الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهو لها. ثم سيرها إلى أهلها بنجد. وكانت حاملا بيزيد فولدته بالبادية، وأرضعته سنتين ثم أخذه معاوية رضي الله تعالى عنه منها بعد ذلك. والأرواح جمع ريح قال ذو الرمة:
إذا هبت الأرواح من نحو جانب
…
به أهل حبي هاج قلبي هبوبها
هوى تذرف العينان منه وإنما
…
هوى كلّ نفس حيث حلّ حبيبها
فقد أبدع وأحسن، فمن قال: هبت الأرياح فقد أخطأ ووهم، والصواب هبت الأرواح، كما قال ذو الرمة. وقد تقدم عن ميسون، والعلة في ذلك أن أصل ريح روح، لاشتقاقها من الروح.
وروي هذا الخبر على غير هذا الوجه، فأوردته لتحصل منه الفائدة. وهو: قيل: لما اتصلت ميسون بنت بحدل بمعاوية، ونقلها من البدو إلى الشأم، كانت تكثر الحنين إلى أناسها، والتذكر لمسقط رأسها فاستمع عليها معاوية ذات يوم، وهي تنشد الأبيات المتقدمة، فلما سمع معاوية الأبيات، قال: ما رضيت ابنة بحدل حتى جعلتني علجا عنوفا، هي طالق.
وحكى ابن خلكان وغيره، في ترجمة الإمام أبي الحسن طاهر بن أحمد بن بابشاذ النحوي، أنه كان يوما على سطح جامع مصر يأكل شيئا، وعنده بعض أصحابه، فحضرهم قط، فرموا له لقمة، فأخذها في فيه وغاب عنهم، ثم عاد إليهم فرموا له لقمة ثانية، فأخذها وذهب ثم عاد، فرموا له شيئا فأخذه وذهب ثم عاد، ففعل ذلك مرارا كثيرة، وهم يرمون له وهو يأخذ ويغيب ثم يعود من فوره، فتعجبوا منه فتبعوه فإذا هو يأخذ ذلك الطعام، ويدخل به إلى خربة، فيها شبه البيت الخراب، وفي سطح ذلك البيت قط أعمى، فإذا هو يضع الطعام بين يديه، فتعجبوا من ذلك. فقال الشيخ ابن بابشاذ: إذا كان هذا حيوانا أخرس، قد سخر الله له هذا القط، وهو يقوم بكفايته ولم يحرمه الرزق، فكيف يضيع مثلي؟ ثم قطع الشيخ علائقه، وترك خدمة السلطان ولزم بيته وترك جميع أشغاله توكلا على الله تعالى، إلى أن مات في شهر رجب سنة تسع وستين وأربعمائة. وبابشاذ كلمة أعجمية يتضمن معناها الفرح والسرور.
وحكمه
: تقدم بعضه في باب السين المهملة، في لفظ السنور، وسيأتي إن شاء الله تعالى، بعضه في باب الهاء، في لفظ الهر.
وتعبيره
: سيأتي إن شاء الله تعالى، أيضا في باب الهاء.
القطا:
طائر معروف، واحده قطاط، والجمع قطوات وقطيات، وممن ذكر أن القطا من الحمام الرافعي في كتاب الحج والأطعمة، ومن أهل اللغة ابن قتيبة، وأنشد قول «1» النابغة الذبياني:
واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت
…
إلى حمام شراع وارد الثمد
قال الأصمعي: هذه زرقاء اليمامة نظرت إلى قطا. قال البطليوسي، في الشرح: وليس في بيت النابغة دليل على أنه أراد بالحمام القطا، وإنما علم ذلك بالخبر المروي عن زرقاء اليمامة، أنها نظرت
إلى قطا فقالت:
يا ليت ذا القطا لنا
…
ومثل نصفه معه
إلى قطاة أهلنا
…
إذا لنا قطا مائه
قال: وقوله واحكم كحكم فتاة الحي، أي أصب في أمرك كإصابة فتاة الحي، فهو من الحكم الذي يراد به الحكمة لا من الحكم الذي يراد به القضاء، قال الله تعالى: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً
«1» أي حكمة. قال: وكان الأصمعي يروي شراع بالشين المعجمة، يريد الذي شرع في الماء. وروى غيره سراع بالسين المهملة، والثمد الماء القليل انتهى. وكانت عدة الحمام الذي رأته ستا وستين فتمنت، أن يكون لها هذا الحمام، ومثل نصفه وهو ثلاثة وثلاثون، ومجموع ذلك تسع وتسعون، فإذا ضم إلى حمامتها كان مائة. وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك، في باب الحاء المهملة في الحمام. ويقال للقطاة: أم ثلاث، لأنها أكثر ما تبيض ثلاث بيضات قال الشاعر:
وأمّ ثلاث إن شببن عققنها
…
وإن متن كان الصبر منها على نصب
يقول: إن شبّت فراخها فارقتها، فكان ذلك عقوقا لها، وإن متن لم تصبر إلا وهي حزينة قلقة.
والنصب: التعب والبلاء، ويقال للقطا والحمام وأنواعها أمهات الجوازل، والجوازل فراخها الواحد جوزل قال «2» ذو الرمة:
سوى ما أصاب الذئب منه وسربه
…
أطافت به من أمهات الجوازل
وقد تقدم قريب من هذا في باب الجيم. وسميت القطا بحكاية صوتها فإنها تقول ذلك، ولذلك تصفها العرب بالصدق، قال «3» الكميت في وصفها:
لا تكذب القول إن قالت القطا صدقت
…
إذ كلّ ذي نسبة لا بدّ ينتحل
وأنشد أبو عمر بن عبد البر في التمهيد، قول «4» الشاعر. قال المبرد: وأظنه توبة بن الحمير:
كأنّ القلب حين يقال يغدى
…
بليلى العامرية أو يراح
قطاة غرّها شرك فباتت
…
تجاذبه وقد علق الجناح
فلا في الليل نالت ما ترجى
…
ولا في الصبح كان لها براح
ثم قال: وقوله: غرها قد تصحف عليه، فقال: غرها من الغرور، وليس كذلك، إنما هو عزها أي غلبها، كما قالت العرب «من عز بز ومن غلب سلب» «5» . وغلق الجناح بالغين المعجمة من قولهم: لا يغلق الرهن على راهنه وقد تصحف بالعين المهملة انتهى.