المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قال لمن يحضر مجلسه: تدرون أي شيء أراد هذا الأعمى - حياة الحيوان الكبرى - جـ ٢

[الدميري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌باب الزاي

- ‌الزاغ

- ‌عجيبة

- ‌الحكم

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌الزاقي

- ‌الزامور

- ‌الزبابة

- ‌الأمثال

- ‌الزبزب

- ‌الزّخارف

- ‌الزرزور

- ‌فائدة

- ‌وحكمه

- ‌ومن خواصه

- ‌التعبير

- ‌الزّرّق

- ‌الحكم

- ‌الزرافة

- ‌وفي حكمها وجهان

- ‌ومن خواصها

- ‌التعبير

- ‌الزّرياب

- ‌الزّغبة

- ‌الزّغلول

- ‌الزّغيم:

- ‌الزقة:

- ‌الزّلال:

- ‌ الحكم

- ‌الزّماج:

- ‌الزّمّج:

- ‌وحكمه

- ‌الخواص

- ‌زمج الماء:

- ‌وحكمه

- ‌الزنبور:

- ‌الحكم

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌الزندبيل

- ‌الزّهدم:

- ‌أبو زريق:

- ‌وحكمه

- ‌أبو زيدان:

- ‌أبو زياد

- ‌باب السين المهملة

- ‌سابوط:

- ‌ساق حر:

- ‌السالخ:

- ‌سامّ أبرص:

- ‌وحكمه

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌السانح:

- ‌السّبد:

- ‌السّبع:

- ‌فائدة

- ‌وحكى

- ‌وحكمه

- ‌السبنتي والسبندي:

- ‌السبيطر:

- ‌السحلة:

- ‌السحلية:

- ‌السحا:

- ‌سحنون:

- ‌السخلة:

- ‌فائدة

- ‌فرع

- ‌السّرحان:

- ‌الأمثال

- ‌السرطان:

- ‌الحكم

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌السرّعوب:

- ‌السرفوت:

- ‌السّرفة:

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌السرمان:

- ‌السروة:

- ‌السرماح:

- ‌السعدانة:

- ‌السعلاة:

- ‌السّفنج:

- ‌السقب:

- ‌الأمثال

- ‌السقر:

- ‌السقنقور:

- ‌الحكم

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌السلحفاة البرية:

- ‌الحكم

- ‌وفي الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌السلحفاة البحرية:

- ‌فائدة

- ‌السّلفان:

- ‌ السلك

- ‌السلق:

- ‌السلكوت:

- ‌السلوى:

- ‌الحكم

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌السماني:

- ‌الحكم

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌السمحج:

- ‌السّمع:

- ‌الحكم

- ‌‌‌الأمثال

- ‌الأمثال

- ‌السمائم:

- ‌السمسم:

- ‌السمسمة:

- ‌السمك:

- ‌عجيبة:

- ‌فوائد

- ‌الحكم

- ‌‌‌‌‌‌‌فرع

- ‌‌‌‌‌فرع

- ‌‌‌فرع

- ‌فرع

- ‌‌‌‌‌‌‌فرع

- ‌‌‌‌‌فرع

- ‌‌‌فرع

- ‌فرع

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌السمندل:

- ‌الخواص

- ‌السمّور:

- ‌‌‌وحكمه

- ‌وحكمه

- ‌التعبير

- ‌السّميطر:

- ‌السمندر والسميدر:

- ‌سناد:

- ‌الحكم

- ‌السنجاب:

- ‌الخواص

- ‌السنداوة:

- ‌السنة:

- ‌السندل:

- ‌السّنّور:

- ‌غريبة

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌وأما سنور الزباد

- ‌وحكمه

- ‌السنونو:

- ‌وحكمه

- ‌ومن خواصه

- ‌السودانية والسوادية:

- ‌عجيبة

- ‌الخواص

- ‌السوذنيق:

- ‌السوس:

- ‌ومن الفوائد المستغربة

- ‌ومما جرب

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌السّيد:

- ‌السّيدة:

- ‌سيفنة:

- ‌أبو سيراس:

- ‌باب الشين المعجمة

- ‌الشادن:

- ‌شادهوار:

- ‌الشارف:

- ‌الشاة:

- ‌غريبة

- ‌فائدة

- ‌عجيبة

- ‌فائدة أخرى

- ‌فائدة أخرى

- ‌ الحكم

- ‌فرع

- ‌فائدة

- ‌‌‌فرع

- ‌فرع

- ‌‌‌‌‌‌‌فرع

- ‌‌‌‌‌فرع

- ‌‌‌فرع

- ‌فرع

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌الشامرك:

- ‌الشاهين

- ‌وحكمه

- ‌وتعبيره

- ‌الشبب:

- ‌الشّبث:

- ‌‌‌وحكمها

- ‌وحكمها

- ‌الشّبثان:

- ‌الشّبدع:

- ‌الشّبربص:

- ‌الشّبل:

- ‌الشبوة:

- ‌الشبّوط:

- ‌الشّجاع:

- ‌وتعبيره في الرؤيا

- ‌الشحرور:

- ‌‌‌وحكمه

- ‌وحكمه

- ‌وتعبيره

- ‌شحمة الأرض:

- ‌الخواص

- ‌وحكمها وتعبيرها

- ‌الشذا:

- ‌الشران:

- ‌الشّرشق:

- ‌الشرشور:

- ‌الشرغ:

- ‌الشرنبي:

- ‌الشصر:

- ‌الشعراء:

- ‌الشغواء:

- ‌الشفدع:

- ‌الشفنين:

- ‌وحكمه

- ‌الخواص

- ‌الشق:

- ‌الشقحطب:

- ‌الشقذان:

- ‌الشّقراق:

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌الشمسية:

- ‌الشنقب:

- ‌شه:

- ‌الشهام:

- ‌الشهرمان:

- ‌الشوحة:

- ‌الشوف:

- ‌الشوشب:

- ‌الشوط:

- ‌شوط براح:

- ‌الشول:

- ‌شولة:

- ‌الشيخ اليهودي:

- ‌الحكم

- ‌الخواص

- ‌الشيذمان:

- ‌الشيصبان:

- ‌الشيع:

- ‌الشيم:

- ‌الشيهم:

- ‌فائدة

- ‌أبو شبقونة:

- ‌باب الصاد المهملة

- ‌الصؤابة:

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌الصارخ:

- ‌الصافر:

- ‌وحكمه

- ‌الأمثال

- ‌التعبير

- ‌الصدف:

- ‌وأما رؤيته في المنام

- ‌الخواص

- ‌وأما رؤيته في المنام

- ‌الصدى:

- ‌الصّرّاخ:

- ‌صرّار الليل:

- ‌الصّرّاح:

- ‌الصّرد:

- ‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌الحكم

- ‌عجيبة

- ‌التعبير

- ‌الصرصر:

- ‌وحكمه

- ‌الخواص

- ‌الصرصران:

- ‌الصعب:

- ‌الصّعوة:

- ‌وحكمها وخواصها وتعبيرها

- ‌الأمثال

- ‌الصّفّارية:

- ‌الصفر:

- ‌الصفرد:

- ‌الصقر:

- ‌فائدة

- ‌فائدة أدبية

- ‌فائدة أخرى أدبية

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌الصل:

- ‌الصّلب:

- ‌الصلنباج:

- ‌الصلصل:

- ‌الصناجة:

- ‌الصوار:

- ‌الصومعة:

- ‌الصيبان:

- ‌الصيد:

- ‌تذنيب:

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌فرع

- ‌‌‌‌‌‌‌فرع

- ‌‌‌‌‌فرع

- ‌‌‌فرع

- ‌فرع

- ‌تنبيهات

- ‌فرع

- ‌‌‌‌‌‌‌فرع

- ‌‌‌‌‌فرع

- ‌‌‌فرع

- ‌فرع

- ‌خاتمة

- ‌تتمة

- ‌فائدة

- ‌الصيدح:

- ‌الصيدن:

- ‌الصيدناني:

- ‌الصير:

- ‌الخواص

- ‌باب الضاد المعجمة

- ‌الضأن:

- ‌فائدة

- ‌وحكمها

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌الضؤضؤ:

- ‌الضب:

- ‌فائدة

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌الضبع:

- ‌وحكمها

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌أبو ضبة:

- ‌الضرغام:

- ‌الضريس:

- ‌الضغبوس:

- ‌الضفدع:

- ‌فائدة

- ‌الحكم

- ‌ومن أحكامه

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌الضوع:

- ‌وحكمه

- ‌الضيب:

- ‌الضئيلة:

- ‌الضّيون:

- ‌خاتمة

- ‌باب الطاء المهملة

- ‌طامر بن طامر:

- ‌الطاوس:

- ‌ فائدة

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌الطائر:

- ‌فروع منثورة

- ‌التعبير

- ‌فائدة

- ‌الطبطاب:

- ‌الطبوع:

- ‌الطثرج:

- ‌الطحن:

- ‌الطرسوح:

- ‌طرغلودس:

- ‌وحكمه

- ‌وله خاصية عجيبة

- ‌الطّرف:

- ‌الطغام:

- ‌الطفل:

- ‌ذو الطفيتين:

- ‌الطلح:

- ‌الطلا:

- ‌الأمثال

- ‌الطلى:

- ‌الطمروق:

- ‌الطمل:

- ‌الطنبور:

- ‌الطوراني:

- ‌الطوبالة:

- ‌الطول:

- ‌الطوطي:

- ‌الطير:

- ‌فائدة

- ‌فائدتان

- ‌ الأولى

- ‌الفائدة الأخرى

- ‌تنبيه مهم

- ‌فائدة أخرى

- ‌فائدة

- ‌التعبير

- ‌تتمة

- ‌ طير الماء

- ‌خاتمة

- ‌طير العراقيب:

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌الطيطوي:

- ‌التعبير

- ‌ومن خواصه

- ‌الطيهوج:

- ‌وحكمه

- ‌الخواص

- ‌بنت طبق وأم طبق:

- ‌الأمثال

- ‌باب الظاء المعجمة

- ‌الظبي:

- ‌فصل

- ‌فائدة

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌فصل

- ‌فائدة

- ‌التعبير

- ‌خاتمة

- ‌‌‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌الظربان:

- ‌وحكمه

- ‌الأمثال

- ‌الظليم:

- ‌خاتمة

- ‌باب العين المهملة

- ‌العاتق:

- ‌العاتك:

- ‌‌‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌عتاق الطير:

- ‌العتلة:

- ‌العاضة والعاضهة:

- ‌العاسل:

- ‌العاطوس:

- ‌العافية:

- ‌العائذ:

- ‌العبقص والعبقوص:

- ‌العبور:

- ‌العترفان:

- ‌العتود:

- ‌العثة:

- ‌وحكمها

- ‌الأمثال

- ‌العثمثمة:

- ‌العثمان:

- ‌العثوثج:

- ‌العجروف:

- ‌العجل:

- ‌فائدة

- ‌‌‌فائدة أخرى

- ‌فائدة أخرى

- ‌تتمة

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌خاتمة

- ‌العجمجمة:

- ‌أم عجلان:

- ‌العجوز:

- ‌عدس:

- ‌العذفوط:

- ‌العربج:

- ‌عرار:

- ‌العريض:

- ‌العسجدية:

- ‌العربد:

- ‌العربض والعرباض:

- ‌العرس:

- ‌العريقصة:

- ‌العريقطة والعريقطان:

- ‌العزة:

- ‌العسا:

- ‌العساعس:

- ‌العساس:

- ‌العساهيل:

- ‌العسبار:

- ‌وحكمه

- ‌العسبور:

- ‌العسلق:

- ‌العسنج:

- ‌العشراء:

- ‌فائدة

- ‌العصاري:

- ‌وحكمه

- ‌العصفور:

- ‌فائدة

- ‌وحكمه

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌فائدة

- ‌فائدة أخرى

- ‌التعبير

- ‌العضل:

- ‌العرفوط:

- ‌العريقطة:

- ‌العضمجة:

- ‌العضرفوط:

- ‌فائدة

- ‌ العظاءة

- ‌عطار:

- ‌ومن خواصه

- ‌العطاط:

- ‌العطرف:

- ‌وهي محرمة الأكل

- ‌الخواص

- ‌وهي في الرؤيا

- ‌العفر:

- ‌وفي المثل

- ‌العفريت:

- ‌تذنيب:

- ‌خاتمة

- ‌ العفر

- ‌العقاب:

- ‌فائدة

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌عجيبة

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌العقد:

- ‌العقال:

- ‌العقرب:

- ‌غريبة

- ‌فائدة

- ‌صفة خاتم

- ‌فائدة

- ‌فائدة أخرى

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌فائدة

- ‌ إشارة

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌العقربان:

- ‌العقف:

- ‌العقعق:

- ‌فائدة

- ‌الحكم

- ‌فائدة

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌العقيب:

- ‌العكّاش:

- ‌العكرشة:

- ‌العكرمة:

- ‌‌‌العلج:

- ‌العل

- ‌العلجوم:

- ‌العلام:

- ‌العلّوش:

- ‌العلهان:

- ‌العلس:

- ‌العلامات:

- ‌العلهز:

- ‌العلعل:

- ‌العلق:

- ‌فائدة

- ‌فائدة أخرى

- ‌‌‌فائدة أخرى

- ‌فائدة أخرى

- ‌ الحكم

- ‌فرع

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌العلهب:

- ‌العمروس:

- ‌العملّس:

- ‌العميثل:

- ‌العناق:

- ‌وحكمها

- ‌خاتمة

- ‌الأمثال

- ‌عناق الأرض:

- ‌العنبس:

- ‌العنس:

- ‌العنبر:

- ‌الحكم

- ‌وأما خواصه

- ‌العنتر:

- ‌العندليب:

- ‌وحكمه

- ‌وهو في الرؤيا

- ‌العندل:

- ‌العنز:

- ‌فائدة

- ‌فائدة أخرى

- ‌وحكمها

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌العنظب:

- ‌العنظوانة:

- ‌عنقاء مغرب ومغربة:

- ‌الأمثال

- ‌التعبير

- ‌العنكبوت:

- ‌فائدة

- ‌تتمة

- ‌وحكم العنكبوت

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌العود:

- ‌العواساء:

- ‌العوس:

- ‌العومة:

- ‌العوهق:

- ‌العلا:

- ‌العلام:

- ‌العيثوم:

- ‌العير:

- ‌فائدة

- ‌الأمثال

- ‌ العير

- ‌فائدة

- ‌فائدة أخرى

- ‌عير السراة:

- ‌العيس:

- ‌ العين

- ‌العيساء:

- ‌العيلام:

- ‌العيثوم:

- ‌العيهل:

- ‌عيجلوف:

- ‌ابن عرس:

- ‌الحكم

- ‌الخواص

- ‌وهو في الرؤيا

- ‌أم عجلان:

- ‌أم عزة:

- ‌أم عويف:

- ‌أم العيزار:

