الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجرب فيتأذى قلبه ودينه. وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك، وهذه الدار كانت دار الأسود بن عوف أخي عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه وهو السائل.
وفي سنن أبي داود، من حديث فروة بن مسيك رضي الله تعالى عنه قال: قلت: يا رسول الله، أرض عندنا يقال لها أرض أبين، هي أرض ريفنا وميرتنا، وإنها وبيئة، أو قال:
وباؤها شديد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«دعها عنك فإن من القرف التلف» . قال ابن الأثير: القرف ملابسة الداء ومداناة المرض، والتلف الهلاك وليس هذا من باب العدوى، وإنما هو من باب الطب، فإن استصلاح الهواء من أعون الأشياء على صحة الأبدان، وفساد الهواء من أسرع الأشياء إلى الأسقام.
فائدة
: قال السهيلي في الكلام على غزوة ذي قرد: في الفرس عشرون عضوا، كلّ عضو منها يسمى باسم طائر، فمنها النسر والنعامة والهامة والباز والسمامة والسعدانة، وهي الحمامة، والقطاة والذباب والعصفور والغراب والصرد والخرب، وهو ذكر الحبارى، والناهض، وهو فرخ العقاب، والخطاف، ذكرها وبقيتها الأصمعي. وروى فيها شعرا لجرير.
تتمة
: روى الإمام أحمد بإسناد صحيح، عن أبي الطفيل، أن رجلا ولد له غلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ عليه الصلاة والسلام ببشرة جبهته «1» و «دعا له بالبركة» ، فنبتت شعرة جبهته كهيئة غرة الفرس، وشب الغلام، فلما كان زمن الخوارج أحبهم، فسقطت الشعرة من جبهته، فأخذه أبوه فقيده وحبسه، مخافة أن يلحق بهم. قال: فدخلنا عليه فوعظناه، وقلنا له: ألم تر إلى بركة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف وقعت من جبهتك؟ فمازلنا به حتى رجع عن رأيهم، فرد الله عز وجل الشعرة بعد في جبهته، وتاب ولم تزل إلى أن مات.
وروى الطبراني عن عائذ بن عمرو رضي الله تعالى عنه، قال: أصابتني رمية وأنا أقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر في وجهي فلما سالت الدماء على وجهي ولحيتي وصدري، سلت رسول الله صلى الله عليه وسلم الدماء عني، ثم دعا لي فكان ذلك الموضع الذي أصابته يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدري له غرة سائلة كغرة الفرس.
وذكر ابن ظفر، في أعلام النبوة، أن حبرا يهوديا، أوطن مكة فأتى ذات غدوة إلى مجلس فيه ملأ من بني عبد مناف وبني مخزوم، فقال: هل ولد الليلة فيكم مولود؟ فقالوا: ما نعلمه. فقال:
أما إذا أخطأكم، فاحفظوا ما أقول لكم: ولد الليلة نبي هذه الأمة الآخرة، وآيته أن بين كتفيه شامة صفراء، حولها شعرات متتابعات، كأنهن عرف فرس، يمتنع من الرضاع ليلتين. فتصدع القوم من مجلسهم يتعجبون لقوله، فلما صاروا إلى منازلهم، أخبرهم نساؤهم أنه ولد لعبد الله بن عبد المطلب غلام، فلما التقوا في ناديهم، تحدثوا بذلك، وجاءهم اليهودي فأخبروه، فقال:
اذهبوا بي إليه حتى أراه، فخرجوا به فدخلوا على آمنة، وقالوا: أخرجي إلينا ابنك، فأخرجته لهم، فكشفوا عن ظهره فرأوا خاتم النبوة، فأغمي على اليهودي، فلما أفاق سألوه، فقال:
خرجت النبوة من بني إسرائيل. ثم قال: لا تفرحوا به فو الله ليسطون عليكم سطوة، يخرج خبرها إلى المشرق والمغرب.
