الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وامرأة من الأنصار على ناقة فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال «1» :«خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة» . قال عمران: فكأني أراها الآن ورقاء تمشي في الناس، ما يعرض لها أحد. وفي رواية: لا تصحبنا ناقة عليها لعنة الله. قال ابن حبان: إنما أمر صلى الله عليه وسلم بإرسالها، لأنه عليه السلام تحقق إجابة الدعوة فيها، فمتى علم استجابة الدعاء من لاعن ما أمرناه بإرسال دابته، ولا سبيل إلى علم هذا لانقطاع الوحي فلا يجوز استعمال هذا الفعل لأحد أبدا. وقيل: إنما قال صلى الله عليه وسلم هذا زجرا لها ولغيرها. وقد كان سبق نهيها ونهي غيرها عن اللعن، فعوقبت بإرسال الناقة. والمراد النهي عن مصاحبته لتلك الناقة في الطريق.
وأما بيعها وذبحها وركوبها في غير تلك الطريق، وغير ذلك من التصرفات، التي كانت جائزة قبل هذا فهي باقية على الجواز، لأن النهي إنما ورد في المصاحبة، فيبقى الباقي كما كان.
والورقاء بالمد التي يخالط بياضها سواد، والذكر أورق.
وقد ورد في النهي عن اللعن أحاديث، منها ما روى مسلم في صحيحه عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة» . وفيه أيضا عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «2» : «لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا» .
وفي رواية «3» الترمذي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش ولا البذي» .
وفي سنن أبي داود عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، فتهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينا وشمالا، فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن، فإن كان أهلا لذلك نزلت عليه وإلا رجعت إلى قائلها» . وفي شعب البيهقي، أن عبد الله بن أبي الهذيل كان إذا لعن شاة لم يشرب من لبنها، وإذا لعن دجاجة لم يأكل من بيضها.
فائدة
: وأما قوله تعالى: ناقَةُ اللَّهِ*
«4» فهو إضافة خلق إلى خالق تشريفا وتخصيصا، قيل:
إن صالحا عليه الصلاة والسلام أتى بالناقة من قبل نفسه، وقال الجمهور: بل سألوه أن يدعو ربه أن يخرج لهم آية من صخرة يقال لها الكائبة ناقة عشراء، فدعا الله فانشقت عن ناقة عظيمة، يروى أنها كانت حاملا، فولدت وهم ينظرون إليها سقبا قدرها، فعقرها قدار بن سالف، وهو أشقى الأولين. فَتَعاطى فَعَقَرَ
«5» أي قام على أطراف أصابع رجليه، ثم رفع يديه فضربها.
روي أن سيد ثمود جندع بن عمرو قال: يا صالح أخرج لنا من هذه الصخرة، لصخرة منفردة في ناحية الحجر، يقال لها الكائبة، ناقة مخترجة جوفاء وبراء عشراء. فصلى صالح ركعتين، ودعا ربه، فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها، ثم تحركت فانصدعت عن ناقة مخترجة
جوفاء وبراء وعشراء، كما وصفوا، لا يعلم ما بين جنبيها عظما إلا الله تعالى، وهم ينظرون ثم نتجت سقبا مثالها في العظم فآمن به جندع بن عمرو ورهط من قومه. فقال لهم صالح عليه السلام: هذه ناقة الله لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم. فمكثت الناقة، ومعها سقبها في أرض ثمود، ترعى الشجر وتشرب الماء وكانت ترد الماء غبا، فإذا كان يوم شربها، وضعت رأسها في بئر في الحجر، يقال لها بئر الناقة لا ترفع رأسها حتى تشرب كل ما فيها، فلا تدع فيها قطرة، ثم ترفع رأسها فتتفحج لهم، فيحلبون منها ما شاؤوا من لبن، فيشربون ويدخرون ويملؤون أوانيهم كلها. ثم تصدر من غير الفج الذي وردت منه، لأنها لا تقدر أن تصدر من حيث جاءت. فإذا كان الغد كان يومهم، فيشربون من الماء ما شاؤوا، أو يدخرون ما شاؤوا فهم من ذلك في بر ودعة.