- ‌باب الغين المعجمة

- ‌الغاق:

- ‌الغداف:

- ‌ الغراب

- ‌الحكم

- ‌الخواص

- ‌الغذي:

- ‌فائدة أجنبية

- ‌فائدة

- ‌فائدة أخرى

- ‌عجيبة

- ‌‌‌عجيبة أخرى

- ‌عجيبة أخرى

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌غريبة

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌ الغر

- ‌الغرنيق:

- ‌فائدة

- ‌فائدة أخرى

- ‌الحكم

- ‌الخواص

- ‌الغرغر:

- ‌وحكمه

- ‌الغرناق:

- ‌الغزال:

- ‌وحكم الغزال الحل

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌الغضارة:

- ‌الغضب:

- ‌الغضف:

- ‌الغضوف:

- ‌الغضيض:

- ‌الغطرب:

- ‌الغطريف:

- ‌الغطلس:

- ‌الغطاطا:

- ‌الغفر:

- ‌الغماسة:

- ‌الغنافر:

- ‌الغنم:

- ‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌ الحكم

- ‌فرع

- ‌وأما الأمثال

- ‌التعبير

- ‌الغواص:

- ‌الحكم

- ‌الخواص

- ‌الغوغاء:

- ‌الغول:

- ‌فائدة

- ‌الأمثال

- ‌الغيداق:

- ‌الغيطلة:

- ‌الغيلم:

- ‌الغيهب:

- ‌باب الفاء

- ‌الفاختة:

- ‌فائدة

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌الفأر:

- ‌تذنيب:

- ‌وأما الزباب والخلد:

- ‌وأما اليربوع:

- ‌وأما فأرة البيش:

- ‌وأما ذات النطاق:

- ‌وأما فأرة المسك:

- ‌وأما فأرة الإبل

- ‌وأما الفأرة التي خربت سد مأرب:

- ‌الحكم

- ‌تتمة

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌الفادر:

- ‌الفازر:

- ‌الفاشية:

- ‌الفاعوس:

- ‌الفاطوس:

- ‌الفالج:

- ‌فالية الأفاعي:

- ‌الأمثال

- ‌فتّاح:

- ‌الفتع:

- ‌الفحل:

- ‌الأمثال

- ‌تذنيب

- ‌تتمة

- ‌الفدس:

- ‌الفرأ:

- ‌الفراش:

- ‌فائدة

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌التعبير

- ‌الفرافصة:

- ‌الفرخ:

- ‌فائدة

- ‌فرع

- ‌التعبير

- ‌الفرس:

- ‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌تتمة

- ‌الحكم

- ‌‌‌فائدةأجنبية

- ‌فائدة

- ‌فرع

- ‌الأمثال

- ‌تتمة

- ‌تتمة أخرى

- ‌الخواص

- ‌فصل في صبغ البراذين:

- ‌التعبير

- ‌فرس البحر:

- ‌وحكمه

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌فصل

- ‌تتمة

- ‌فصل

- ‌الفرش:

- ‌الفرانق:

- ‌الفرفر:

- ‌الفرفور:

- ‌الفرع

- ‌الحكم

- ‌فائدة

- ‌الفرعل:

- ‌الأمثال

- ‌الفرقذ:

- ‌الفرنب:

- ‌الفرهود:

- ‌الفروج:

- ‌وحكمه وخواصه

- ‌وأما تعبيره

- ‌الفرير والفرار:

- ‌فسافس:

- ‌الفصيل:

- ‌فرع

- ‌الأمثال

- ‌التعبير

- ‌الفلحس:

- ‌الفلو:

- ‌الفناة:

- ‌الفنك:

- ‌وحكمه

- ‌الفنيق:

- ‌الفهد:

- ‌فائدة

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌الفور:

- ‌الفولع:

- ‌الفيصور:

- ‌الفويسقة:

- ‌الفياد:

- ‌الفيل:

- ‌غريبة

- ‌فائدة

- ‌فائدة أخرى

- ‌ومن الفوائد المجربة

- ‌الحكم

- ‌تذنيب

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌فصل في فضل العقل وزينه، وقبح الجهل وشينه:

- ‌تتمة

- ‌الفينة:

- ‌أبو فراس:

- ‌باب القاف

- ‌القادحة:

- ‌القارة:

- ‌القارية:

- ‌‌‌‌‌وحكمها

- ‌‌‌وحكمه

- ‌وحكمه

- ‌القاق:

- ‌القاقم:

- ‌القانب:

- ‌القاوند:

- ‌القبج:

- ‌وحكمها

- ‌الخواص

- ‌القبرة:

- ‌وحكمها

- ‌الخواص

- ‌تتمة

- ‌القبعة:

- ‌القبيط:

- ‌القتع:

- ‌ابن قترة:

- ‌القدان:

- ‌القراد:

- ‌الأمثال

- ‌وهو في الرؤيا

- ‌القرد:

- ‌فائدة

- ‌فائدة أخرى

- ‌فائدة أخرى

- ‌فائدة أخرى

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌القردوح:

- ‌القرش:

- ‌فائدة أجنبية

- ‌الحكم

- ‌التعبير

- ‌القرقس:

- ‌القرشام والقرشوم والقراشم:

- ‌القرعبلانة:

- ‌القرعوش:

- ‌القرقف:

- ‌القرقفنة:

- ‌القرلي:

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌القرمل:

- ‌القرميد:

- ‌القرمود:

- ‌القرنبى:

- ‌الأمثال

- ‌القرهب:

- ‌القزر:

- ‌القرم:

- ‌القرة:

- ‌القسورة:

- ‌القشعمان:

- ‌القشبة:

- ‌الأمثال

- ‌القصيرى:

- ‌القط:

- ‌وحكمه

- ‌وتعبيره

- ‌القطا:

- ‌نكتة

- ‌فائدة

- ‌وحكمها

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌خاتمة

- ‌التعبير

- ‌ القطا

- ‌القطامي:

- ‌قطرب:

- ‌القشعبان:

- ‌القعود:

- ‌ القلو

- ‌القعيد:

- ‌القعقع:

- ‌القلقاني:

- ‌القلوص:

- ‌القليب:

- ‌القمري:

- ‌فائدة

- ‌غريبة

- ‌وحكمه

- ‌التعبير

- ‌القمعة:

- ‌القمعوط والقمعوطة:

- ‌القمل:

- ‌فائدة

- ‌فائدة أخرى

- ‌الحكم

- ‌‌‌فرع

- ‌فرع

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌القمقام:

- ‌الأمثال

- ‌قندر:

- ‌القندس:

- ‌القنعاب:

- ‌القنفذ:

- ‌فائدة

- ‌ الحكم

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌وأما رؤيته في المنام

- ‌القنفذ البحري:

- ‌القنفشة:

- ‌القهبى:

- ‌القهيبة:

- ‌القوافر

- ‌القواع:

- ‌القوب:

- ‌قوبع:

- ‌القوثع:

- ‌القوق:

- ‌‌‌قوقيس:

- ‌قوقي

- ‌قيد الأوابد:

- ‌قيق:

- ‌أم قشعم:

- ‌أبو قير:

- ‌أم قيس:

- ‌باب الكاف

- ‌الكاسر:

- ‌كاسر العظام:

- ‌الكبش:

- ‌فائدة

- ‌فائدة أخرى

- ‌فائدة أخرى

- ‌وحكم الكبش

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌الكبعة:

- ‌الكتفان:

- ‌الكتع:

- ‌الكدر:

- ‌الكركر:

- ‌الكركند:

- ‌وأما حكمه

- ‌الخواص

- ‌خاتمة

- ‌وأما تعبير رؤيته في المنام

- ‌الكركي:

- ‌فائدة

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌الكروان:

- ‌وحكمه

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌الكسعوم:

- ‌الكعيت:

- ‌عجيبة

- ‌الككم:

- ‌الكلب:

- ‌ فائده

- ‌غريبة

- ‌فائدة

- ‌تذنيب

- ‌فائدة أدبية

- ‌‌‌فائدة أخرى

- ‌فائدة أخرى

- ‌فائدة أخرى

- ‌الحكم

- ‌‌‌‌‌‌‌فرع

- ‌‌‌‌‌فرع

- ‌‌‌فرع

- ‌فرع

- ‌تنبيه

- ‌ومن أحكامه

- ‌فرع

- ‌تتمة

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌خاتمة

- ‌كلب الماء:

- ‌الحكم

- ‌الخواص

- ‌الكلثوم:

- ‌الكلكسة:

- ‌الكميت:

- ‌الكندارة:

- ‌الكنعبة:

- ‌الكعند والكعند:

- ‌الكندش:

- ‌الكهف:

- ‌الكودن:

- ‌الكوسج:

- ‌وحكمه

- ‌الكهول:

- ‌باب اللام

- ‌لأي:

- ‌اللباد

- ‌الأمثال

- ‌اللبوءة:

- ‌‌‌التعبير

- ‌التعبير

- ‌اللجأ:

- ‌الحكم

- ‌الخواص

- ‌اللحكاء:

- ‌الحكم

- ‌اللخم:

- ‌وحكمه

- ‌اللعوس:

- ‌اللعوة:

- ‌اللقحة:

- ‌اللقوة:

- ‌اللقاط:

- ‌وحكمه

- ‌اللقلق:

- ‌الحكم

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌اللهق:

- ‌اللهم:

- ‌اللوب والنوب:

- ‌اللوشب:

- ‌اللياء:

- ‌الليث:

- ‌الليل:

- ‌باب الميم

- ‌مارية:

- ‌المازور:

- ‌الماشية:

- ‌تذنيب

- ‌مالك الحزين:

- ‌‌‌وحكمه

- ‌وحكمه

- ‌ومن خواصه

- ‌المتردية:

- ‌‌‌وحكمها

- ‌وحكمها

- ‌المجثّمة:

- ‌المثا:

- ‌المربح:

- ‌المرء:

- ‌المرزم:

- ‌المرعة:

- ‌الخواص

- ‌مسهر:

- ‌ومن خواصه

- ‌المطية:

- ‌فائدة

- ‌تتمة

- ‌المعراج:

- ‌المعز:

- ‌الخواص

- ‌ابن مقرض:

- ‌الحكم

- ‌المقوقس:

- ‌المكاء:

- ‌المكلفة:

- ‌الملكة:

- ‌ومن خواصها

- ‌المنارة:

- ‌المنخنقة:

- ‌فرع

- ‌المنشار:

- ‌‌‌الموقوذة:

- ‌الموق

- ‌المول:

- ‌المها:

- ‌فائدة

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌المهر:

- ‌إشارة

- ‌ملاعب ظله:

- ‌أبو مزينة:

- ‌ابنة المطر:

- ‌أبو المليح:

- ‌ابن ماء:

- ‌باب النون

- ‌الناب:

- ‌الناس:

- ‌فرع

- ‌الناضح:

- ‌الناقة:

- ‌فائدة

- ‌وحكمها

- ‌الأمثال

- ‌وخواصها

- ‌التعبير

- ‌الناموس:

- ‌الناهض:

- ‌النباج:

- ‌النبر:

- ‌النجيب:

- ‌النحام:

- ‌الحكم

- ‌النحل:

- ‌غريبة

- ‌لطيفة

- ‌فائدة

- ‌فائدة أخرى

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌النحوص:

- ‌النسر:

- ‌تتمة

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌النساف:

- ‌النسناس:

- ‌الحكم

- ‌التعبير

- ‌النسنوس:

- ‌النضو:

- ‌النعاب:

- ‌وحكمه

- ‌النعام:

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌النعثل:

- ‌النعجة:

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌النعبول:

- ‌النعرة:

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌النعم:

- ‌فائدة

- ‌النغر:

- ‌وحكمه

- ‌النغض:

- ‌النغف:

- ‌النفار:

- ‌النقاز:

- ‌النقاقة:

- ‌النقد:

- ‌الأمثال

- ‌النكل:

- ‌النمر:

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌النمس:

- ‌وحكمه

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌النمل:

- ‌فائدة

- ‌فائدة أخرى

- ‌فائدة أخرى

- ‌فوائد

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌النهار:

- ‌النهاس:

- ‌النهس:

- ‌الحكم

- ‌النهام:

- ‌ النون

- ‌النهسر:

- ‌النهشل:

- ‌النواح:

- ‌النوب:

- ‌النورس:

- ‌النوص:

- ‌فائدة

- ‌باب الهاء

- ‌الهالع:

- ‌الهامة:

- ‌فرع

- ‌والهامة في الرؤيا

- ‌وحكمها

- ‌الهبع:

- ‌الهبلع:

- ‌الهجاة:

- ‌الهجرس:

- ‌الأمثال

- ‌الهجرع:

- ‌الهجين:

- ‌الهدهد:

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌الهدي:

- ‌فرع

- ‌الهديل:

- ‌‌‌الهرماس:

- ‌الهر

- ‌ الحكم

- ‌غريبة

- ‌فرع

- ‌الأمثال

- ‌تتمة

- ‌التعبير

- ‌الهرنصانة:

- ‌هرثمة:

- ‌الهرهير:

- ‌الهرزون والهرزان:

- ‌الهزار:

- ‌الهزبر:

- ‌الهرعة:

- ‌الهف:

- ‌الهقل:

- ‌الهقلس:

- ‌الهمج:

- ‌الهمع:

- ‌الهمل:

- ‌الهملع:

- ‌الهمهم:

- ‌الهنبر:

- ‌الهودع:

- ‌الهوذة:

- ‌الهوزن:

- ‌الهلابع:

- ‌الهلال:

- ‌الهيثم:

- ‌الهيجمانة:

- ‌الهيطل:

- ‌الهيعرة:

- ‌الهيق:

- ‌الهيكل:

- ‌أبو هارون:

- ‌باب الواو

- ‌الوازع:

- ‌الواق واق:

- ‌الواقي:

- ‌وفي حله

- ‌الوبر:

- ‌فائدة

- ‌وحكمه

- ‌الوج:

- ‌الوحرة:

- ‌الوحش:

- ‌تتمة مشتملة على فوائد حسنة

- ‌‌‌تتمة أخرى

- ‌تتمة أخرى

- ‌الودع:

- ‌الوراء:

- ‌الورد:

- ‌الورداني:

- ‌ الورشان

- ‌وحكمه

- ‌تتمة

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌الورقاء:

- ‌الورل:

- ‌فائدة

- ‌الحكم

- ‌تنبيه مهم

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌الوزغة:

- ‌والوزغ في الرؤيا

- ‌الوصع:

- ‌الوطواط:

- ‌وحكمه

- ‌الأمثال

- ‌التعبير

- ‌الوعوع:

- ‌الوعل:

- ‌ومن غريب ما اتفق

- ‌وحكمه

- ‌الأمثال

- ‌وخواصه

- ‌الوقواق:

- ‌بنات وردان:

- ‌وحكمها

- ‌فرع

- ‌الخواص

- ‌باب الياء

- ‌يأجوج ومأجوج:

- ‌فائدة

- ‌اليامور:

- ‌اليؤيؤ:

- ‌‌‌وحكمه

- ‌وحكمه

- ‌‌‌الخواص

- ‌الخواص

- ‌اليحبور:

- ‌اليحمور:

- ‌فائدة

- ‌اليحموم:

- ‌وحكمه

- ‌اليراعة:

- ‌الأمثال

- ‌اليربوع:

- ‌الحكم

- ‌الأمثال

- ‌الخواص

- ‌التعبير

- ‌اليرقان:

- ‌اليسف:

- ‌اليعر:

- ‌قالوا في أمثالهم

- ‌اليعفور:

- ‌اليعقوب:

- ‌ومن حكمه

- ‌اليعملة:

- ‌اليمام:

- ‌فائدة

- ‌ الحكم

- ‌الأمثال

- ‌اليهودي:

- ‌اليوصي:

- ‌وحكمه

- ‌اليعسوب:

- ‌ثبت المراجع والمصادر

- ‌فهرس الجزء الثاني من حياة الحيوان الكبرى

الفصل: قال لمن يحضر مجلسه: تدرون أي شيء أراد هذا الأعمى

قال لمن يحضر مجلسه: تدرون أي شيء أراد هذا الأعمى بذكر هذه القصيدة وللمتنبي أجود منها ولم يذكره؟ قالوا: لا. قال: إنما أراد أن يذمني بقوله «1» فيها:

وإذا أتتك مذمتي من ناقص

فهي الشهادة لي بأني كامل

وسئل شيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد «2» عن أبي العلاء المعري، فقال: هو في حيرة.