وذكر الكلبي، في تفسير قوله تعالى: وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ
«1» الآية، أن النصارى كانوا على دين الإسلام إحدى وثمانين سنة، بعدما رفع عيسى عليه الصلاة والسلام يصلون إلى القبلة، ويصومون رمضان، حتى وقع فيما بينهم وبين اليهود حرب، وكان في اليهود رجل شجاع يقال له بولس، وكان قتل جملة من أصحاب عيسى عليه الصلاة والسلام، فقال يوما لليهود: إن كان الحق مع عيسى فكفرنا به فالنار مصيرنا، فنحن مغبونون إن دخلوا الجنة ودخلنا النار، ولكن سأحتال وأضلهم حتى يدخلوا النار، وكان له فرس يقال له العقاب، يقاتل عليه، فعرقب فرسه وأظهر الندامة، ووضع على رأسه التراب، فقالت له النصارى: من أنت؟ فقال: بولس عدوكم، وقد نوديت من السماء أن ليس لك توبة إلا أن تتنصر، وقد تبت، فأدخلوه الكنيسة، فدخل بيتا فيها، فأقام سنة لا يخرج منه لا ليلا ولا نهارا، حتى تعلم الإنجيل، ثم خرج، فقال: نوديت أن الله تعالى قد قبل توبتك، فصدقوه وأحبوه.
ثم مضى إلى بيت المقدس، واستخلف عليهم نسطور، وعلمه أن عيسى ومريم والإله كانوا ثلاثة، ثم توجه إلى الروم وعلمهم اللاهوت والناسوت، وقال لهم: لم يكن عيسى بإنس ولا بجن ولكنه ابن الله، وعلم ذلك رجلا يقال له يعقوب، ثم دعا رجلا يقال له يعقوب، ثم دعا رجلا يقال له ملكان، وقال له: إن الإله لم يزل ولا يزال عيسى، فلما استمكن منهم دعا هؤلاء الثلاثة واحدا واحدا، وقال لكل واحد منهم: أنت خالصتي وقد رأيت عيسى في المنام فرضي عني. وقال لكل واحد منهم: إني غدا أذبح نفسي فادع الناس إلى نحلتك، ثم دخل المذبح فذبح نفسه، وقال:
إنما أفعل ذلك لمرضاة عيسى. فلما كان يوم ثالثة دعا كل واحد منهم الناس إلى نحلته، فتبع كل واحد منهم طائفة من الناس، فافترقت النصاري ثلاث فرق: نسطورية ويعقوبية وملكية، فاختلفوا واقتتلوا، فقال الله تعالى: وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ
«2» الآية. قال أهل المعاني: لم يذكر الله تعالى قولا مقرونا بالأفواه والألسن إلا كان ذلك زورا.
وذكر الإمام ابن بليان والغزالي وغيرهما، أن الرشيد لما ولي الخلافة زاره العلماء بأسرهم، إلا سفيان الثوري فإنه لم يأته، وكان بينه وبينه صحبة، فشق عليه ذلك، فكتب إليه الرشيد كتابا يقول فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله هارون أمير المؤمنين، إلى أخيه في الله سفيان بن سعيد الثوري، أما بعد يا أخي، فقد علمت أن الله آخى بين المؤمنين، وقد آخيتك في الله مؤاخاة لم أصرم فيها حبلك، ولم أقطع منها ودك، وإني منطو لك على أفضل المحبة، وأتم الإرادة، ولولا هذه القلادة التي قلدنيها الله تعالى، لأتيتك ولو حبوا لما أجد لك في قلبي من المحبة، وأنه لم يبق أحد من إخواني وإخوانك، إلا زارني وهنأني بما صرت إليه، وقد فتحت بيوت الأموال، وأعطيتهم المواهب السنية ما فرحت به نفسي، وقرت به عيني، وقد استبطأتك، وقد كتبت كتابا
مني إليك، أعلمك بالشوق الشديد إليك، وقد علمت يا أبا عبد الله ما جاء في فضل زيارة المؤمن ومواصلته، فإذا ورد عليك كتابي هذا فالعجل العجل. ثم أعطى الكتاب لعباد الطالقاني، وأمره بايصاله إليه وأن يحصي عليه بسمعه وقلبه، دقيق أمره وجليله، ليخبره به.
