الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: ثم هذا لطالب العلم، فكيف بمن طلب المعلوم؟ انتهى.
وأراد بالمعلوم: الله تعالى.
وعندي أن الملائكة عليهم السلام إنما تضع أجنحتها لمن أراد بعلمه وجهه سبحانه وتعالى لقوله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5]، ومن كان علمه محموداً عند الله تعالى.
فاما من طلب علمًا مذموماً؛ كالسحر والكهانة، أو محموداً لغير الله تعالى لم تفعل الملائكة معه ذلك؛ لأنه من بُغَضَاءِ الله تعالى وأعدائه، وهم إنما يتواضعون مع أحبائه وأوليائه.
وأيضاً فإن الشياطين رفقاء مَنْ هذا وَصْفُهُم كما قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء: 221، 222]، والملائكة، والشياطين لا يجتمعون؛ فافهم!
نعم، يتفاوت تواضعهم مع العلماء المصلحين من المخلصين على قدر تفاوت درجاتهم في العلم الصالح، وفي الإخلاص فيه.
*
تَنْبِيْهٌ، وَمَوْعِظَةٌ:
أخبرنا شيخ الإسلام والدي إجازة عن الشيخ أبي الفتح المزي، عن شيخ الإقراء ابن الجزري صاحب "النشر"، وغيره [ح] وأخبرنا - أيضًا - عن البرهان بن أبي شريف، عن الزين القباني؛ كلاهما عن ابن الخباز، عن شيخ الإسلام أبي زكريا النواوي، أنا الأنباري، أنا الحافظ عبد القادر الرهاوي، أنا عبد الرحيم بن علي الشاهد، أنا محمَّد بن طاهر المقدسي
الحافظ، أنا أبو الفتح المفيد، أنا أبو الحسن علي بن محمد بن طلحة بن سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، سمعت أبا يحيى زكريا بن يحيى السَّاجي قال: كنا نمشي، وكان معنا رجل ماجن متهم في دينه، فقال: ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة - كالمستهزى" -، فما زال من موضعه حتى جفت رجلاه، وسقط (1).
قال الحافظ عبد القادر: إسناد هذه الحكاية كالأخذ باليدين، أو كرأي العين؛ لأن رواتها أعلام، وراويها الإمام (2).
قلت: وكذلك الرواة بيننا وبين الرهاوي كلهم أعلام مشاهير، وتوثيقهم وتعديلهم لا يحتاج إلى مزيد تقدير رحمهم الله تعالى.
وبالإسناد إلى محمد بن طاهر قال: أنا يحيى بن الحسن العلوي، أنا الحسن العتيقي، قال: سمعت عبد الله بن محمد بن محمد العكبري قال: سمعت محمد بن عبد الله بن محمد بن يعقوب الْمَتُّوْثِي، قال: سمعت أبا داود السجستانيَّ يقول: كان في أصحاب الحديث رجل خليع إلى أن سمع لحديث النبي صلى الله عليه وسلم "إِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطالِبِ الْعِلْمِ رِضًى بِما يَصْنعُ"(3)، فجعل في رجليه مسمارين من حديد، وقال: أريد
(1) ذكرها النووي في "بستان العارفين"(ص: 111). ورواها الخطيب البغدادي في "الرحلة في طلب الحديث"(ص: 85).
(2)
انظر: "بستان العارفين" للنووي (ص: 112).
(3)
تقدم تخريجه.