وهذا أحسن ما قيل فيه.

‌‌

‌فائدة أخرى

: قال «3» أبو نواس محمد بن هانىء في طريدته:

أتعب كلبا أهله في كده

قد سعدت جدودهم بجده

فكلّ خير عندهم من عنده

وكلّ رفد نالهم من رفده

يظلّ مولاه له كعبده

يبيت أدنى صاحب من فهده

إذا عرى جلله ببرده

ذا غرة محجلا بزنده

يلذّ منه العين حسن قده

يا حسن شدقيه وطول خده

قيل: دخل أبو بكر الخالدي على الخليفة، فأنشده قصيدة امتدحه بها فأجازه، وكان بين يديه صحن يشم أزرق، فلمحه أبو بكر فأعطاه الخليفة إياه فخرج من عنده وهو مسرور، فمر على أبي الفتح بن خالويه فهناه أبو الفتح بذلك، فلما أصبح جاء إلى الخدمة، فقال له الخليفة: كيف حالك وكيف كان مبيتك؟ قال: بخير ودعا له، وقال: بتنا ندعوا لمولانا أمير المؤمنين، وبت أتفنن في الصحن وأتملى بحسنه، فأضفته إلى صدقات مولانا ورفده، وكل خير عندنا من عنده، فتنمر أمير المؤمنين، واستشاط غضبا وزجره، فخرج من عنده حزينا كئيبا، فمر على ابن خالويه فسأله عن السبب وما الخبر فأخبره بما قال، فقال له أبو الفتح: أو قلتها؟ فقال: نعم. فقال: أين أنت؟

أتجعل أمير المؤمنين كلبا أين ذهب عقلك؟ أو ما سمعت قول أبي نواس في طريدته:

فكلّ خير عندهم من عنده

وكلّ رفد نالهم من رفده

فكاد الخالدي أن يموت فزعا ثم قال له: عرفني كيف المخلص؟ قال: تمارض مدة ثم أظهر أنك شفيت ثم تأتي أمير المؤمنين، فإذا سألك عن سبب مرضك، فقل له: طالعت طريدة أبي نواس، فلما فعل ذلك رضي عنه أمير المؤمنين.

فائدة أخرى

: اختلفوا في قوله «4» تعالى: وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً

أكثر أهل التفسير على أن كلب أهل الكهف كان من جنس الكلاب. وروى عن ابن جريج أنه قال: كان أسدا ويسمى الأسد كلبا لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا

ص: 388

على عتبة بن أبي لهب «أن يسلط الله عليه كلبا من كلابه» فأكله الأسد. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كان كلبا أغبر.

وفي رواية عنه أحمر، واسمه قطمير. وقال مقاتل: كان أصفر. وقال القرطبي: صفرته تضرب إلى الحمرة. وقال الكلبي: كان خلنجي اللون. وقيل: كان لونه لون السماء. وقيل: كان أبلق أبيض وأسود وأحمر. وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: اسمه ريان. وقال الأوزاعي:

مشير.

وقال سعيد الحمال: حران. وقال عبد الله بن سلام: بسيط. وقال كعب الأحبار: صيها، وقال وهب: نقيا. وقصة الإمام مالك في ذلك مشهورة معروفة. وقال فرقة: كان رجلا طباخا لهم، حكاه الطبري. وقال فرقة: كان أحدهم. وكان قد قعد عند باب الغار طليعة لهم فسمي باسم الحيوان الملازم لذلك الموضع من الناس، كما سمي النجم التابع للجوزاء كلبا، لأنه منها كالكلب من الإنسان. وهذا القول يضعفه بسط الذراعين، فإنه في العرف من صفة الكلب. وحكى أبو عمرو المطرزي في كتاب اليواقيت وغيره، أن جعفر بن محمد الصادق قرأ:(وكالبهم) فيحتمل أنه يريد هذا الرجل.

وقال خالد بن معدان: ليس في الجنة من الدواب سوى كلب أهل الكهف، وحمار العزيز، وناقة صالح وقد تقدم في أوائل باب السين المهملة في السبع الكلام على قوله «1» تعالى: سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ

ونزيد هنا أن قوله «2» تعالى: قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ

أن المثبت في حق الله تعالى الأعلمية، وفي حق القليل العالمية، فلا تعارض بينهما. قال ابن عطية المفسر: حدثني أبي أنه سمع أبا الفضل بن الجوهري، في سنة تسع وستين وأربعمائة، يقول: إن من أحب أهل الخير نال من بركتهم. كلب أحب أهل فضل وصحبهم، فذكره الله في القرآن معهم.

وأما الوصيد، فاختلف المفسرون فيه فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: الوصيد فناء الكهف، وهو قول مجاهد رضي الله تعالى عنه، وقال سعيد بن جبير: الوصيد التراب. وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أيضا. وقال السدي: الباب. وهو رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأنشد في ذلك:

بأرض فضاء لا يسد وصيدها

علي ومعروفي بها غير منكر

أي بابها وقال عطاء: الوصيد عتبة الباب. وقال العتبي: هو البناء الذي من فوقه ومن تحته، مأخوذ من قولهم أوصدت الباب وآصدته. أي أغلقته وأطبقته لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ

«3» يا محمد لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً

«4» ، أي هربا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً

«5» ، لما ألبسهم الله ومن الهيبة، حتى لا يصل إليهم واصل منعهم بالرعب، لئلا يراهم أحد. وقيل: إنما ذلك من وحشة المكان الذي هم فيه.

وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أنه قال: غزونا مع معاوية غزوة المضيق نحو

ص: 389

الروم فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب أهل الكهف الذين ذكرهم الله في القرآن، فقال معاوية: لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم، فقلت له: ليس لك ذلك قد منع الله ذلك من هو خير منك، فقال «1» تعالى: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً

فقال معاوية: لا أنتهي حتى أعلم علمهم. ثم بعث ناسا لينظروا، فقال: اذهبوا فادخلوا الكهف، فذهبوا فلما دخلوا الكهف، بعث الله عليهم ريحا فأخرجتهم.

وذكر الثعلبي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله أن يريه إياهم، فقال تعالى: إنك لن تراهم ولكن ابعث إليهم أربعة من كبار أصحابك ليبلغوهم رسالتك ويدعوهم إلى الإيمان بك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل: «كيف أبعث إليهم» ؟ فقال له جبريل عليه السلام: أبسط كساءك واجلس على طرف من أطرافه أبا بكر، وعلى الطرف الثاني عمر، وعلى الطرف الثالث عثمان، وعلى الطرف الرابع عليا، ثم ادع الريح الرخاء المسخرة لسليمان، فإن الله يأمرها أن تطيعك. ففعل ذلك صلى الله عليه وسلم، فحملتهم الريح إلى باب الكهف فقلعوا منه حجرا، فحمل عليهم الكلب، فلما رآهم حرك رأسه وبصبص إليهم وأومأ إليهم برأسه، أن ادخلوا فدخلوا الكهف. فقالوا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد الله إلى الفتية أرواحهم، فقاموا بأجمعهم فقالوا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فقالوا: معشر الفتية، إن النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليكم السلام، فقالوا: وعلى محمد السلام مادامت السموات والأرض، وعليكم بما أبلغتم، وقبلوا دينه، ثم قالوا:

اقرؤوا على محمد صلى الله عليه وسلم منا السلام، وأخذوا مضاجعهم وصاروا إلى رقدتهم إلى آخر الزمان، عند خروج المهدي، فيقال: إن المهدي يسلم عليهم، فيحييهم الله ويردون عليه السلام، ثم يرجعون إلى رقدتهم فلا يقومون حتى تقوم الساعة.

ثم ردتهم الريح فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «كيف وجدتموهم» ؟ فأخبروه الخبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

«اللهم لا تفرق بيني وبين أصحابي وأنصاري، واغفر لمن أحبني، وأحب أهل بيتي وخاصتي» .

واختلف في سبب مصيرهم إلى الكهف، فقال محمد بن اسحاق: مرح أهل الإنجيل وعظمت فيهم الخطايا، وأطغتهم الجن حتى عبدوا الأصنام، وذبحوا للطواغيت، وكانت فيهم بقايا على دين المسيح، يعبدون الله، وكان ملكهم اسمه دقيانوس، وكان قد عبد الأصنام وذبح للطواغيت، حتى نزل مدينة أصحاب الكهف، وهي أفسوس، فهرب منه أهل الإيمان، وكان حين قدمها، أمر أن يجمع له أهل الإيمان، فمن وقع به خيره بين القتل وعبادة الأصنام، فمنهم من يرغب في الحياة، ومنهم من يأبى فيقتل.

ثم أمر بأجسادهم أن تعلق على سور المدينة وعلى كل باب، فحزن هؤلاء الفتية، وأقبلوا على الصلاة والصيام والتسبيح والدعاء، وكانوا ثمانية من أشراف القوم، فعثر عليهم الملك فقال لهم: اختاروا: إما أن تعبدوا آلهتنا، وإما أن أقتلكم! فقال مكسلمينا، وهو أكبرهم: إن لنا إلها هو ملك السموات والأرض، وهو أعظم وأجل من كل شيء، وهو المعبود، فلن ندعو من دونه إلها. فقال الملك: ما يمنعني أن أعجل لكم العقوبة إلا أنكم شباب، وأحب أن أجعل لكم أجلا

ص: 390

لعلكم تتذكرون فيه، وتراجعون عقولكم.

فأخذوا من بيوتهم نفقة، وخرجوا إلى الكهف يعبدون الله، فأتبعهم كلب كان لهم، وقال كعب: بل مروا بكلب، فنبح بهم فطردوه، فعاد فطردوه مرارا، وهو يعود فقام الكلب على رجليه ورفع يديه إلى السماء، كهيئة الداعي ونطق فقال: لا تخافوا مني فإني أحب أحباء الله، فناموا حتى أحرسكم.

وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: هربوا ليلا، وكانوا سبعة، فمروا براع معه كلب فأتبعهم على دينهم فجعلوا يعبدون الله في الكهف، وجعلوا نفقتهم إلى فتى منهم، يقال له تمليخا، فكان يبتاع لهم طعامهم من المدينة، وكان من أجملهم وأجلدهم، وكان إذا دخل المدينة لبس ثياب المساكين، واشترى طعامهم وتجسس لهم الأخبار، فلبثوا كذلك زمانا، ثم أخبرهم تمليخا أن الملك يتطلبهم، ففزعوا لذلك وحزنوا، فبينما هم كذلك عند غروب الشمس، يتحدثون ويتدارسون، إذ ضرب الله على آذانهم في الكهف، وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف، فأصابه ما أصابهم، فسمع الملك أنهم في جبل فألقى الله في نفسه أن يأمر بالكهف فيسد عليهم، حتى يموتوا جوعا وعطشا وهو يظنهم أيقاظا، أراد الله بذلك أن يكرمهم، وأن يجعلهم آية لخلقه.

وقد توفى الله أرواحهم وفاة النوم، والملائكة تقلبهم ذات اليمين وذات الشمال، ثم عمد رجلان مؤمنان كانا في بيت الملك، فكتبا شأن الفتية وأسماءهم وأنسابهم، في لوح من رصاص، وجعلاه في تابوت من نحاس، وجعلاه في البنيان.

وقال عبيد بن عمير: كان أصحاب الكهف فتية مطوقين مصورين ذوي ذوائب، وكان معهم كلب صيد فخرجوا في عيد لهم وأخرجوا آلهتهم التي كانوا يعبدونها فقذف الله في قلوبهم الإيمان، وكان أحدهم وزير الملك، فآمنوا وأخفى كل واحد منهم إيمانه عن صاحبه، فخرج شاب منهم حتى انتهى إلى ظل شجرة، ثم خرج آخر فرآه فظن أن يكون على مثل أمره، وجاء من غير أن يظهر له ذلك، ثم خرج الآخرون واحدا بعد واحد حتى اجتمعوا تحت الشجرة. فقال بعضهم لبعض: ما جمعكم ههنا؟ ثم قالوا: ليخرج كل فتيين فيخلوا ثم يفش كل واحد منهما أمره إلى صاحبه، فخرج فتيان فذكر كل واحد منهما لصاحبه أمره، فأقبلا مستبشرين قد اتفقا على أمر واحد، ثم فعلوا جميعا كذلك فإذا هم جميعا على الإيمان. فقال بعضهم لبعض: ائووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته، ويهييء لكم من أمركم مرفقا، فدخلوا الكهف ومعهم كلبهم، فناموا ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا، فلما لم يجدوهم كتبوا أسماءهم وأنسابهم في لوح: فلان وفلان أبناء ملوكنا فقدناهم، في شهر كذا في سنة كذا، في مملكة فلان بن فلان. ووضعوا اللوح في خزانة الملك، وقالوا: ليكونن لهذا شأن.

وقال السدي: لما خرجوا، مروا براع معه كلب، فقال الراعي: إني أتبعكم على أن أعبد الله معكم، قالوا: سر فسار معهم، وتبعهم الكلب فقالوا: يا راعي هذا الكلب ينبح علينا، وينبه بنا فما لنا به من حاجة. فطردوه فأبى إلا أن يلحق بهم، فرجموه فرفع يديه كالداعي، وأنطقه الله تعالى فقال: يا قوم لم تطردونني لم تضربونني لم ترجمونني؟ فو الله لقد عرفت الله قبل أن

ص: 391

تعرفوه بأربعين سنة فتعجبوا من ذلك وزادهم الله بذلك هدى.

