الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خَاتِمَة لَطِيفَةٌ لِهَذَا البَاب
معنى قوله تعالى في وصف هذه الأمة في التوراة - كما تقدم - هم السابقون الآخرون في الزمان، السابقون في الأعمال الصالحة والأحوال الشريفة، وإنما قيد النبي صلى الله عليه وسلم السبق في الحديث المتقدم أول الباب بيوم القيامة؛ لأنه ثَمَّ يظهر السَّبق والتقدم، ولقد قلت:[من المتقارب]
إِذَا اشْتَبَهَتْ فِيْ ظلامِ الدُّجَىْ
…
أُمُوْرٌ وَلَمْ يَظْهَرِ الْحَقُّ مِنْها
فَعِنْدَ طُلُوْعِ النَّهارِ تَجَلَّتْ
…
عِياناً وَقَدْ كُشِفَ الرَّيْبُ عَنْها
ويجوز أن يكون معنى سبقهم: أنهم أول من يقضى بينهم من الأمم، ويؤيده ما رواه ابن ماجه رحمه الله تعالى عن أبي هريرة وحذيفة رضي الله تعالى عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نَحْنُ الآخِرُوْنَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، الأَوَّلُوْنَ يَوْمَ الْقِيامَةِ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلائِق"(1).
(1) رواه ابن ماجه (1083)، ورواه أيضاً مسلم (856) عن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما.
ثم هم أول الخلائق في القضاء، لا في الحشرة بدليل ما صححه الحاكم عن عبد الله بن سَلَام رضي الله عنه قال: إِذَا كانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ، يَبْعَثُ اللهُ الْخَلِيْقَةَ أُمَّةً أُمَّة، وَنبِيَّا نبِيًّا، حَتَّىْ تَكُوْنَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم آخِرَ الأُمَمِ مَرْكَزاً، ثُمَّ يُوْضَعُ جِسْرٌ عَلَىْ جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُنادِيْ مُنادٍ: أَيْنَ مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ؟ فَيَقُوْمُ، فتَتْبَعُهُ أُمَّتُهُ - بَرُّهَا، وَفاجرُها -، فَيَأْخُذُوْنَ الْجِسْرَ، فَيَطْمِسُ اللهُ تَعَالَىْ عَلَىْ أَبْصارِ أَعْدائِهِ، فَيتَهافَتوْنَ فِيْها مِنْ شِمالٍ وَيَمِيْنٍ، وَينْجُوْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالصَّالِحُوْنَ مَعَهُ، مَعَهُمُ الْمَلائِكَةُ تُبَوِّئُهُمْ مَنازِلَهُمْ فِيْ الْجَنَّةِ: عَلَىْ يَمِيْنكَ، عَلَىْ يَسارِكَ، حَتَّىْ يَنتهِيَ إِلَىْ رَبِّهِ. الحديث (1).
فدل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو وأمته آخر الأمم في البعث والحشر؛ لئلا يطول موقفهم ومشاهدتهم للأهوال، ثم هم أول الأمم في القضاء، فيقضى لهم أول الناس، لتثبت عدالتهم على رؤوس الأشهاد، فتقبل شهادتهم على سائر العباد - وهذه نكتة لطيفة جداً - وليقضى عليهم يوم القيامة، ويخف هوله عليهم بقضاء ما بينهم، وليعجل لهم ثوابهم من الله تعالى؛ لأنهم أشد الأمم شوقاً إليه، وأتمهم محبة له، وأقواهم إرادة لوجهه تعالى.
ومن هنا ينبغي أن نشرع في مقصود الكتاب، والله الملهم للصواب.
(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(8689)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (5/ 485). قال ابن كثير في "النهاية في الفتن والملاحم" (2/ 277): هذا موقوف على ابن سلام.
القِسْمُ الأَوَّلُ في التَّشَبُّهِ بمَن وَرَدَ الأَمْرُ بِالتَّشَبُّهِ بِهِم وَالاقْتِدَاءِ بِهُدَاهُم وَهَدْيِهِم