الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعل بأمها، فهي البحيرة بنت السابئة. والبحر الشق. قيل: ومنه سمي البحر بحرا لشقه الأرض، والبحيرة فعيلة بمعنى مفعولة.
والسائبة الناقة التي سيبت، وذلك أن الرجل من أهل الجاهلية، إذا مرض أو غاب قريبه نذر فقال: إن شفاني الله أو شفى مريضي، أو رد غائبي، فناقتي هي سائبة ثم يسيبها كالبحيرة، فلا تحبس عن رعي ولا ماء، ولا يركبها أحد. وقال علقمة: هي العبد يسيب، أي لا ولاء عليه، ولا عقل ولا ميراث.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إنما الولاء لمن أعتق» «1» . وقال سعيد بن المسيب: السائبة الناقة التي كانوا يسيبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شيء، والبحيرة الناقة التي يمنع درها للطواغيت، فلا يحلبها أحد من الناس، وقيل: السائبة الناقة إذا ولدت اثنتي عشرة أنثى سيبت. والسائبة فاعلة بمعنى مفعولة كقولهم: ماء دافق أي مدفوق وعيشة راضية أي مرضية.
روى «2» محمد بن اسحاق عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأكثم بن الجون الخزاعي رضي الله تعالى عنه: «يا أكثم رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار، فما رأيت من رجل أشبه برجل منه به ولا بك منه، ولقد رأيته في النار يؤذي أهل النار بريح قصبه» . قال أكثم: أيضرني شبهه يا رسول الله؟ قال: «لا إنك مؤمن وهو كافر» .
وعمرو بن لحي هو أول من غير دين اسماعيل عليه الصلاة والسلام، ونصب الأوثان، وبحر البحيرة وسيب السوائب ووصل الوصيلة وحمى الحام.
والوصيلة من الغنم، كانت الشاة إذا ولدت ثلاثة بطون أو خمسة أو سبعة، فإن كان آخرها جديا ذبحوه لبيت الآلهة، وأكل منه الرجال والنساء، وإن كان عناقا استحيوها. فإن كان جديا وعناقا استحيوا الذكر من أجل الأنثى، وقالوا: هذه العناق وصلت أخاها فلم يذبحوه. وكان لبن الأنثى حراما على النساء، فإن مات منها شيء أكله الرجال والنساء جميعا.
والحام هو الفحل من الإبل، إذا لقح من صلبه عشرة أبطن، وقيل: إذا ضرب عشر سنين، وقيل: إذا ولد من ولد ولده، وقيل: إذا ركب من ولد ولده، قالوا: قد حمى ظهره، فلا يركب ولا يحمل عليه شيء، ولا يمنع من كلأ ولا ماء، فإذا مات أكله الرجال والنساء، فأعلم الله تعالى أنه لم يحرم من هذه الأشياء شيئا بقوله عز وجل: ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ
«3» وإنما هذه كلها من أفعال الجاهلية التي نهى الله عنها.
النغر:
بضم النون وفتح الغين المعجمة قال الجوهري: إنه طير كالعصافير، حمر المناقير.
والجمع نغران كصرد وصردان، قال الخطابي: أنشدني أبو عمرو فقال «4» :
يحملن أوعية السلاح كأنما
…
يحملنه بأكارع النغران
ومؤنثه نغرة كهمزة، وأهل المدينة يسمونه البلبل.
وفي الصحيحين عن أنس رضي الله تعالى عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ لأمي فطيم يقال له عمير، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءنا قال «1» :«يا أبا عمير ما فعل النغير» ؟. وعمير تصغير عمر أو عمرو، والفطيم بمعنى المفطوم. قال شيخ الإسلام النووي رحمه الله تعالى، في الحديث فوائد كثيرة منها: جواز تكنية من لم يولد له، وتكنية الطفل وأنه ليس كذبا.
وفي الحديث: «بادروا بكنى أولادكم لا تسبق إليها ألقاب السوء» . وفيه جواز المزاح فيما ليس بإثم، وجواز تصغير بعض المسميات، وجواز التسجيع في الكلام الحسن بلا كلفة، وملاطفة الصبيان وتأنيسهم، وبيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من حسن الخلق وكرم الشمائل، والتواضع وزيارة أهل الفضل، لأن أم سليم والدة أبي عمير وأنس رضي الله تعالى عنهما، هي من محارمه صلى الله عليه وسلم. واستدل به بعض المالكية على جواز الصيد من حرم المدينة، ولا دلالة فيه لذلك، لأنه ليس في الحديث أنه من حرم المدينة، بل نقول: إنه صيد من الحل وأدخل الحرم. ويجوز للحلال أن يفعل ذلك، ولا يجوز له أن يصيد من الحرم، فيفرق بين ابتداء صيده، وبين استصحاب إمساكه. وقد صحت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم صيد حرم المدينة، فلا يجوز تركها بمثل هذا الاحتمال ومعارضتها به. وفي الحديث أيضا دليل على جواز لعب الصغير بالطير الصغير.
قال العلامة أبو العباس القرطبي: لكن الذي أجاز العلماء أن يمسك له، وأن يلهو بحبسه.
وأما تعذيبه والعبث به فلا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان إلا لمأكله. وقال غيره:
معنى قوله: يلعب به يتلهى بحبسه وإمساكه، وفيه دليل على جواز حبس الطير في القفص والتلهي به لهذا الغرض وغيره.
ومنع ابن عقيل الحنبلي من ذلك، وجعله سفها وتعذيبا، لقول أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه: تجيء العصافير يوم القيامة، تتعلق بالعبد الذي كان يحبسها في القفص عن طلب أرزاقها، وتقول: يا رب هذا عذبني في الدنيا. والجواب: أن هذا فيمن منعها المأكول والمشروب. وقد سئل القفال عن ذلك؛ فقال: إذا كفاها المؤنة جاز، بل في الحديث دليل على جواز قصها للعب الصبيان بها.
وكان بعض الصحابة يكره ذلك. ورأيت لأبي العباس أحمد بن القاص مصنفا حسنا على هذا الحديث، وذكر فيه أن أبا حنيفة سمع صوت امرأة يضربها بعلها، وهي تصيح، فقال:
صدقة مقبولة وحسنة مكتوبة. فقال له رجل من أصحابه: كيف ذاك يا أستاذ؟ فقال لقوله صلى الله عليه وسلم:
«أدب الجاهل صدقة عليه» . وأنا أعرفها جاهلة.