وقال محمد الباقر: كان أصحاب الكهف صياقلة، واسم الكهف حيوم، والقصة طويلة مشهورة في كتاب التفاسير والقصص مطولا ومختصرا، وقد وقفت على جمل من ذلك. فمن ذلك ما ساقه الإمام أبو اسحاق محمد بن أحمد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي، في كتابه الكشف والبيان في تفسير القرآن، وربما يتكرر شيء مما تقدم، فيما آتي به. قال: قوله «1» تعالى: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً

يعني ليسوا من أعجب آياتنا، فإنّ فيم خلقت من السموات والأرض وما فيهن من العجائب أعجب منهم. والكهف هو الغار في الجبل.

واختلفوا في الرقيم، فقال وهب: حدثني «2» النعمان بن بشير الأنصاري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الرقيم، قال: إن ثلاثة نفر خرجوا مرتادين لأهليهم، فبينما هم يمشون إذ أصابتهم السماء، فأووا إلى كهف، فانحطت صخرة من الجبل، فانطبقت على باب الكهف، فأوصد عليهم، فقال قائل منهم: اذكروا أيكم عمل عملا حسنا، لعل الله برحمته أن يرحمنا، فقال رجل منهم: إني قد عملت حسنة مرة، كان لي أجراء يعملون عملا لي، استأجرت كل رجل منهم في نهاره بأجرة معلومة، فجاءني رجل منهم ذات يوم وسط النهار، فاستأجرته بشطر أجرة أصحابه، فعمل في بقية نهاره كما عمل رجل منهم في نهاره كله، فرأيت علي من الذمام، أن لا أنقصه عما استأجرت من أصحابه، لما رأيت من جهده في عمله.

فقال رجل منهم: أتعطي هذا مثل ما أعطيتني ولم يعمل إلا وسط النهار؟ فقلت: يا عبد الله لم أبخسك شيئا من شرطك، وإنما هو مالي أحكم فيه بما شئت. فغضب وترك أجره فوضعت حقه في جانب من البيت ما شاء الله، ثم مرت بي بعد ذلك بقر فاشتريت له بها فصيلة من البقر، فبلغت ما شاء الله، فمر بي بعد حين رجل شيخ كبير لا أعرفه، فقال لي: إن لي عندك حقا فذكرنيه حتى عرفته، قلت له: إياك أبغي، وهذا حقك وعرضتها عليه جميعا، فقال: يا عبد الله لا تسخر بي إن لم تصدق علي فأعطني حقي! قلت: والله ما أسخر بك إنها لحقك، مالي فيها شيء فدفعتها إليه جميعا. اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا الحجر، فانصدع الحجر ففرج حتى رأوا وأبصروا.

وقال الآخر: قد عملت حسنة مرة، كان لي فضل، وأصابت الناس شدة، فجاءتني امرأة تطلب مني معروفا، فقلت لها: والله ما هو دون نفسك، فأبت علي وذهبت، ثم رجعت فذكرتني بالله عز وجل، والله مطلع عليها فأبيت عليها وقلت لها: والله ما هو دون نفسك، فأبت علي وذهبت، وذكرت لزوجها فقال لها: أعطيه نفسك وأغيثي عيالك! فرجعت إلي ونشدتني بالله، فأبيت عليها وقلت لها: والله ما هو دون نفسك! فلما رأت ذلك، أسلمت إلي نفسها، فلما كشفتها وهممت بها ارتعدت من تحتي، فقلت لها: ما شأنك؟ فقالت: إني أخاف الله رب العالمين! فقلت لها: خفته في الشدة ولم أخفه في الرخاء! وتركتها وأعطيتها ما يحق علي بما كشفتها. اللهم إن كنت

ص: 392

فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا الحجر فانصدع حتى عرفوا وتبين لهم.

وقال الآخر: قد عملت حسنة مرة، كان لي أبوان شيخان كبيران، وكان لي غنم فكنت أطعم والدي وأسقيهما، ثم أرجع إلى غنمي، فأصابني يوما غيث، فحبسني حتى أمسيت، فأتيت أهلي وأخذت محلبي، فحلبت غنمي وتركتها قائمة، ومضيت إلى أبوي، فوجدتهما قد ناما، فشق علي أن أوقظهما، وشق علي أن أترك غنمي، فما برحت جالسا ومحلبي على يدي، حتى أيقظهما الصبح فسقيتهما. اللهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا. قال النعمان بن بشير: لكأني أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الجبل طاق طاق ففرج الله عنهم فخرجوا» .

وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: الرقيم واد بين عمان وأيلة دون فلسطين، وهو الوادي الذي فيه أصحاب الكهف.

وقال كعب: هي قريتهم وهو على هذا التأويل من رقمة الوادي، وهو موضع الماء منه، تقول العرب: عليك بالرقمة ودع الضفة. والضفتان جانبا الوادي.

وقال سعيد بن جبير: الرقيم لوح من حجارة. وقيل: من رصاص كتبوا فيه أسماء أهل الكهف، وهو على هذا التأويل بمعنى المرقوم أي الكتاب المرقوم. والرقم الخط والعلامة والرقم الكتابة. ثم ذكر صفتهم فقال «1» تعالى: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ

أي رجعوا وصاروا إليه.

واختلفوا في سبب مصيرهم إلى الكهف، فقال محمد بن اسحاق: مرح أهل الإنجيل وكثرت الخطايا فيهم، وعظمت الذنوب وطغت فيهم الملوك، حتى عبدوا الأصنام وذبحوا للطواغيت، وفيهم بقايا على دين المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام، متمسكين بعبادة الله وتوحيده.

فكان ممن فعل ذلك ملك من ملوكهم من الروم، يقال له دقيانوس، كان قد عبد الأصنام وذبح للطواغيت، وقتل من خالفه في ذلك ممن أقام على دين المسيح، وكان ينزل قرى الروم فكان لا يترك فيها أحدا مؤمنا إلا فتنة، حتى يعبد الأصنام ويذبح للطواغيت، حتى نزل مدينة أصحاب الكهف، وهي أفسوس، فلما نزلها كبر ذلك على أهل الإيمان فاستخفوا منه، وهربوا في كل وجه.

وكان دقيانوس قد أمر حين قدمها أن يتتبع أهل الإيمان في أماكنهم، فيجمعوا له واتخذ شرطة من الكفار، من أهلها فجعلوا يتتبعون أهل الإيمان، في أماكنهم فيخرجونهم إلى دقيانوس، فيقدمهم إلى الجامع الذي يذبح فيه للطواغيت، فيخيرهم بين القتل وعبادة الأصنام والذبح للطواغيت، فمنهم من يرغب في الحياة، ومنهم من يأبى أن يعبد غير الله تعالى فيقتل.

فلما رأى أهل ذلك البلد الشدة في الإيمان بالله جعلوا يسلمون أنفسهم للعذاب والقتل، فيقطعون ويعلق ما قطع من أجسادهم على سور المدينة ونواحيها كلها، وعلى كل باب من أبوابها، حتى عظمت الفتنة على أهل الإيمان منهم، من أقر فترك، ومنهم من صلب على دينه فقتل.

ص: 393

فلما رأى ذلك الفتية، حزنوا حزنا شديدا فصلوا وصاموا واشتغلوا بالتسبيح والدعاء لله تعالى، وكانوا من أشراف الروم، وكانوا ثمانية فتفرقوا، وتضرعوا، وجعلوا يقولون «1» : رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً، لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً

، اللهم اكشف عن عبادك المؤمنين، هذه الفتنة وادفع البلاء والغم عن عبادك، الذين آمنوا بك، حتى يعلنوا عبادتهم إياك، فبينما هم على ذلك إذا أدركهم الشرطة، وكانوا قد دخلوا في مصلى لهم، فوجدوهم سجدا على وجوههم يبكون ويتضرعون إلى الله تعالى، ويسألونه أن ينجيهم من دقيانوس وفتنته.

فلما رآهم أولئك الكفرة، قالوا لهم: ما خلفكم عن أمر الملك؟ انطلقوا إليه. ثم خرجوا من عندهم فرفعوا أمرهم إلى دقيانوس، فقالوا: نجمع الجميع وهؤلاء الفتية من أهل بيتك يسخرون بك ويعصون أمرك! فلما سمع ذلك منهم أتى بهم وأعينهم تفيض من الدمع، معفرة وجوههم في التراب، فقال لهم: ما منعكم أن تشهدوا الذبح للآلهة التي تعبد في الأرض، وأن تجعلوا أنفسكم كغيركم؟ فاختاروا إما أن تذبحوا لآلهتنا كما يذبح الناس، وإما أن أقتلكم؟ فقال مكسلمينا، وكان أكبرهم: إن لنا إلها ملأت السموات والأرض عظمته لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً، لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً

«2» ولن نقر بهذا الذي تدعو إليه أبدا، ولكنا نعبد الله ربنا، له الحمد والشكر والتسبيح من أنفسنا خالصا أبدا، إياه نعبد وإياه نسأل النجاة والخير، فأما الطواغيت وعبادتها فلن نعبدها أبدا، اصنع ما بدا لك.

ثم قال أصحاب مكسلمينا لدقيانوس مثل ما قال له، فلما قالوا ذلك أمر فنزع منهم الملبوس الذي كان عليهم من لبوس عظمائهم، وقال: إن فعلتم ما فعلتم فإني سأؤخركم وأفرغ لكم وأنجزكم ما وعدتكم من العقوبة، وما يمنعني أن أعجل ذلك لكم إلا أني أراكم شبابا حديثة أسنانكم، فلا أحب أن أهلككم حتى أجعل لكم أجلا، تتذاكرون فيه وتراجعون عقولكم، ثم أمر بحلية كانت عليهم من ذهب وفضة فنزعت عنهم، ثم أمر بهم فأخرجوا من عنده وانطلق دقيانوس إلى مدينة سوى مدينتهم التي هم بها قريبة منهم، لبعض أموره فلما علم الفتية أن دقيانوس خرج من مدينتهم، بادروا قدومه وخافوا إذا قدم مدينتهم أن يذكرهم فائتمروا بينهم، أن يأخذ كل رجل منهم نفقة من بيت أبيه فيتصدقوا منها، ثم يتزودوا بما بقي ثم ينطلقوا إلى كهف قريب من المدينة، في جبل يقال له منحلوس، فيمكثون فيه ويعبدون الله تعالى، حتى إذا جاء دقيانوس، أتوه فقاموا بين يديه، فيصنع بهم ما شاء. فلما قال ذلك بعضهم لبعض، عمد كل فتى منهم إلى بيت أبيه، فأخذ نفقة فتصدقوا منها، وانطلقوا بما بقي معهم من نفقتهم، واتبعهم كلب كان لهم. حتى أتوا ذلك الكهف في الجبل فلبثوا فيه.

وقال كعب الأحبار: مروا بكلب فنبح عليهم فطردوه، فعاد ففعلوا ذلك مرارا، فقال لهم الكلب: ما تريدون مني؟ لا تخشوا جانبي فأنا أحب أحباب الله. فناموا حتى أحرسكم.

وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: هربوا ليلا من دقيانوس بن حلانوس حين دعاهم

ص: 394

إلى عبادة الأصنام، وكانوا سبعة فمروا براع معه كلب، فتبعهم على دينهم، فخرجوا من البلد فآووا إلى الكهف وهو قريب من البلدة، فلبثوا فيه، ليس لهم عمل إلا الصلاة والصيام والتسبيح والتكبير والتحميد، ابتغاء وجه الله، وجعلوا نفقتهم إلى فتى منهم، يقال له تمليخا، فكان على طعامهم يبتاع لهم أرزاقهم من المدينة سرا، وكان من أجملهم وأجلدهم، فكان تمليخا يصنع ذلك، فإذا دخل المدينة يضع ثيابا كانت عليه حسانا، ويلبس كثياب المساكين، الذين يطعمون فيها، ثم يأخذ ورقة ثم ينطلق إلى المدينة فيشتري لهم طعاما وشرابا، ويسمع ويتجسس لهم الخبر، هل ذكر أصحابه بشيء أم لا ثم يرجع إلى أصحابه.

فلبثوا كذلك ما لبثوا، ثم قدم دقيانوس الجبار المدينة فأمر العظماء، فذبحوا للطواغيت، ففزع لذلك أهل الإيمان، وكان تمليخا بالمدينة يشتري لأصحابه الطعام والشراب، فرجع لأصحابه وهو يبكي ومعه طعام قليل، فأخبرهم أن الجبار دقيانوس قد دخل المدينة، وأنهم قد ذكروا مع عظماء المدينة، ليذبحوا الطواغيت، فلما أخبرهم فزعوا ووقعوا سجدا يدعون الله تعالى، ويتضرعون إليه، ويتعوذون به من الفتنة، ثم إن تمليخا قال لهم: يا اخوتاه ارفعوا رؤوسكم وأطعموا من رزق الله، وتوكلوا عليه، فرفعوا رؤوسهم وأعينهم تفيض من الدمع، حزنا وخوفا على أنفسهم، فطعموا منه وذلك عند غروب الشمس، ثم جلسوا يتحدثون ويتدارسون، ويذكر بعضهم بعضا، فبينما هم على ذلك إذ ضرب الله على آذانهم في الكهف، وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف، فأصابه ما أصابهم، وهم مؤمنون موقنون ونفقتهم عند رؤوسهم.

فلما كان الغد تفقدهم دقيانوس والتمسهم فلم يجدهم، فقال لبعض أصحابه: قد ساءني هؤلاء الفتية الذين ذهبوا، لقد كانوا ظنوا بي غضبا عليهم لجهلهم ما جهلوا من أمري، وما كنت لأجهل عليهم، ولا على واحد منهم إن تابوا وعبدوا إلهي.

فقال له عظماء المدينة: ما أنت بحقيق أن ترحم قوما فجرة مردة عصاة، مقيمين على ظلمهم ومعصيتهم، قد كنت أجلتهم أجلا، ولو شاؤوا لرجعوا في ذلك الأجل، ولكنهم لم يتوبوا. فلما قالوا له ذلك: غضب غضبا شديدا، ثم أرسل إلى آبائهم فسأل عنهم؛ ثم قال:

أخبروني عن أبنائكم المردة الذين عصوني؟ فقالوا له: أما نحن فلن نعصيك، فلم تقتلنا بقوم مردة ذهبوا بأموالنا فأهلكوها بأسواق المدينة، ثم انطلقوا فارتقوا إلى جبل يقال له منحلوس، فلما قالوا له ذلك، خلى سبيلهم، وجعل ما يدري ما يفعل بالفتية، فألقى الله في نفس دقيانوس أن يأمر بالكهف فيسد عليهم.