قال عباد: فانطلقت إلى الكوفة، فوجدت سفيان في مسجده، فلما رآني على بعد، قام وقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وأعوذ بك اللهم من طارق يطرق إلا بخير، قال: فنزلت عن فرسي بباب المسجد، فقام يصلي ولم يكن وقت صلاة، فدخلت وسلمت فما رفع أحد من جلسائه رأسه إلي، قال: فبقيت واقفا وما منهم أحد يعرض علي الجلوس، وقد علتني من هيبتهم الرعدة، فرميت بالكتاب إليه، فلما رأى الكتاب، ارتعد وتباعد منه، كأنه حية عرضت له في محرابه، فركع وسجد وسلم، وأدخل يده في كمه، وأخذه وقلبه بيده، ورماه إلى من كان خلفه، وقال: ليقرأ بعضكم فإني أستغفر الله أن أمس شيئا مسه ظالم بيده. قال عباد: فمد بعضهم يده إليه، وهو يرتعد كأنه حية تنهشه، ثم قرأه فجعل سفيان يبتسم تبسم المتعجب، فلما فرغ من قراءته، قال: اقلبوه واكتبوا للظالم على ظهره، فقيل له: يا أبا عبد الله إنه خليفة، فلو كتبت إليه في بياض نقي لكان أحسن، فقال: اكتبوا للظالم في ظهر كتابه، فإن كان اكتسبه من حلال فسوف يجزى به، وإن كان اكتسبه من حرام فسوف يصلى به، ولا يبقى شيء مسه ظالم بيده عندنا فيفسد علينا ديننا! فقيل له: ما نكتب إليه؟ قال: اكتبوا له:
بسم الله الرحمن الرحيم، من العبد الميت سفيان، إلى العبد المغرور بالآمال هارون، الذي سلب حلاوة الإيمان، ولذة قراءة القرآن، أما بعد، فإني كتبت إليك أعلمك أني قد صرمت حبلك، وقطعت ودك، وإنك قد جعلتني شاهدا عليك بإقرارك على نفسك في كتابك، بما هجمت على بيت مال المسلمين، فأنفقته في غير حقه وأنفذته بغير حكمه ولم ترض بما فعلته وأنت ناء عني، حتى كتبت إلي تشهدني على نفسك، فأما أنا قد شهدت عليك، أنا وإخواني الذين حضروا قراءة كتابك، وسنؤدي الشهادة غدا بين يدي الله الحكم العدل، يا هارون هجمت على بيت مال المسلمين بغير رضاهم، هل رضي بفعلك المؤلفة قلوبهم، والعاملون عليها في أرض الله، والمجاهدون في سبيل الله، وابن السبيل؟ أم رضي بذلك حملة القرآن، وأهل العلم يعني العاملين، أم رضي بفعلك الأيتام والأرامل، أم رضي بذلك خلق من رعيتك؟ فشد يا هارون مئزرك، وأعد للمسألة جوابا، وللبلاء جلبابا، واعلم أنك ستقف بين يدي الحكم العدل، فاتق الله في نفسك، إذ سلبت حلاوة العلم والزهد، ولذة قراءة القرآن، ومجالسة الأخيار، ورضيت لنفسك أن تكون ظالما، وللظالمين إماما، يا هارون قعدت على السرير، ولبست الحرير، وأسبلت ستورا دون بابك، وتشبهت بالحجبة برب العالمين، ثم أقعدت أجنادك الظلمة دون بابك وسترك، يظلمون الناس ولا ينصفون، ويشربون الخمر ويحدون الشارب، ويزنون ويحدون الزاني، ويسرقون ويقطعون السارق، ويقتلون ويقتلون القاتل، أفلا كانت هذه الأحكام عليك وعليهم، قبل أن يحكموا بها على الناس! فكيف بك يا هارون غدا إذا نادى المنادي من قبل الله:
أحشروا الظلمة وأعوانهم!؟ فتقدمت بين يدي الله ويداك مغلولتان إلى عنقك، لا يفكهما إلا عدلك وانصافك، والظالمون حولك وأنت لهم إمام أو سائق إلى النار، وكأني بك يا هارون وقد