند جيد - عن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: من أحبنا للدنيا، فإن صاحب الدنيا يحبه البَرُّ والفاجر، ومن أحبنا لله تعالى، كنا نحن وهو يوم القيامة كهاتين، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى (3).
= (1/ 10): وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
(1)
قال الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم"(ص: 14): وقد اشتهر أن قصة مهاجر أم قيس هي كانت سبب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها" وذكر ذلك كثير من المتأخرين في كتبهم، ولم نر لذلك أصلاً يصح، والله أعلم.
(2)
رواه البخاري (1)، ومسلم (1907).
(3)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(2880).
وفي قوله: فإن صاحب الدنيا يحبه البَرُّ والفاجر: إشارة إلى أنَّ محبة أهل الدنيا ومؤاخاتهم ليس فيها فضيلة أصلاً، والأمر كذلك.
وقد عوتب النبي صلى الله عليه وسلم بإعراضه مرة عن الفقراء اشتغالاً بمحادثة من كان يرجو إسلامه من أرباب الدنيا (1)، بقوله تعالى:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28].
بل محبة أهل الدنيا للدنيا مكروهة أو حرام؛ لأنها ترجع إلى محبة الدنيا.
وفي الحديث: "حُبُّ الدُّنْيا رَأْسُ كُلّ خَطِيْئَةٍ". رواه البيهقي في "شُعَب الإيمان" عن الحسن مرسلاً (2).
وروى الإمام أحمد، والبزار، والطبراني، وابن حبَّان، والحاكم - وصححاه - عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَّ دنْياهُ أَضَرَّ بآخِرَتهِ، وَمَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْياهُ، فآثِرُوْا ما يَبْقَى عَلَى ما يَفْنَى"(3).
(1) انظر: "سنن ابن ماجه"(4127).
(2)
رواه البيهقي في "شُعَب الإيمان"(10501).
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 412)، وابن حبَّان في "صحيحه"(709)، والحاكم في "المستدرك " (7853). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 249): رواه الإمام أحمد والبزار والطبراني ورجالهم ثقات، =