وأراد الله أن يذكرهم ويجعلهم آية، ويستخلف من بعدهم، وأن يبين لهم أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، ويدعوهم كما هم في الكهف يموتون عطشا وجوعا، وليكن كهفهم الذي اختاروا قبرا لهم، وهو يظن أنهم أيقاظ يعلمون ما يصنع بهم. وقد توفى الله أرواحهم وفاة النوم، وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف، قد غشيه ما غشيهم ذات اليمين وذات الشمال.

ص: 395

ثم إن رجلين مؤمنين كانا في بيت الملك دقيانوس، يكتمان إيمانهما، كان اسم أحدهما مندروس، والآخر دوماس، ائتمرا أن يكتبا أسماء الفتية وأنسابهم وخبرهم، في لوح رصاص يجعلاه في تابوت من نحاس، ثم يجعلا التابوت في البنيان، وقالا: لعل الله يظهر على هؤلاء الفتية قوما مؤمنين، قبل يوم القيامة، فيعلم من فتح عليهم خبرهم، حين يقرأ هذا الكتاب. ففعلا ثم بنيا عليهم فبقي دقيانوس ما بقي، ثم مات وقومه وقرون بعد ذلك كثيرة، وخلفاء الملوك بعد الملوك.

وقال عبيد بن عمير: كان أصحاب الكهف فتيانا مطوقين مسورين ذوي ذوائب «1» ، وكان معهم كلب صيدهم فخرجوا في عيد لهم عظيم، في زي وموكب، وأخرجوا معهم آلهتهم التي يعبدونها من دون الله، وقد قذف الله في قلوب الفتية الإيمان، وكان أحدهم وزير الملك، فآمنوا وأخفى كل واحد منهم الإيمان عن أخيه، فقالوا في أنفسهم، من غير أن يظهر بعضهم على بعض: نخرج من بين أظهر هؤلاء القوم، لئلا يصيبنا عقاب بجرمهم، فخرج شاب منهم حتى انتهى إلى ظل شجرة، فجلس فيه ثم خرج آخر فرآه جالسا وحده، فرجا أن يكون على مثل أمره، من غير أن يظهر له ذلك، فجلس إليه ثم خرج الآخرون فجاؤوا وجلسوا إليهما.

واجتمعوا، فقال بعضهم لبعض: ما جمعكم؟ وقال آخر: ما حملكم؟ وكل واحد يكتم عن صاحبه إيمانه، مخافة على نفسه، ثم قالوا: ليخرج كل فتيين منكم فيخلوا ثم ليفش كل واحد منهما لصاحبه أمره، فخرج فتيان منهم، فتوافقا. ثم تكلما، فذكر كل واحد منهما أمره لصاحبه، فأقبلا مستبشرين إلى أصحابهما، فقالا: قد اتفقنا على أمر واحد، فإذا هم جميعا على أمر واحد، وهو الإيمان، وإذا كهف في الجبل قريب منهم، فقال بعضهم لبعض: فأووا إلى الكهف، ينشر لكم ربكم من رحمته، ويهييء لكم من أمركم مرفقا، فدخلوا الكهف ومعهم كلب صيدهم، فناموا ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعا.

وفقدهم الملك وقومهم فطلبوهم فعمى الله عليهم آثارهم وكهفهم، فلما لم يقدروا عليهم، كتبوا أسماءهم وأنسابهم في لوح من رصاص: فلان وفلان أبناء ملوكنا، فقدناهم في شهر كذا من سنة كذا في مملكة فلان، ووضعوا اللوح في خزانة الملك وقالوا: ليكونن لهذا شأن ومات ذلك الملك وجاء قرن من بعد قرن.

وقال وهب بن منبه: جاء حواري عيسى ابن مريم إلى مدينة أصحاب الكهف، فأراد أن يدخلها، فقيل له: إن على بابها صنما لا يدخلها إلا سجد له، فكره أن يدخلها وأتى حماما قريبا من تلك المدينة، فكان فيه وكان يؤاجر نفسه من الحمامي في حمامه، ويعمل فيه ورأى الحمامي في حمامه البركة، ودر عليه الرزق، فجعل يقوم عليه وعلقه فتية من أهل المدينة، فجعل يخبرهم خبر السماء والأرض، وخبر الآخرة، حتى آمنوا بالله وصدقوه. وكانوا على مثل حاله من حسن الهيئة، وكان شرط على صاحب الحمام، أن الليل لا يحول بيني وبينه أحد، ولا بين الصلاة، وكان على ذلك، حتى أتى ابن الملك بامرأة، فدخل بها الحمام، فعيره الحمامي، وقال له: أنت ابن الملك

ص: 396

وتدخل مع هذه! فاستحيا وذهب، ثم رجع مرة أخرى، فقال له مثل ذلك فسبه وانتهره، ولم يلتفت إليه حتى دخلاه جميعا فماتا معا في الحمام.

فأتى الملك، فقيل له: صاحب الحمام قتل ابنك، فالتمس فلم يقدر عليه وهرب. فقال:

من كان يصحبه؟ فسموا الفتية فالتمسوا فخرجوا من المدينة، فمروا على صاحب لهم في زرع، وهو على مثل إيمانهم، فذكروا له أنهم التمسوا، فانطلق معهم، وكان معه كلب، حتى آواهم الليل إلى كهف، فقالوا: نبيت ههنا الليلة ثم نصبح، فترون رأيكم فضرب الله على آذانهم، فخرج الملك في أصحابه يطلبهم، فتبعوهم حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف، فكلما أراد الرجل منهم دخوله، أرعب فلم يطق أحد منهم أن يدخله، فقال قائل من أصحاب الملك: أليس لو كنت تقدر عليهم قتلتهم؟ قال: بلى. قال: فابن عليهم باب الكهف، واتركهم فيه يموتون جوعا وعطشا، ففعل ذلك.

قال وهب: فمكثوا بعد ما سد عليهم باب هذا الكهف، زمانا بعد زمان، ثم إن راعيا أدركه المطر عند باب الكهف، فقال في نفسه: لو فتحت باب هذا الكهف، وأدخلت فيه غنمي من المطر، فلم يزل يعالجه حتى فتحه، ورد الله عليهم أرواحهم من الغد، حين أصبحوا.

قال محمد بن اسحاق: ثم ملك أهل تلك البلاد رجل صالح، يقال له تاودوسيوس، فلما ملك بقي في ملكه ثمانيا وثمانين سنة، فتحزب الناس في ملكه، وكانوا أحزابا، فمنهم من يؤمن بالله ويعلم أن الساعة حق، ومنهم من يكذب بها، فكبر ذلك على الملك الصالح، وشكا إلى الله وتضرع إليه، وحزن حزنا شديدا، لما رأى أهل الباطل يزيدون ويظهرون على أهل الحق، ويقولون: لا حياة إلا الحياة الدنيا، وإنما تبعث الأرواح ولا تبعث الأجساد، فأما الجسد فتأكله الأرض، ونسوا ما في الكتاب.

فجعل تاودوسيوس يرسل إلى كل من يظن فيه خيرا وأنه معه على الحق، فجعلوا يكذبون بالساعة، حتى كادوا يحولون الناس عن الحق وملة الحواريين، فلما رأى ذلك الملك الصالح تاودوسيوس، دخل بيته وأغلقه عليه ولبس مسحا، وجعل تحته رمادا ثم جلس عليه، فدأب ليلا ونهارا يتضرع إلى الله ويبكي مما يرى فيه الناس، ويقول: أي رب قد ترى اختلاف هؤلاء، فابعث إليهم من يبين لهم.

ثم إن الرحمن الرحيم الذي يكره هلكة العباد، أراد أن يظهر الفتية أصحاب الكهف، ويبين للناس شأنهم ويجعلهم آية تبين لهم، وحجة عليهم، ليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يستجيب لعبده الصالح تاودوسيوس، وأن يتم نعمته عليه، وأن لا ينزع عنه ملكه ولا الإيمان الذي أعطاه، وأن يعبد الله ولا يشرك به شيئا، وأن يجمع من كان ببلده من المؤمنين، فألقى الله عز وجل في نفس رجل من أهل ذلك الجبل، الذي به أهل الكهف أن يبني فيه حظيرة لغنمه، فاستأجر عاملين، فجعلا ينزعان تلك الأحجار، ويبنيان بها تلك الحظيرة، حتى فرغ ما على فم الكهف، وفتح عليهم باب الكهف، وحجبهم الله عن الناس بالرعب، فيزعمون أن أشجع من يريد أن ينظر إليهم، من يدخل من باب الكهف، ثم يتقدم حتى يرى كلبهم دونهم،

ص: 397

إلى باب الكهف قائما، فلما نزعت الحجارة، وفتح عليهم باب الكهف، أذن الله ذو القدرة والعظمة والسلطان، محيي الموتى، أن يجلسوا بين ظهراني الكهف، فجلسوا فرحين مستبشرة وجوههم، طيبة أنفسهم فسلم بعضهم على بعض، حتى كأنما استيقظوا من ساعتهم التي كانوا يستيقظون فيها، إذا أصبحوا من ليلتهم التي يبيتون فيها، ثم قاموا إلى الصلاة، فصلوا كالذي كانوا يفعلون، لا يرى في وجوههم، ولا في أبشارهم، ولا في ألوانهم شيء يكرهونه، إنما هم كهيئتهم حين رقدوا، وهم يرون أن ملكهم دقيانوس الجبار في طلبهم.

فلما قضوا صلاتهم، قالوا لتمليخا صاحب نفقتهم: ائتنا يا أخي بالذي قال الناس في شأننا، عشية أمس عند الجبار، وهم يظنون أنهم رقدوا كبعض ما كانوا يرقدون أمس، وقد خيل إليهم أنهم ناموا كأطول ما كانوا ينامون في الليلة التي أصبحوا فيها، حتى تساءلوا بينهم، فقال بعضهم لبعض كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ

«1» وكل ذلك في أنفسهم يسير، فقال لهم تمليخا: افتقدتم والتمستم بالمدينة، وهو يريد أن يأتي بكم اليوم، فتذبحون للطواغيت، أو يقتلكم، فما شاء الله بعد ذلك فعل. فقال لهم مكسلمينا: يا اخوتاه، اعلموا أنكم ملاقو الله، فلا تكفروا بعد إيمانكم إذا دعاكم غدا. ثم قال لتمليخا: انطلق إلى المدينة، فتسمع ما يقال لنا بها اليوم، وما الذي نذكر به عند دقيانوس، وتلطف ولا تشعرن بنا أحدا، وابتغ لنا طعاما وائتنا به، فإنه قد نالنا الجوع وزدنا على الطعام الذي تجيئنا به العادة، فإنه كان قليلا وقد أصبحنا جياعا.

ففعل تمليخا كما كان يفعل، وخرج ووضع ثيابه، وأخذ الثياب التي كان يتنكر فيها، وأخذ ورقا من نفقتهم، التي كانت معهم، التي ضربت بطابع دقيانوس، وكانت كخفاف الربع، فانطلق تمليخا خارجا، فلما مر بباب الكهف، رأى الحجارة منزوعة عن باب الكهف، فعجب منها، ثم مر فلم يبال بها حتى أتى باب المدينة مستخفيا، يصد عن الطريق تخوفا من أن يراه أحد من أهلها، فيعرفه فيذهب به إلى دقيانوس الجبار، ولم يشعر بالعبد الصالح، وأن دقيانوس وأهله قد هلكوا قبل ذلك بثلاثمائة سنة.

فلما رأى تمليخا باب المدينة، رفع رأسه فرأى فوق ظهر الباب علامة تكون لأهل الإيمان، فلما رآها عجب وجعل ينظر إليها مستخفيا، فنظر يمينا وشمالا فلم ير أحدا ممن يعرفه. ثم ترك ذلك الباب، وتحول إلى باب آخر من أبوابها، فرأى مثل ذلك، فجعل يخيل إليه أن المدينة ليست بالتي كان يعرفها، ورأى ناسا كثيرين محدثين لم يكن يعرفهم قبل ذلك، فجعل يمشي ويتعجب منهم ومن نفسه، ويخيل إليه أنه حيران ثم رجع إلى الباب الذي أتى منه، فجعل يتعجب منهم ومن نفسه، ويقول: يا ليت شعري أما هذه عشية أمس كان المسلمون يخفون هذه العلامة، ويستخفون بها فأما اليوم فإنها ظاهرة، لعلي حالم! ثم يرى أنه ليس بنائم.

فأخذ كساءه وجعله على رأسه، ثم دخل المدينة فجعل يمشي بين ظهراني سوقها فيسمع ناسا كثيرين يحلفون بالله، ثم بعيسى ابن مريم فزاده عجبا! ورأى كأنه حيران، فقام مسندا ظهره إلى جدار من جدران المدينة، ويقول في نفسه: والله ما أدري ما هذا؟ أما عشية أمس فليس على

ص: 398

وجه الأرض إنسان يذكر عيسى ابن مريم إلا قتل، وأما الغداة فأسمع كل إنسان يذكر أمر عيسى ابن مريم ولا يخاف. ثم قال في نفسه: لعل هذه المدينة ليست التي أعرفها، أسمع كلام أهلها ولا أعرف أحدا منهم. والله ما أعلم مدينة أقرب من مدينتنا، ثم قام كالحيران لا يتوجه وجها، ثم لقي فتى من أهل المدينة، فقال: يا فتى ما اسم هذه المدينة؟ فقال: افسوس. فقال في نفسه: لعل بي مسا أو أمرا أذهب عقلي، والله يحق لي أن أسرع إلى الخروج منها، قبل أن أخرج منها ويصيبني سوء فاهلك.

هذا الذي حدث به تمليخا أصحابه حين تبين له حالهم. ثم إنه أفاق فقال: والله لو عجلت الخروج من المدينة، قبل أن يفطن بي لكان أكيس بي، فدنا من الذين يبيعون الطعام، فأخرج الورق التي كانت معه، فأعطاها رجلا منهم فقال: يا عبد الله بعني بهذه الورق طعاما، فأخذها الرجل، ونظر إلى ضرب الورق ونقشها، وعجب منها ثم طرحها إلى رجل من أصحابه، فنظر إليها، ثم جعلوا يتطارحونها بينهم، من رجل إلى رجل، وهم يعجبون منها، ثم جعلوا يتشاورون من أجله، ويقول بعضهم: إن هذا الرجل قد أصاب كنزا خبيئا في الأرض منذ زمان ودهر طويل، فلما رآهم يتشاورون من أجله فرق فرقا شديدا، وحزن حزنا عظيما، وجعل يرتعد ويظن أنهم فطنوا به وعرفوه، وإنما يريدون أن يحملوه إلى ملكهم دقيانوس، وجعل أناس آخرون يأتونه فيتعرفونه، فقال لهم، وهو شديد الفرق: اقضوني حاجتي، فقد أخذتم ورقي، وإلا فامسكوا طعامك فلا حاجة لي فيه.