وكانت الناقة تصيف، إذا كان الحر، بظهر الوادي، فتهرب منها المواشي إلى بطن الوادي، في حره وجدبه، وتشتو إذا كان الشتاء ببطن الوادي، فتهرب مواشيهم إلى ظهر الوادي في البرد والجدب، فأضر ذلك بمواشيهم للبلاء والاختبار، فكبر ذلك عليهم فعتوا عن أمر ربهم، وحملهم ذلك على عقر الناقة، فعقرها قدار بن سالف، وهو أشقى الأولين. وكان أحمر أزرق قصيرا ملتزق الخلق، واسم أمه قديرة. روي أنه ولد على فراش سالف، ولم يكن من ظهره، فدعته امرأة يقال لها عنيزة، وكانت عجوزا مسنة، وكانت ذات بنات حسان، وذات مال من إبل وبقر وغنم.
وكان قدار عزيزا منيعا في قومه، فقالت له: أعطيك أي بناتي شئت، على أن تعقر الناقة.
فانطلق قدار فكمن لها في أصل شجرة على طريقها، فلما مرت به شد عليها بالسيف فعقرها، فذلك قوله «1» تعالى: فَتَعاطى فَعَقَرَ
أي قام على أطراف أصابع رجليه، ثم رفع يديه فضربها، فجرت ورغت رغاءة واحدة تحذر سقبها، فانطلق السقب حتى أتى جبلا منيعا، يقال له صنو.
وأتى صالح عليه السلام فقيل له: أدرك الناقة، فقد عقرت، فأقبل وخرجوا يتلقونه يعتذرون إليه. ويقولون له: يا نبي الله إنما عقرها فلان، لا ذنب لنا. فقال: انظروا هل تدركون فصيلها، فإن أدركتموه فعسى أن يرفع عنكم العذاب، فخرجوا يطلبونه، فلما رأوه على الجبل ذهبوا ليأخذوه، فأوحى الله إلى الجبل فتطاول في السماء حتى ما يناله الطير.
وقدار بضم القاف ثم دال مهملة مخففة ثم ألف ثم راء مهملة هكذا ذكره جميع أهل التواريخ وغيرهم. ووقع في المهذب، في باب الهدنة، أن اسمه العيزار بن سالف، وهو وهم بلا خلاف. وكان عقر الناقة يوم الأربعاء، فأصبحوا يوم الخميس ووجوههم مصفرة، كأنما طليت بالخلوق، صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وإنثاهم فأيقنوا بالعذاب، وكان صالح عليه الصلاة والسلام قد أخبرهم بذلك. وخرج هاربا منهم فشغلهم عنه ما نزل بهم، من عذاب الله، فجعل بعضهم يخبر بعضا ما يرون في وجوههم، فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم ألا قد مضى يوم من الأجل، فلما أصبحوا يوم الجمعة إذا وجوههم محمرة، كأنما خضبت بالدماء، فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم ألا قد مضى يومان من الأجل، فلما أصبحوا يوم السبت إذا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار، فلما
أمسوا صاحوا بأجمعهم ألا قد مضى الأجل وحضركم العذاب، فلما كان يوم الأحد، لما اشتد الضحى، أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة، وصوت كل شيء له صوت يصوت به في الأرض، فقطعت قلوبهم في صدورهم، فأصبحوا في ديارهم جاثمين. وكان الذي آمن بصالح عليه الصلاة والسلام من ثمود أربعة آلاف، فخرج بهم صالح إلى حضرموت، فلما حضرها صالح مات، فسميت حضرموت. ثم بنى الأربعة آلاف مدينة يقال لها حاضور. كذا قاله محمد بن اسحاق ووهب وجماعة. وقال قوم من أهل العلم: توفي صالح بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وأقام في قومه عشرين سنة.
وروى أحمد والطبراني والبزار بإسناد صحيح عن جابر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «1» : «لا تسألوا نبيكم الآيات فإن قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث لهم آية فبعث الله لهم الناقة فكانت ترد من هذا الفج فتشرب ماءهم يوم ورودها وتصدر من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروا الناقة، فقيل لهم: تمتعوا في داركم ثلاثة أيام أو قيل لهم: إن العذاب يأتيكم إلى ثلاثة أيام، ثم جاءتهم الصيحة فأهلكت من تحت أديم السماء منهم في مشارق الأرض ومغاربها إلا رجلا واحدا كان في حرم الله تعالى فمنعه من عذاب الله عز وجل» . قالوا: يا رسول الله من هو؟ قال: «أبو رغال» . قيل: ومن أبو رغال؟ قال: «جد ثقيف» . وفي رواية فلما خرج أصابه ما أصاب قومه فدفن ودفن معه غصن من ذهب. وأراهم صلى الله عليه وسلم قبر أبي رغال، فنزل القوم فابتدروه بأسيافهم وحفروا عنه واستخرجوا ذلك الغصن.
