الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فائدة
: قد اعترض في هذا الحديث، وفي قوله «1» صلى الله عليه وسلم:«عليكم بهذا العود الهندي» يعني الكست، فإن فيه سبعة أشفية: منها ذات الجنب، وقوله «2» صلى الله عليه وسلم:«الحمى من فيح جهنم فاطفؤها بالماء» ، وقوله «3» صلى الله عليه وسلم:«إن في الحبة السوداء الشفاء من كل داء إلا السام» يعني الموت.
وقوله «4» صلى الله عليه وسلم: «الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين» .
أما من في قلبه مرض من الملحدة فقال: الأطباء مجمعون على أن العسل مسهل، فكيف يوصف لمن به الإسهال؟ ومجمعون أيضا على أن استعمال المحموم الماء البارد مخاطرة، وقرب من الهلاك، لأنه يجمع المسام ويحقن البخار المتحلل، ويعكس الحرارة إلى داخل الجسم، فيكون سببا للتلف، وينكرون أيضا مداواة ذات الجنب بالقسط مع ما فيه من الحرارة الشديدة، ويرون ذلك خطرا، وهذا الذي قاله المعترض الملحد جهالة بينة وهو فيها كما قال الله تعالى: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ
«5» ونحن نشرح الأحاديث المذكورة في هذا الموضع، ونذكر ما قاله الأطباء في ذلك ليظهر جهل هذا المعترض.
اعلم أن علم الطب من أكثر العلوم احتياجا إلى التفصيل حتى إن المريض يكون الشيء الواحد دواء له في ساعة، ثم يصير داء له في الساعة التي تليها بعارض يعرض له، من غضب يحمي مزاجه فيتغير علاجه، أو هواء يتغير، أو غير ذلك مما لا يحصى كثرة. فإذا وجد الشفاء بشيء في حالة ما لشخص ما، لم يلزم منه الشفاء به في سائر الأحوال ولجميع الأشخاص، والأطباء مجمعون على أن المرض الواحد يختلف علاجه، باختلاف السن والزمان والعادة، والغذاء المتقدم، والتدبير المألوف، وقوة الطباع.
فإذا عرفت هذا، فاعلم أن الإسهال يحصل من أنواع كثيرة منها الإسهال الحادث من التخم والهيضات. وقد أجمع الأطباء، في مثل هذا، على أن علاجه بأن تترك الطبيعة وفعلها، فإن احتاجت إلى معين على الإسهال، أعينت مادامت القوة باقية، وأما حبسها فضرر عندهم.
واستعجال مرض، فيحتمل أن يكون هذا الإسهال لهذا الشخص المذكور في الحديث، كان من امتلاء هيضة، فدواؤه ترك الإسهال على ما هو عليه، أو تقويته فأمره صلى الله عليه وسلم بأن يسقيه عسلا فزاده إسهالا، فزاده عسلا إلى أن فنيت المادة فوقف الإسهال. أو يكون الخلط الذي به، كان يوافقه شراب العسل، فثبت بما ذكرناه أن العسل جار على صناعة الطب، وأن المعترض عليه ملحد جاهل بصناعة الطب، ولسنا نقصد الاستظهار لتصديق الحديث، بقول الأطباء، بل لو كذبوه كذبناهم وكفرناهم. فلو وجدنا المشاهدة تصدق دعواهم لتأولنا كلامه صلى الله عليه وسلم حينئذ وخرجناه على ما يصح.
وقد ذكرنا هذا الجواب وما بعده، عدة للحاجة إن اعتضدوا بمشاهدة، وليظهر جهل
المعترض، وأنه لا يحسن الصناعة التي اعترض بها، وانتسب إليها. وكذلك القول في الماء البارد للمحموم، فإن المعترض تقوّل على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل أكثر من قوله «1» :
«أطفئوها بالماء» ولم يبين صفته وحاله، والأطباء يسلمون أن الحمى الصفراوية يدبر صاحبها يسقى الماء البارد الشديد البرودة، ويسقونه الثلج ويغسلون أطرافه بالماء البارد، فلا يبعد أنه صلى الله عليه وسلم أراد هذا النوع من الحمى.
وأما إنكاره الشفاء من ذات الجنب بالقسط فباطل أيضا. فقد قال بعض الأطباء: إن ذات الجنب، إذا حدثت من البلغم، كان القسط من علاجها. وقد ذكر جالينوس وغيره من حذاق الأطباء، أنه ينفع من وجع الصدر. وقال بعض قدماء الأطباء: إنه يستعمل حيث يحتاج إلى إسخان عضو من الأعضاء، وحيث يحتاج إلى جذب خلط من باطن البدن إلى ظاهره. وهكذا قال الرئيس ابن سينا وغيره من فحول الأطباء، وهذا يبطل ما زعمه هذا المعترض الملحد.
وأما قوله «2» صلى الله عليه وسلم: «فيه سبعة أشفية» فقد أطبق الأطباء في كتبهم، على أنه يدر الطمث والبول، وينفع من السموم، ويحرك شهوة الجماع، ويقتل الدود وحب القرع، الذي في الأمعاء، إذا شرب بعسل، ويذهب الكلف، إذا طلي عليه. وينفع من برودة المعدة والكبد، ومن الحمى الورد والربع وغير ذلك. وهو صنفان: بحري وهندي، فالبحري هو القسط الأبيض، وقيل هو أكثر من صنفين ونص بعضهم على أن البحري أفضل من الهندي، وأقل حرارة منه، وقيل: هما حاران يابسان في الدرجة الثالثة، والهندي أشد حرارة منه فيها.
وقال الرئيس ابن سينا: القسط حار في الثالثة، يابس في الثانية. وقد اتفق الأطباء على هذه المنافع التي ذكرناها في القسط، وهو العود الهندي المذكور في الحديث، فصار ممدوحا شرعا وطبا.
وإنما عددنا منافع القسط من كتب الأطباء، لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر منها عددا مجملا.
وأما قوله «3» صلى الله عليه وسلم «في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام» فيحمل أيضا على العلل الباردة على نحو ما سبق في القسط، وهو صلى الله عليه وسلم قد يصف بحسب ما شاهده من غالب حال أصحابه، قال الإمام المازري، وقال شيخ الإسلام محيي الدين النووي، وذكر القاضي عياض كلام المازري الذي قدمناه، ثم قال: وذكر الأطباء في منفعة الحبة السوداء، التي هي الشونيز، أشياء كثيرة، وخواص عجيبة، يصدقها قوله صلى الله عليه وسلم. فذكر جالينوس أنها تحلل النفخ، وتقتل ديدان البطن، إذا أكلت أو وضعت على البطن، وتنفع الزكام إذا قليت وصرت في خرقة وشمت، وتزيل العلة التي ينقش منها الجلد، وتقطع الثآليل المعلقة والمنكسة والخيلان، وتدر الطمث المنحبس، إذا كان احتباسه من أخلاط غليظة لزجة، وتنفع الصداع إذا طلي بها الجبين، وتقطع البثور والجرب، وتدر البول واللبن، وتحلل الأورام البلغمية، إذا تضمد بها مع خل. وتنفع من الماء العارض في العين إذا سقط بها مسحوقة بدهن، وهي تنفع من انصباب المواد أيضا، ويتمضمض