فقالوا له: من أنت يا فتى وما شأنك؟ والله لقد وجدت كنزا من كنوز الأولين وأنت تريد أن تخفيه منا، فانطلق معنا وشاركنا فيه، يخف عليك ما وجدت، فإنك إن لم تفعل نأت بك السلطان فنسلمك إليه فيقتلك، فلما سمع قولهم، عجب في نفسه وقال: قد وقعت في كل شيء أحذر منه، ثم قالوا: يا فتى والله أنك لا تستطيع أن تكتم شيئا وجدته، ولا تظن في نفسك أن ستخفى عليك. فجعل تمليخا لا يدري ما يقول، وما يرجع إليهم وفرق حتى ما يحير إليهم جوابا.

فلما رأوه لا يتكلم أخذوا كساءه فطوقوه في عنقه، ثم جعلوا يقودونه في سكك المدينة مكبلا، حتى سمع به كل من فيها. فقيل: أخذ رجل عنده كنز، واجتمع عليه أهل المدينة صغيرهم وكبيرهم، فجعلوا ينظرون إليه ويقولون: والله ما هذا الفتى من أهل هذه المدينة، وما رأيناه فيها قط وما نعرفه، فجعل تمليخا ما يدري ما يقول لهم، مع ما سمع منهم. فلما اجتمع عليه أهل المدينة، فرق وسكت ولم يتكلم، ولو قال إنه من أهل المدينة لم يصدق. وكان مستيقنا أن أباه وأخوته بالمدينة، وأن حسبه في أهل المدينة، من عظماء أهلها، وأنهم سيأتونه إذا سمعوا، وقد استيقن أنه عشية أمس، كان يعرف كثيرا من أهلها، وأنه لا يعرف اليوم من أهلها أحد.

فبينما هو قائم كالحيران ينتظر من يأتيه من أهله إما أبوه أو بعض إخوته، فيخلصه من أيديهم، إذ اختطفوه فانطلقوا به إلى رئيسي المدينة ومدبريها اللذين يدبران أمرها، وهما رجلان صالحان، اسم أحدهما أرموس والآخر اصطفوس، فلما انطلق به إليهما، ظن تمليخا إنما ينطلق به إلى دقيانوس الجبار ملكهم الذي هربوا منه. فجعل يلتفت يمينا وشمالا، وجعل الناس يسخرون

ص: 399

به، كما يسخرون من المجنون والحيران، وجعل تمليخا يبكي ثم رفع رأسه إلى السماء، وقال:

اللهم إله السماء وإله الأرض، أفرغ علي اليوم صبرا، وأولج معي روحا منك، تؤيدني به عند هذا الجبار، وجعل تمليخا يبكي ويقول في نفسه: فرق بيني وبين إخوتي يا ليتهم يعلمون ما لقيت، وأين يذهب به فلو أنهم يعلمون فيأتوني، فنقوم جميعا بين يدي هذا الجبار، فإنا كنا توافقنا لنكونن معا لا نكفر بالله ولا نشرك به شيئا، ولا نعبد الطواغيت من دون الله عز وجل، فرق بيني وبينهم فلم أرهم ولم يروني، وقد كنا توافقنا أن لا نفترق في حياة ولا موت أبدا، يا ليت شعري ما هو فاعل بي أقاتلي أم لا؟

هذا ما حدث به تمليخا أصحابه عن نفسه حين رجع إليهم، ثم انتهي به إلى الرجلين الصالحين أرموس واصطفوس، فلما رأى تمليخا أنه لم يذهب به إلى دقيانوس أفاق وسكن عنه البكاء، فأخذ أرموس واصطفوس الورق فنظرا إليها وعجبا منها، ثم قال له أحدهما: أين الكنز الذي وجدته يا فتى؟ فهذا الورق يشهد عليك أنك قد وجدت كنزا! فقال له تمليخا: ما وجدت كنزا، ولكن هذا الورق ورق آبائي، ونقش هذه المدينة وضربها. ولكني والله ما أدري ما شأني وما أدري ما أقول لكم! فقال أحدهما: من أنت؟ فقال له تمليخا: أما ما أرى، فإني كنت أرى أني من أهل هذه المدينة. فقالوا له: من أبوك ومن يعرفك بها؟ فأنبأهم باسم أبيه، فلم يجدوا أحدا يعرفه ولا أباه. فقال له أحدهما: أنت رجل كذاب لا تخبر بالحق، فلم يدر تمليخا ما يقول لهم، غير أنه نكس رأسه إلى الأرض، فقال بعض من حوله: هذا الرجل مجنون، وقال بعضهم: ليس بمجنون ولكنه يحمق نفسه عمدا، لكي يفلت منكم. فقال له أحدهما ونظر إليه نظرا شديدا:

أتظن أنا نرسلك ونصدقك هذا مال أبيك، ونقش هذا الورق وضربها، أكثر من ثلاثمائة سنة؟

وأنت غلام شاب تظن أنك تأفكنا وتسخر بنا، ونحن شمط كما ترى، وحولك سراة «1» أهل المدينة، وولاة أمرها وخزائن هذه البلدة بأيدينا، وليس عندنا من هذا الضرب درهم ولا دينار.

وإني لأظنني سآمر بك فتضرب وتعذب عذابا شديدا، ثم أوثقك حتى تقر بهذا الكنز الذي وجدت.

فلما قال له ذلك، قال له تمليخا: أنبئوني عن شيء أسألكم عنه، فإن فعلتم صدقتكم ما عندي؟ قالوا: سل لا نكتمك شيئا. قال: فما فعل الملك دقيانوس؟ فقالوا له: ليس نعرف اليوم على وجه الأرض ملكا يسمى دقيانوس، ولم يكن إلا ملكا قد هلك منذ زمان ودهر طويل، وقد هلكت بعده قرون كثيرة.

فقال لهم تمليخا: فو الله ما يصدقني أحد من الناس بما أقول: لقد كنا فتية الملك، وأنه أكرهنا على عبادة الأوثان والذبح للطواغيت، فهربنا منه عشية أمس، فنمنا، فلما انتبهنا خرجت لأشتري لأصحابي طعاما وأتجسس لهم الأخبار، فإذا أنا كما ترون، فانطلقوا معي إلى الكهف الذي في جبل منحلوس، أريكم أصحابي، فلما سمع أرموس واصطفوس ما يقول تمليخا، قالا:

يا قوم لعل هذه آية من آيات الله عز وجل، جعلها الله لكم على يدي هذا الفتى، فانطلقوا بنا معه

ص: 400

يرينا أصحابه كما قال. فانطلق معه أرموس واصطفوس، وانطلق معهما أهل المدينة كبيرهم وصغيرهم نحو أصحاب الكهف لينظروا إليهم.

ولما رأى الفتية أصحاب الكهف، تمليخا قد احتبس عنهم بطعامهم وشرابهم، عن القدر الذي كان يأتيهم فيه، ظنوا أنه قد أخذ وذهب إلى ملكهم دقيانوس، الذي هربوا منه. فبينما هم يظنون ذلك ويتخوفونه إذا سمعوا الأصوات، وجلبة الخيل مصعدة نحوهم، فظنوا أنهم رسل الجبار دقيانوس، بعث إليهم ليؤتى بهم، فقاموا حين سمعوا ذلك إلى الصلاة وسلم بعضهم على بعض، وقالوا: انطلقوا بنا إلى أخينا تمليخا، فإنه الآن بين يدي الجبار دقيانوس، ينتظر متى نأتيه.

فبينما هم يقولون ذلك وهم جلوس بين ظهراني الكهف فلم يروا إلا أرموس وأصحابه، وقوما وقوفا على باب الكهف، وقد سبقهم تمليخا فدخل عليهم وهو يبكي، فلما رأوه يبكي بكوا معه، ثم سألوه عن شأنه فأخبرهم بخبره وقص عليهم المسألة فعرفوا عند ذلك أنهم كانوا نياما بإذن الله تعالى ذلك الزمان كله، وإنما أوقظوا ليكونوا آية للناس وتصديقا للبعث، وليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها.

ثم دخل على أثر تمليخا أرموس، فرأى تابوتا من نحاس مختوما بخاتم من فضة، فقام بباب الكهف ودعا رجالا من عظماء أهل المدينة، ففتح التابوت عندهم فوجدوا فيه لوحين من رصاص، مكتوبا فيهما: إن مكسلمينا وامليخا (أو تمليخا) مرطوكش ونوالس وسانيوس وبطنيوس وكشفوطط كانوا فتية، هربوا من ملكهم دقيانوس الجبار، مخافة أن يفتنهم عن دينهم، فدخلوا في هذا الكهف، فلما أخبر بمكانهم أمر بهذا الكهف فسد عليهم بالحجارة، وأنا كتبنا شأنهم وخبرهم ليعلم من بعدهم إن عثر عليهم.

فلما قرؤوه عجبوا وحمدوا الله عز وجل، الذي أراهم آية البعث فيهم. ثم رفعوا أصواتهم بحمد الله وتسبيحه ثم دخلوا على الفتية الكهف فوجدوهم جلوسا بين ظهرانيه ووجوههم مشرقة لم تبل ثيابهم. فخر أرموس وأصحابه سجدا لله تعالى وحمدوا الله الذي أراهم آية من آياته، ثم كلم بعضهم بعضا وأنبأهم الفتية عن الذي لقوا من ملكهم دقيانوس الجبار. ثم إن أرموس وأصحابه بعثوا بريدا إلى ملكهم الصالح تاودوسيوس، أن عجل لعلك تنظر إلى آية من آيات الله تعالى، جعلها الله آية على ملكك وجعلها آية للعالمين ليكون ذلك نورا وضياء وتصديقا بالبعث، فاعجل على فتية بعثهم الله وكان قد توفاهم منذ أكثر من ثلاثمائة سنة.

فلما أتى الملك الخبر قام من السدة التي كان عليها ورجع إليه عقله، وذهب عنه همه، ورجع إلى الله تعالى، وقال: أحمد الله رب العالمين رب السموات والأرض، وأعبدك وأسبح لك تطولت علي ورحمتني برحمتك، فلم تطفىء النور الذي كنت جعلته لآبائي وللعبد الصالح قسطيطوس الملك، فلما أنبىء به أهل المدينة ركبوا إليه وساروا معه حتى صعدوا نحو الكهف وأتوه، فلما رأوا الفتية تاودوسيوس، فرحوا به وخروا سجدا على وجوههم. وقام تاودوسيوس قدامهم، ثم اعتنقهم وبكى، وهم جلوس بين يديه على الأرض، يسبحون الله تعالى ويحمدونه، ثم قال الفتية لتاودوسيوس: نستودعك الله، ونقرأ عليك السلام، حفظك الله ومد ملكك، ونعيذك بالله من

ص: 401

شر الجن والإنس. فبينما الملك قائم، رجعوا إلى مضاجعهم فناموا، وتوفى الله أرواحهم.

وقام الملك فجعل ثيابه عليهم، وأمر أن يجعل لكل واحد تابوت من ذهب. فلما أمسوا ونام، أتوه في المنام، وقالوا: إنا لم نخلق من ذهب ولا فضة، ولكنا خلقنا من التراب وإلى التراب نصير. فاتركنا كما كنا في الكهف على التراب، حتى يبعثنا الله، فأمر الملك حينئذ بتابوت من ساج، فجعلوا فيه. وحجبهم الله حين خرجوا من عندهم بالرعب، فلم يقدر أحد أن يطلع عليهم، وأمر الملك فجعل على باب الكهف مسجدا يصلى فيه. وجعل لهم عيدا عظيما، وأمر أن يؤتى كل سنة.

وقيل: إنهم لما أتوا باب الكهف، قال لهم تمليخا: دعوني حتى أدخل على أصحابي فأبشرهم، فإنهم إن رأوكم معي أرعبتموهم، فدخل فبشرهم، وقبض الله روحه وأرواحهم، وعمي عليهم فلم يهتدوا إليهم. فهذا حديث أصحاب الكهف.

ويقال إن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يريه إياهم، فقال تعالى: إنك لن تراهم في دار الدنيا، ولكن ابعث إليهم أربعة من خيار أصحابك ليبلغوهم رسالتك ويدعوهم إلى الإيمان بك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: كيف أبعث إليهم؟ فقال «1» : ابسط كساءك، واجلس على طرف من أطرافه أبا بكر، وعلى الثاني عمر، وعلى الثالث عليا، وعلى الرابع أبا ذر، ثم ادع الرخاء المسخرة لسليمان بن داود عليهما السلام، فإن الله تعالى أمرها أن تطعيك. ففعل النبي صلى الله عليه وسلم ما أمر به، فحملتهم الريح حتى انطلقت بهم إلى باب الكهف، فلما دنوا من الباب قلعوا منه حجرا، فقام الكلب فنبح عليهم حين أبصر الضوء، وهر وحمل عليهم، فلما رآهم حرك رأسه وبصبص بذنبه، وأومأ برأسه أن ادخلوا الكهف، فدخلوا فقالوا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد الله عليهم أرواحهم، فقاموا بأجمعهم، وقالوا: وعليكم السلام وعلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم مادامت السموات والأرض، وعليكم بما بلغتم ثم جلسوا بأجمعهم يتحدثون، فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وقبلوا دين الإسلام. وقالوا: اقرؤوا محمدا منا السلام، ثم أخذوا مضاجعهم وصاروا إلى رقدتهم، إلى آخر الزمان، عند خروج المهدي. ويقال إن المهدي يسلم عليهم فيحييهم الله ثم يرجعون إلى رقدتهم فلا يقومون إلى يوم القيامة.

وقد رأيت في كتاب الشفاء، للإمام أبي الربيع سليمان بن سبع، ما نصه: روي أن عيسى عليه السلام يعمر بعد الدجال ويأجوج ومأجوج أربعين سنة، ويكون حواريوه أصحاب الكهف والرقيم ويحجون معه، لأنهم لم يحجوا. انتهى ما نقله ابن سبع.

ثم نرجع إلى سياق الثعلبي، قال: ثم جلس كل واحد منهم على مكانه وحملتهم الريح، فهبط جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما كان منهم. فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم: كيف وجدتموهم وما الذي أجابوا؟ فقالوا: يا رسول الله دخلنا عليهم فسلمنا عليهم، فقاموا بأجمعهم فردوا علينا السلام، وبلغناهم رسالتك فأجابوا وأنابوا، وشهدوا أنك رسول الله حقا، وحمدوا الله على ما

ص: 402

أكرمهم بخروجك وتوجيه رسلك إليهم. وهم يقرؤونك السلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم لا تفرق بيني وبين أصهاري وأحبابي، واغفر لمن أحبني، وأحب أهل بيتي وأحب أصحابي. فذلك قوله تعالى إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ

«1» أي صار يضم الفتية. قال الثعلبي: كان أصحاب الكهف صيارفة.