وروى الطبراني عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «2» :«أشقى الناس ثلاثة: عاقر ناقة ثمود وابن آدم الأول الذي قتل أخاه، ما سفك على الأرض دم إلا لحقه منه إثم، لأنه أول من سن القتل وقاتل علي بن أبي طالب» . رضي الله تعالى عنه.
وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحجر، في غزوة تبوك، أمرهم أن لا يشربوا من بئرها، ولا يستقوا منها، فقالوا: قد عجنا منها واستقينا. فأمرهم عليه الصلاة والسلام أن يطرحوا ذلك العجين، ويهريقوا ذلك الماء، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة. وفي رواية «3» جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه:«لا يدخلن أحد منكم القرية ولا تشربوا من مائها ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين خشية أن يصيبكم مثل ما أصابهم» .
وروى «4» مسلم عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله تعالى عنه، قال: جاء رجل بناقة مخطومة، فقال: هذه في سبيل الله تعالى، فقال له صلى الله عليه وسلم:«لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة مخطومة» .
وروى «5» أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم عن أبي بن كعب قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم
عاملا فمررت برجل، فلما جمع لي ماله لم أجد عليه فيه إلا ابنة مخاض، فقلت له: أدّ ابنة مخاض، فإنها صدقتك. فقال: ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر، ولكن هذه ناقة فتية سمينة فخذها فامتنع أبي بن كعب، وترافعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:«ذاك الذي عليك فإن تطوعت فخير أجرك الله فيه وقبلناه منك» . قال: ها هي يا رسول الله قد جئتك بها فخذها، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبضها ودعا له في ماله بالبركة.
وفي كامل ابن عدي وسنن البيهقي وشعب الإيمان عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، قال: إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرسل ناقتي وأتوكل، أم أعقلها وأتوكل؟
فقال صلى الله عليه وسلم: «بل اعقلها وتوكل» .
وروى البيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، قال: إن رجلا ادعى عليه عند النبي صلى الله عليه وسلم بسرقة ناقة، فقال: ما سرقتها. فقال صلى الله عليه وسلم: «احلف» فقال: والله الذي لا إله إلا هو ما سرقتها. فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنه سرقها، ولكن غفر الله له كذبه، بصدقه بلا إله إلا هو. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«أخذتها فردها إليه» فردها إليه. وفي رواية قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله غفر لك كذبك بصدقك بلا إله إلا الله» .
وروى «1» الحاكم عن النعمان بن سعد قال: كنا جلوسا عند علي رضي الله تعالى عنه، فقرأ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً
«2» فقال: لا والله ما على أرجلهم يحشرون ولا يساقون سوقا، ولكن يؤتون بنوق من نوق الجنة، لم تنظر الخلائق إلى مثلها، رحالها الذهب وأزمتها الزبرجد، فيقعدون عليها حتى يقرعوا باب الجنة. ثم قال: صحيح الإسناد.
وروى «3» الحاكم أيضا عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل أعرابي جهوري الصوت بدوي على ناقة حمراء، فأناخها بباب المسجد، ودخل فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قعد فلما قضى نحبه، قالوا: يا رسول الله إن الناقة التي تحت الأعرابي سرقة قال صلى الله عليه وسلم: «أثمّ بينة» قالوا: نعم يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم: «يا علي خذ حق الله من الأعرابي إن قامت عليه البينة، وإن لم تقم فرده إلي» فأطرق الأعرابي ساعة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
«قم يا أعرابي لأمر الله وإلا فأدل بحجتك» . فقالت الناقة من خلف الباب: والذي بعثك بالحق والكرامة يا رسول الله إن هذا ما سرقني وما ملكني أحد سواه. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أعرابي بالذي أنطقها بعذرك ما الذي قلت» ؟ قال: قلت: اللهم إنك لست برب استحدثناك، ولا معك إله أعانك على خلقنا ولا معك رب فنشكّ في ربوبيتك، أنت ربنا كما نقول، وفوق ما يقول القائلون أسألك أن تصلي على محمد وأن تريني براءتي. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«الذي بعثني بالكرامة يا أعرابي لقد رأيت الملائكة يبتدرون أفواه الأزقة يكتبون مقالتك فأكثر الصلاة علي» . ثم قال الحاكم: رواته ثقات، لكن فيهم يحيى بن عبد الله المصري، لست أعرفه بعدالة ولا جرح. وقد تقدم في البعير حديث رواه الطبراني قريب من هذا.