قوله عز وجل إِلَى الْكَهْفِ

هو غار بجبل منحلوس. وقيل: بناحيوس واسم الكهف حرم، وقيل خدم. قوله «2» تعالى: فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً

أي يسر لنا ما نلتمس من رضاك، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: رشدا أي مخرجا من الغار في سلامة، وقيل: صوابا. قوله «3» تعالى: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ

وهذا من فصاحات القرآن، التي أقرت العرب القصور عن الإتيان بمثله. ومعناه أنمناهم وألقينا وسلطنا عليهم النوم.

كما يقال ضرب الله فلانا بالفالج، أي ابتلاه به وأرسله عليه. وقيل: معناه حجبناهم عن السمع، وسددنا نفوذ الصوت إلى مسامعهم. وهذا وصف الأموات والنيام. وقال قطرب: هو كقول العرب ضرب الأمير على يد الرعية، إذا منعهم من العبث والفساد، وضرب السيد على يد عبده المأذون له في التجارة، إذا منعه من التصرف. وقال الأسود «4» بن يعفر، وكان ضريرا، في ذلك:

ومن الحوادث لا أبالي أنني

ضربت على الأرض بالأسداد

قوله «5» عز وجل سِنِينَ عَدَداً

أي معدودة وهي نعت السنين، والعد المصدر والعدد الاسم المعدود كالنقض والنقض، والقص والقصص، والخبط والخبط.

وقال أبو عبيدة: هو نصب على المصدر. قوله «6» تعالى: ثُمَّ بَعَثْناهُمْ

يعني من بعد موتهم، لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً

«7» وذلك حين تنازع المسلمون الأولون أصحاب الملك، والمسلمون الآخرون الذين أسلموا حين رأوا أصحاب الكهف، في قدر مدة لبثهم في الكهف. فقال المسلمون الأولون: لبثوا في الكهف ثلاثمائة سنين وتسع سنين، وقال المسلمون الآخرون: بل لبثوا كذا وكذا. فقال الأولون: الله أعلم بما لبثوا. فذلك قوله تعالى:

ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ

«8» أي: أي الفريقين أحصى، أي أضبط وأحفظ، لما لبثوا، أي مكثوا في كهفهم نياما أمدا، غاية. وقال مجاهد: عددا. وفي نصبه وجهان: أحدهما على التفسير والثاني مفعول لبثوا.

قوله «9» عز وجل: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ

أي نقرأ وننزل عليك نَبَأَهُمْ بِالْحَقِ

«10» ، أي خبر أصحاب الكهف. إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ

«11» أي شباب وأحداث آمَنُوا بِرَبِّهِمْ

«12» ، حكم الله لهم بالفتوة، حين آمنوا بلا واسطة. لذلك قال أهل اللسان: رأس الفتوة الإيمان. وقال الجنيد: الفتوة بذل الندى، وكف

ص: 403

الأذى، وترك الشكوى. وقيل: الفتوة شيآن: اجتناب المحارم واستعمال المكارم. وقيل: الفتى من لا يدعي قبل الفعل، ولا يذكي نفسه بعد الفعل. وقيل: ليس الفتى من يصبر على السياط، إنما الفتى من يجوز على الصراط، وليس الفتى من يصبر على المسكين إنما الفتى من يطعم المسكين.

قوله «1» تعالى: وَزِدْناهُمْ هُدىً

أي إيمانا وبصيرة وايقانا. وَرَبَطْنا

«2» أي شددنا عَلى قُلُوبِهِمْ

«3» بالصبر، وألهمناهم ذلك وقويناهم بنور الإيمان حين صبروا على هجران دار قومهم، وفراق ما كانوا فيه من خفض العيش، وفروا بدينهم إلى الكهف إِذْ قامُوا

«4» بين يدي دقيانوس فَقالُوا

«5» حين عاتبهم على ترك عبادة الصنم: رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً

«6» ، أي لا نعبد من دونه إلها، لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً

«7» ، قال ابن عباس ومقاتل رضي الله تعالى عنهم:

جورا. وقال قتادة، رحمه الله تعالى: كذبا.

وأصل الشطط والإشطاط مجاوزة القدر والافراط. هؤُلاءِ قَوْمُنَا

«8» : بمعنى أهل بلدهم، اتَّخَذُوا

«9» أي عبدوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً

«10» يعني من دون الله الأصنام يعبدونها. لَوْلا

«11» هلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ

«12» على عبادتهم بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ

«13» ، أي حجة واضحة فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً

«14» . بزعم أن له شريكا وولدا. ثم قال بعضهم لبعض: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ

«15» ، يعني قومهم وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ

«16» ، أي واعتزلتم أصنامهم التي يعبدونها من دون الله.

وكذلك هو في مصحف عبد الله: وما يعبدون من دون الله.

فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ

«17» أي صيروا إليه يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً:

«18» أي رزقا رغدا. والمرفق ما يرتفق به الإنسان. وفيه لغتان مرفق بفتح الميم وكسر الفاء، وهي قراءة أهل المدينة والشأم وعاصم في بعض الروايات. ومرفق بكسر الميم وفتح الفاء وهي قراءة الباقين. قوله «19» تعالى: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ

أي وترى يا محمد الشمس إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ

«20» أي تتزاور. قرأ أهل الكوفة بالتخفيف على حذف إحدى التاءين، وقرأ أهل الشأم ويعقوب: تزور، على وزن تحمر وكلها بمعنى واحد أي تميل وتعدل عن كهفهم، ذاتَ الْيَمِينِ

«21» أي جانب اليمين. وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ

«22» . قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: تدعهم. وقال مقاتل بن حيان: تجاوزهم. وأصل القرض القطع ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ

«23» . أي متسع من الكهف. وجمعها فجوات وأفجاء وفجاء.

أخبرنا الله بحفظه إياهم في مضجعهم، واختياره لهم أصلح المواضع للرقاد، فأعلمنا أنه يراهم في فضاء من الكهف، مستقبلا بنات نعش، تميل عنهم الشمس طالعة وغاربة وجارية، فلا تدخل عليهم فتؤذيهم بحرها، وتغير من ألوانهم وتبلي ثيابهم، وأنهم في متسع منه ينالهم فيه برد الريح ونسميها، وتنفي عنهم كربة الغار وغمومه، ذلِكَ

«24» ما ذكرنا من أمر الفتية مِنْ آياتِ اللَّهِ

«25» ، أي من عجائب صنع الله ودلالات قدرته.

قوله «26» عز وجل: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً

لأن التوفيق والخذلان بيد الله عز وجل، وَتَحْسَبُهُمْ

«27» يا محمد أَيْقاظاً

«28» منتبهين جمع يقظ ويقظ،

ص: 404

مثل قولك رجل نجد ونجد للشجاع وجمعه أنجاد، وَهُمْ رُقُودٌ

«1» يعني نيام، جمع راقد، مثل قاعد وقعود. وَنُقَلِّبُهُمْ

«2» بالتخفيف والتشديد، ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ

«3» ، مرة للجنب الأيمن ومرة للجنب الأيسر.

قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كانوا يقلبون في السنة مرة، من جانب إلى جانب لئلا تأكل الأرض لحومهم، ويقال: إن يوم عاشوراء كان يوم تقلبهم، وقال أبو هريرة: كان لهم في السنة تقليبتان وَكَلْبُهُمْ

«4» ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كان أحمر. وقال مقاتل: كان أصفر. وقال القرطبي: من شدة صفرته يضرب إلى الحمرة. وقال الكلبي: لونه كالخلنج. وقيل:

لون الحجر، وقيل: لون السماء.

وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: كان اسمه ريان. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: قطمير. وقال الأوزاعي: مشير. وقال سعيد الحمال: حران. وقال عبد الله بن كثير:

إن اسم كلبهم قطمور. وقال السدى. اسمه تون. وقال عبد الله بن سلام: بسيط. وقال كعب:

صيهان. وقال وهب: اسمه نقيا. وقيل: قطفير. وقيل: قطيفير. وقال عروة: مما أخذ على العقرب، أن لا يضر بأحد في ليل ولا نهار، قال: سَلامٌ عَلى نُوحٍ

«5» قال: ومما أخذ على الكلب أن لا يضر بأحد، ممن حمل عليه، إذ قال: وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ

«6» وقرأ جعفر الصادق: وكالبهم، يعني صاحب الكلب باسط ذراعيه بالوصيد. وقال مجاهد والضحاك:

الوصيد فناء الكهف، وهي رواية علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس.

وقال سعيد بن جبير: الوصيد الصعيد، وهو التراب وهي رواية عطية العوفي، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وقال السدي: الوصيد الباب، وهي رواية عكرمة عن ابن عباس وأنشد قول الشاعر:

بأرض فضاء لا يسد وصيدها

علي ومعروفي بها غير منكر

أي بابها.

وقال عطاء: الوصيد عتبة الباب. وقال العتبي: الوصيد البناء، وأصله من قول العرب أصدت الباب وأوصدته، إذا أغلقته وأطبقته. قوله تعالى: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ

«7» يا محمد لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً

«8» لما ألبسهم الله تعالى من الهيبة، حتى لا يصل إليهم واصل، ولا تلمسهم يد لامس حتى يبلغ الكتاب أجله، فيوقظهم الله تعالى من رقدتهم، لإرادة الله عز وجل أن يجعلهم آية وعبرة لمن يشاء من خلقه، ليعلموا أن وعد الله حق، وأن الساعة لا ريب فيها وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً

«9» أي خوفا. وقرأ أهل الكوفة: لملئت بالتشديد، قيل: إنما قال ذلك لوحشة المكان الذي هم فيه. وقال الكلبي وغيره: لأن أعينهم مفتحة كالمستيقظ الذي يريد أن يتكلم، وهم نيام. وقيل: إن الله منعهم بالرعب، لئلا يراهم أحد.

ص: 405

وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أنه غزا مع معاوية غزوة المضيق نحو الروم، فمروا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف، الذين ذكرهم الله في القرآن فقال معاوية: لو كشفت لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم؟ فقال له ابن عباس رضي الله تعالى عنهما:

ليس لك ذلك، قد منع الله ذلك من هو خير منك. قال الله تعالى: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً

«1» فقال معاوية: لا أنتهي حتى أعلم علمهم، فبعث ناسا، فقال: اذهبوا فادخلوا الكهف، فانظروا ففعلوا. فلما دخلوا الكهف، بعث الله عليهم ريحا فأخرجتهم.

قوله «2» عز وجل وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ

يعني كما أنمناهم في الكهف، ومنعنا من الوصول إليهم، وحفظنا أجسامهم من البلى على طول الزمان، وثيابهم من العفن على ممر الأيام بقدرتنا، فكذلك بعثناهم من النومة التي تشبه الموت، لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ

«3» أي ليتحدثوا ويسأل بعضهم بعضا، قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ

«4» ، يعني رئيسهم مكسلمينا: كَمْ لَبِثْتُمْ

«5» في نومكم؟ وذلك أنهم استنكروا من أنفسهم طول نومهم. ويقال: إنهم راعهم ما فاتهم من الصلاة! فقال ذلك. قالُوا: لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ

«6» ، لأنهم دخلوا الكهف غدوة، فلما رأوا الشمس، قالوا: أو بعض يوم، توقيا من الكذب.

وكان قد بقيت من الشمس بقية.

ويقال كان بعد زوال الشمس، فلما نظروا إلى أظفارهم وأبشارهم، تيقنوا أن لبثهم كان أكثر من يوم، ف قالُوا: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ

«7» ويقال: إن رئيسهم لما سمع الاختلاف بينهم، قال ذلك: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ

«8» ، يعني تمليخا، بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ

«9» ، والورق الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة، والدليل عليه أن عرفجة بن سعد أصيب أنفه يوم الكلاب، فاتخذ أنفا من ورق وفيه لغات: بورقكم ساكنة الراء. وهي قراءة أبي عمرو وحمزة وخلف وأبي بكر. وبورقكم بكسر الراء وادغام القاف، وهي قراءة بعض، وبورقكم بفتح الواو وكسرا الراء، وهي قراءة أكثر القراء.

ورق وورق مثل كبد وكبد وكلم وكلم، والمدينة أفسوس، وقيل: طرسوس، ويقال:

أرسوس كان اسمها في الجاهلية أفسوس، فلما جاء الإسلام سموها طرسوس. فلينظر أيها أزكى طعاما.

قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وسعيد بن جبير رضي الله تعالى عنه: أحل ذبيحة لأن عامتهم كانوا مجوسا، ومنهم قوم مؤمنون يخفون إيمانهم. وقال الضحاك: أطيب. وقال مقاتل وابن حيان: أجود، وقال ابن شهاب: أرخص. وقال قتادة: أخير. وقال عكرمة: أفضل، وأكثر. وأصل الزكاة: الزيادة والنماء. قال الشاعر:

قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة

كذا السبع أزكى من ثلاث وأطيب

فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ

«10» أي قوت وطعام، وَلْيَتَلَطَّفْ

«11» أي وليرفق في الشراء، وفي طريقه وفي دخوله المدينة، وَلا يُشْعِرَنَ

«12» ولا يعلمن بِكُمْ أَحَداً

«13» من الناس إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا

ص: 406

عَلَيْكُمْ

فيعلموا بمكانكم يَرْجُمُوكُمْ

«1» قال ابن جريج: يشتموكم ويؤذوكم بالقول. ويقال:

يقتلوكم ويقال: كان من عادتهم القتل بالرجم، وهو من أخبث القتل. ويقال: يضربوكم أو يعيدوكم في ملتهم أي دينهم الكفر، ولن تفلحوا إذا أبدا إن عدتم إليهم.

قوله «2» عز وجل: وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ

أي اطلعنا عليهم، يقال: عثرت على الشيء:

اطلعت عليه، وأعثرت غيري وأطلعته عليه لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ

«3» يعني قوم تاودوسيوس، وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ

«4» قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: يتنازعون في البنيان والمسجد، فقال المسلمون: نبني عليهم مسجدا، لأنهم على ديننا، وقال المشركون: نبني عليهم بنيانا لأنهم من أهل نسبنا. وقال عكرمة: يتنازعون في الأرواح والأجساد.

فقال المسلمون: البعث للأجساد والأرواح، وقال المشركون: البعث للأرواح دون الأجساد. فبعثهم الله تعالى من رقادهم، وأراهم أن البعث للأجساد والأرواح. وقيل: يتنازعون في عددهم فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ، قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ

«5» ، تاودوسيوس الملك وأصحابه لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً

«6» .

قوله «7» عز وجل: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ

وذلك أن السيد والعاقب وأصحابهما، من نصارى نجران، كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجرى ذكر أهل الكهف، فقال السيد: كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم، وكان السيد يعقوبيا، وقال العاقب: كانوا خمسة سادسهم كلبهم، وقال المسلمون: كانوا سبعة وثامنهم كلبهم. فحقق الله قول المسلمين وصدقهم بعدما حكى قول النصارى فقال: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ

«8» أي قذفا بالظن من غير يقين كقول الشاعر:

وأجعل قول الحقّ قولا مرجّما

وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ

«9» قال بعضهم: هذه واو الثمانية، وذلك أن العرب تقول واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة وثمانية لأن العقد عندهم كان سبعة، كما هو اليوم عندنا عشرة. ونظيره قوله «10» تعالى: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ

وقوله تعالى لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم: ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً

«11» وقال بعضهم: هذه واو الحكم والتحقيق، فإن الله حكى اختلافهم فتم الكلام عند قوله وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ

«12» ثم حكى أن ثامنهم كلبهم، الثامن لا يكون إلا بعد السبع. فهذا تحقيق قول المسلمين.

قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ

«13» قال مجاهد وقتادة: قليل من الناس، وقال

ص: 407

عطاء وقتادة أيضا: يعني بالقليل أهل الكتاب. وقال ابن عباس، في قوله: ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ

«1» قال: أنا من أولئك القليل، وهم مكسلمينا وتمليخا ومرطونس وبنيونس وساربونس ودوانوانس وكند سلططنوس، وهو الراعي. والكلب اسمه قطمير كلب أنمر فوق القلطي، ودون الكردي. والقلطي كلب صيني.

قال محمد بن المسيب: وما بقي بنيسابور محدث إلا كتب عني هذا الحديث، إلا من لم يقدر له. وكتبه علي أبو عمر والجبري زاد الإمام أبو الحسن في روايته فقال: قلت: وصدق ابن المسيب. فقد رأيت في تفسير أبي عمرو الجبري هذا الحديث، مرويا عن ابن المسيب، ثم قال:

أعني الإمام أبا الحسن بسنده عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: إن الله عز وجل عدهم حتى انتهى إلى السبعة، وأنا من القليل الذين يعلمونهم هم سبعة يعني أصحاب الكهف.

قال الثعلبي: قوله تعالى: فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً

«2» وهو ما نص عليه، في كتابه العزيز من خبرهم، يقول تعالى: حسبك ما قصصت عليك فلا تمار فيهم وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً

«3» من أهل الكتاب. وقوله تعالى: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ

«4» قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: يعني إن عزمت على أن تفعل غدا شيئا، أو تحلف على شيء أنت فاعله غدا، فقل: إن شاء الله، فإن نسيت الاستثناء، ثم ذكرته فقله، ولو بعد سنة، وهذا تأديب من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، حين سئل عن المسائل الثلاثة: أهل الكهف والروح وذي القرنين، فوعدهم أن يجيبهم غدا، ولم يقل إن شاء الله ولم يستثن.

روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتم إيمان العبد حتى يستثني في كل كلامه.

قوله عز وجل وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ

«5» قال ابن عباس ومجاهد وأبو العالية والحسن رضي الله تعالى عنهم: معناه إذا نسيت الاستثناء ثم ذكرته فاستثن. وقال عكرمة رضي الله تعالى عنه:

معناه واذكر ربك إذا غضبت. فقد روى وهب بن منبه، قال: مكتوب في الإنجيل: يا ابن آدم اذكرني حين تغضب، أذكرك حين أغضب، وإلا أمحقك فيمن أمحق. وإذا ظلمت فلا تنتصر، فإن نصرتي لك خير من نصرتك لنفسك. وقال الضحاك والسدي: هذا في الصلاة لقوله «6» صلى الله عليه وسلم:

«من نسي صلاة أو نام عنها، فليصلها متى ذكرها» . وقال أهل الإشارة: معناه اذكر ربك، إذا نسيت غيره. ويؤيده قول ذي النون المصري رحمه الله تعالى: من ذكر الله على الحقيقة نسي في جنب ذكره كل شيء، فإذا نسي في جنب ذكره كل شيء، حفظ الله له كل شيء، وكان له عوضا من كل شيء. وقيل: معناه واذكر ربك، إذا تركت ذكره والنسيان هو الترك.

قوله «7» عز وجل وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً

أي يثبتني على طريق

ص: 408

هو أقرب إليه وأرشد. وقيل: معناه لعل الله يهديني فيرشدني لأقرب مما وعدتكم وأخبرتكم، أنه سيكون إن هو شاء. وقيل: إن الله أمره أن يذكره إذا نسي شيئا، ويسأله أن يذكره فيذكره ويهديه، لما هو خير له من تذكره ما نسيه.

ويقال: إن هؤلاء القوم، لما سألوه عن قصة أصحاب أهل الكهف، على وجه العناد، أمره الله أن يخبرهم أن الله سيؤتيه من الحجج والبيان على صحة نبوته، وما دعاهم إليه من الحق زيادة على ما سألوه، ثم إن الله تعالى فعل ذلك به حيث آتاه من علم غيوب المسلمين، وخبرهم ما كان أوضح الحجج، وأقرب إلى الرشد من خبر أصحاب الكهف. وقال بعضهم: هذا شيء أمر صلى الله عليه وسلم أن يقوله مع قوله: إن شاء الله إذا ذكر الاستثناء بعد ما نسيه، فإذا نسي الإنسان «إن شاء الله» فتوبته من ذلك وكفارته أن يقول: عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا.

وقوله «1» تعالى: وَلَبِثُوا

يعني أصحاب الكهف، فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً

«2» قال بعضهم: هذا خبر عن أهل الكتاب أنهم قالوا ذلك، وقالوا: لو كان خبرا من الله عن قدر لبثهم في الكهف، لم يكن لقوله «3» قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا

وجه مفهوم، فقد أعلم الله خلقه قدر لبثهم. وهذا القول قول قتادة، يدل عليه قراءة عبد الله بن مسعود: فقالوا لبثوا في كهفهم.

وقال مطر الوراق في هذه الآية: هذا شيء قالته اليهود، فرد الله عليهم، فقال: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا

«4» .

وقال آخرون: هذا إخبار من الله تعالى عن قدر لبثهم في الكهف، وقالوا: معنى قوله «5» تعالى: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا

أن أهل الكتاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: إن للفتية من لدن دخلوا الكهف إلى يومنا هذا ثلاثمائة وتسع سنين، فرد الله عليهم ذلك.

قال صلى الله عليه وسلم: «الله أعلم بما لبثوا بعد أن قبض أرواحهم إلى يومنا هذا لا يعلم ذلك غير الله وغير من أعلمه ذلك» . وقال الكلبي: قالت النصارى، أهل نجران: أما الثلاثمائة فقد عرفناها، وأما التسع فلا علم لنا بها. فنزلت «6» قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ

أي يعلم ما غاب فيهما من العباد.

واختلفوا في قوله «7» عز وجل: ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ

فقرأ أهل الكوفة بغير تنوين، بمعنى فلبثوا في كهفهم سنين ثلاثمائة. وقال الضحاك ومقاتل: نزلت «8» وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ

فقالوا:

أياما أو أشهرا أو سنين. فلذلك قال: سنين. ولم يقل سنة انتهى. ما ساقه الإمام أبو اسحاق محمد بن أحمد الثعلبي، من قصة أصحاب الكهف، وقد ذكرها الحافظ أبو محمد بن جرير بن يزيد الطبري في تاريخه الكبير، وفيها زيادة فوائد فلنأت بها.

قال: ومما كان في أيام ملوك الطوائف ما ذكره الله تعالى في كتابة العزيز من أمر الفتية، الذين أووا إلى الكهف فضرب على آذانهم، قال: وكان أصحاب الكهف فتية آمنوا بربهم، كما وصفهم الله في تنزيله، فقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ

ص: 409

آياتِنا عَجَباً

«1» والرقيم هو الكتاب الذي كان القوم الذين منهم، كان الفتية كتبوه في لوح بذكر خبرهم وقصصهم، ثم جعلوه على باب الكهف الذي أووا إليه، أو نقروه في الجبل الذي أووا إليه، أو كتبوه في لوح وجعلوه في صندوق خلفوه عندهم، إذا أوى الفتية إلى الكهف.

وكان عدد الفتية فيما ذكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما سبعة وثامنهم كلبهم. قال قتادة: ذكر لنا أن ابن عباس كان يقول: أنا من ذلك القليل الذي استثنى الله عز وجل كانوا سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ

«2» وكان اسم أحدهم تمليخا وهو الذي كان يلي شراء الطعام لهم الذي ذكر الله عز وجل عنهم أنهم قالوا. إذ هبّوا من رقدتهم: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ

«3» قال مجاهد في قوله «4» تعالى فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ

اسمه تمليخ.

وأما ابن اسحاق، فإنه قال: اسمه يمليخا. وكان ابن اسحاق يقول: عدد الفتية ثمانية فعلى قوله كان تاسعهم كلبهم. وإنه كان يسميهم فيقول: كان أحدهم، وهو أكبرهم، والذي كلم الملك عن سائرهم مكسلمينا، والآخر مجسلمينا، والثالث يمليخا، والرابع مرطوس، والخامس كفشطيوس، والسادس ينيونس، والسابع ميموس، والثامن بطنيوس، والتاسع طالوس، وكانوا أحداثا.

وعن مجاهد قال: لقد حدثت أنه كان على بعضهم من حداثة أسنانهم وضح الورق، وكانوا من قوم يعبدون الأوثان من الروم فهداهم الله للإسلام، وكانت شريعتهم شريعة عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، في قول جماعة من سلف علمائنا.

وعن عمرو يعني بن قيس الملائي، في قوله «5» تعالى: أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً

قال: كانت الفتية على دين عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وكان ملكهم كافرا، وكان بعضهم يزعم أن أمرهم ومصيرهم إلى الكهف، كان قبل المسيح، وأن المسيح أخبر قومه خبرهم وأن الله عز وجل بعثهم من رقدتهم، بعدما رفع المسيح عليه السلام في الفترة التي بينه وبين محمد صلى الله عليه وسلم، والله أعلم، أي ذلك كان.

فأما الذي عليه علماء الإسلام، فعلى أن أمرهم كان بعد المسيح. وأما أنه كان في أيام ملوك الطوائف، فإن ذلك لا يرفعه رافع من أهل العلم بأخبار الناس القديمة، وكان لهم في ذلك الزمن ملك يقال له دقيانوس، يعبد الأصنام فيما ذكر، فبلغه عن الفتية خلافهم إياه في دينه، فطلبهم فهربوا منه بدينهم، حتى صاروا إلى جبل لهم، يقال له منحلوس.

وكان سبب إيمانهم وخلافهم لقومهم ما ذكر عن وهب بن منبه، أنه قال: جاء حواري عيسى ابن مريم إلى مدينة أصحاب الكهف، فأراد أن يدخلها، فقيل له: إن على بابها صنما لا يدخل أحد إلا سجد له، فكره أن يدخلها. فأتى حماما كان قريبا من تلك المدينة، فكان يعمل،

ص: 410

فيه يؤاجر نفسه من صاحب الحمام، فرأى الرجل في حمامه البركة ودر عليه الرزق، فجعل يعرض عليه الإسلام، وجعل يسترسل إليه، وعلقه فتية من أهل المدينة، فجعل يخبرهم خبر السماء والأرض، وخبر الآخرة حتى آمنوا بما يقوله وصدقوه، وكانوا على مثل حاله في حسن الهيئة، وكان يشترط على صاحب الحمام، أن الليل لا يحول بيني وبينه أحد، ولا بين الصلاة إذا حضرت، فكان على ذلك، حتى جاء ابن الملك بامرأة، فدخل بها الحمام، فعيره الحواري «1» ، وقال له:

أنت ابن الملك وتدخل معك هذه التي هي كذا وكذا. فاستحيا وذهب، فرجع مرة أخرى، فقال له مثل ذلك، فسبه وانتهره ولم يلتفت إليه حتى دخل، ودخلت معه المرأة فماتا في الحمام جميعا.

فأتى الملك، فقيل له: إن صاحب الحمام قد قتل ابنك فالتمس فلم يقدر عليه، وهرب كل من كان يصحبه، فسموا الفتية فالتمسوا فخرجوا من المدينة فمروا بصاحب لهم في زرع، وهو على مثل أمرهم، فذكروا له أنهم التمسوا، فانطلق معهم ومعه الكلب حتى آواهم الليل إلى الكهف، فدخلوا وقالوا: نبيت ههنا الليلة، ثم نصبح إن شاء الله فترون رأيكم. فضرب على آذانهم فخرج الملك في أصحابه يتبعونهم، حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف، فكلما أراد رجل أن يدخل الكهف أرعب، فلم يطق أحد أن يدخله فقال قائل: أليس لو كنت قدرت عليهم قتلتهم؟

قال: بلى. قال: فابن عليهم باب الكهف ودعهم يموتون عطشا وجوعا. ففعل فغبر بعد ما بنى عليهم باب الكهف، زمان بعد زمان.

ثم إن راعيا أدركه المطر عند الكهف، فقال: لو فتحت هذا الكهف وأدخلت غنمي من المطر، فلم يزل يعالجه حتى فتح، فأدخل فيه غنمه، ورد الله تعالى إليهم أرواحهم في أجسادهم من الغد حين أصبحوا، فبعثوا أحدهم بورق يشتري لهم طعاما، فلما أتى باب مدينتهم لم ير شيئا ينكره، حتى دخل على رجل فقال له: بعني بهذه الدراهم طعاما، فقال: ومن أين لك هذه الدراهم؟ قال: خرجت أنا وأصحاب لي أمس فآوانا الليل حتى أصبحوا، فأرسلوني. فقال: هذه الدراهم كانت على عهد الملك فلان، فأنى لك بها؟ فرفعه إلى الملك، وكان ملكا صالحا، فقال:

من أين لك هذه الدراهم؟ قال: خرجت أنا وأصحاب لي أمس حتى أدركنا الليل في كهف كذا وكذا فلما أصبحوا أمروني أن أشتري لهم طعاما. قال: وأين أصحابك؟ قال: في الكهف.

فانطلقوا معه حتى أتوا باب الكهف، فقال: دعوني أدخل إلى أصحابي قبلكم، فلما رأوه ودنا منهم، ضرب الله على آذانه وآذانهم، فجعلوا كلما دخل رجل أرعب، فلم يقدروا أن يدخلوا إليهم. فبنوا عنده كنيسة واتخذوها مسجدا يصلون فيه.

وعن قتادة عن عكرمة قال: كان أصحاب الكهف أبناء ملوك الروم، رزقهم الله الإسلام، فتعوذوا بدينهم واغتالوا قومهم، حتى انتهوا إلى الكهف، فضرب الله على صماخهم فلبثوا دهرا طويلا حتى هلكت أمتهم، وجاءت أمة مسلمة، وكان ملكهم مسلما، واختلفوا في الروح والجسد، فقال قائل: تبعث الروح والجسد جميعا، وقال قائل: تبعث الروح لا غير، فأما الجسد فتأكله الأرض، فلا يكون شيئا، فشق على ملكهم اختلافهم، فانطلق فلبس المسوح وجلس على

ص: 411