وفي المستدرك أيضا، في ترجمة صهيب رضي الله عنه، عن كعب الأحبار، عن صهيب بن سنان، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو: «اللهم إنك لست بإله استحدثناه، ولا برب ابتدعناه، ولا كان لنا قبلك من إله نلجأ إليه، ونذرك ولا أعانك على خلقنا أحد فنشركه معك، تباركت وتعاليت» «1» قال كعب الأحبار: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يدعو به، ثم قال: صحيح الإسناد.
في المستدرك أيضا، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل بأعرابي فأكرمه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«يا أعرابي سل حاجتك» . فقال: يا نبي الله ناقة نرحلها، وأعنزا يحلبها أهلي. فقال صلى الله عليه وسلم:«أعجز هذا أن يكون مثل عجوز بني إسرائيل» . قالوا: يا رسول الله، وما عجوز بني إسرائيل؟ قال صلى الله عليه وسلم:«إن بني إسرائيل خرجوا من مصر، فضلوا الطريق، وأظلم عليهم، فقالوا: ما هذا؟ قال علماؤهم: إن يوسف عليه الصلاة والسلام، لما حضرته الوفاة، أخذ علينا موثقا من الله، أن لا نخرج حتى ننقل عظامه معنا، فقال موسى عليه الصلاة والسلام: فمن يعلم موضع قبره؟ قالوا: عجوز لبني إسرائيل، فبعث إليها فأتته فقال: دليني على قبر يوسف، قالت: وتعطيني ما أسألك؟ فقال: وما سؤالك؟ قالت: أكون معك في الجنة. فكره أن يعطيها ذلك، فأوحى الله إليه أن أعطها حكمها، ففعل» . ورواه الطبراني وأبو يعلى الموصلي بنحوه.
وفي رواية، في غير المستدرك أنها كانت مقعدة عمياء، وأنها قالت لموسى: لا أخبرك عن موضع قبره حتى تعطيني أربع خصال: تطلق رجلي وبصري وشبابي وأكون معك في الجنة. فأوحى الله إليه أن أعطها ما سألتك، فإن ما تعطي علي، ففعل. فانطلقت بهم إلى مستنقع ماء، فاستخرجته من شاطىء النيل، في صندوق من مرمر، فلما فكوا تابوته طلع القمر، وأضاءت الطريق مثل النهار، فاهتدوا وحملوه معهم إلى الشام فدفنه موسى عليه السلام عند آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب صلى الله عليهم وسلم. وعاش يوسف بعد أبيه يعقوب ثلاثا وعشرين سنة، وتوفي وهو ابن مائة وعشرين سنة.
وفي المستدرك وغيره، عن معاذ رضي الله تعالى عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول «2» :«من قاتل في سبيل الله قدر فواق ناقة وجبت له الجنة» . وفواق الناقة ما بين الحلبتين من الراحة وتضم فاؤه وتفتح.
وفي الحديث أيضا: «عيادة المريض قدر فواق الناقة» . وفي أخبار معن بن زائدة الشيباني أن رجلا قال له: احملني أيها الأمير، فأمر له بناقة وفرس وبغل وحمار وجارية. ثم قال: لو علمت أن الله خلق مركوبا يحمل عليه غير هذا لحملتك عليه. وقد أمرنا لك من الخز بجبة وقميص وعمامة ودراعة وسراويل ومنديل ومطرف ورداء وكساء وجورب وكيس. ولو علمنا شيئا آخر يتخذ من الخز غير هذا لأعطيناك إياه. قال بعضهم: رحم الله معنا، لو كان يعلم أن الغلام يركب لأمر له به، ولكنه كان عربيا محضا لم يتدنس بقاذورات العجم. وذكر ابن خلكان في ترجمته أنه جلس يوما فرأى راكبا فقال: ما أحسب هذا يريد غيري، فلما وصل أنشد قائلا «3» :