الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فافتخرت الفرس بوضع النرد، فوضع صصّة الهندي الحكيم الشطرنج، لملك الهند، فقضت حكماء ذلك العصر بترجيح الشطرنج على النرد. وأردشير بالراء المهملة، وقيل بالزاي، هو الذي أباد ملوك الطوائف، ومهد لنفسه الملك. وهو جد ملوك الفرس الذين أخرجهم يذدجرد بكسر الجيم. وانقرض ملكهم في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة انتهى.
والصواب أن الملك الذي وضع له الشطرنح بلهيت، كما قاله شيخنا اليافعي «1» وغيره، وأنه لما قدمه للملك وأراه طريقة اللعب به، أعجب الملك إعجابا عظيما، وقال له: تمن علي فقال: أتمنى عليك أيها الملك أن يوضع درهم في أول بيوت الرقعة، ويضاعف إلى آخرها، فقال له الملك: ما هذا القدر أفسدت علينا ما صنعت! فقال الوزير: مهلا أيها الملك، فإن خزائنك وخزائن ملوك أهل الأرض تنفددون ذلك! وقد أغفل ابن خلكان من وصف النرد أشياء منها: أن الاثني عشر بيتا التي في الرقعة مقسومة أربعة، على عدد فصول السنة، ومنها أن الثلاثين قطعة بيض وسود كالأيام والليالي. ومنها أن الفصوص مسدسة،
إشارة
إلى أن الجهات ست لا سابع لها. ومنها أن ما فوق الفصوص وتحتها كيفما وقعت سبع نقط عدد الأفلاك، وعدد الأرضين، وعدد السموات، وعدد الكواكب السيارة. ومنها أنه جعل تصرف اللاعب في تلك الأعداد لاختياره وحسن التدبير بعقله. كما يرزق العاقل شيئا قليلا فيحسن التدبير فيه، ويرزق المفرط شيئا كثيرا فلا يحسن التصرف فيه، فالنرد جامع لحكم القضاء والقدر وحسن التصرف لاختيار لاعبه، والشطرنج مفوض لاختيار اللاعب وعقله وتصرفه، والجيد أو الرديء. وتفضيل الشطرنج على النرد فيه نظر.
والسطرنج بكسر السين المهملة على وزن جردحل، وهو الضخم من الإبل وقد جوز في الشطرنج أن يقال بالشين المعجمة، لجواز اشتقاقه من المشاطرة وأن يقال بالسين المهملة لجواز أن اشتق من التسطير، عند التعبية قاله في درة الغواص. ومما قيل في الشطرنج:
وخيل قد رأيت إزاء خيل
…
يساق بها كأكياس الرياح
بميمنة وميسرة وقلب
…
كتعبية الكتائب للبطاح
إذا ما قتلوا نشروا وعادوا
…
صحاحا لم يصابوا بالجراح
بغير عداوة كانت قديما
…
ولكن للتلذذ والمزاح
إشارة
: لعب الشطرنج مكروه كراهة تنزيه، وقيل: حرام، وقيل: مباح، والأول أصح.
وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد: إنه حرام. ووافقهم من أصحابنا الحليمي والروياني. وروى البيهقي أن محمد بن سيرين، وهشام بن عروة بن الزبير، وبهز بن حكيم، والشعبي وسعيد بن جبير، كانوا يلعبون بالشطرنج، وقال الشافعي: كان سعيد بن جبير يلعب بالسطرنج استدبارا من وراء ظهره. وروى الصعلوكي تجويزه عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه،
وأبي اليسر وأبي هريرة والحسن البصري والقاسم بن محمد وأبي قلابة وأبي مجلز وعطاء والزهري وربيعة بن عبد الرحمن وأبي الزناد رحمهم الله تعالى. والمروي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه من اللعب به، مشهور في كتب الفقه.
وروى الصولي في جزء، قد جمعه في الشطرنج، أن أبا هريرة وعلي بن الحسين زين العابدين وسعيد بن المسيب ومحمد بن المنكدر والأعمش وناجية وعكرمة وأبا اسحاق السبيعي، وابراهيم بن سعد وابراهيم بن طلحة بن عبد الله بن معمر، كانوا يلعبون بالشطرنج. وقد ذكرت الأسانيد عن هؤلاء، وتكلمت على أدلة المخالفين، بكلام يشفي النفس، ويذهب اللبس، في جزء أفردته في الشطرنج والنرد، نحو عشرين كراسة، فاعلم ذلك والله تعالى أعلم.
قال أصحابنا: ولأن الشطرنج فيها تدبير الحروب، فأشبهت اللعب بالحراب ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نهي صحيح عن اللعب به، وأقوى ما يحتج به القائلون بالتحريم، ما روي عن ابن عمر أنه سئل عن الشطرنج، فقال: هي شر من النرد. قالوا: والنرد حرام. فيكون الشطرنج كذلك. قال الإمام تاج الدين السبكي، في الجواب عن هذا الأثر: إنا لا نعلم مذهب ابن عمر في النرد، ولعله كان يقول بحله. وهو وجه لأصحابنا ولا يلزم حينئذ من كون الشطرنج شرا من الحلال، باعتبار ما أن يكون حراما. وأيضا فإن المسألة مسألة اجتهادية. ولعل ابن عمر كان يذهب إلى التحريم، ورأي الشافعي معروف.
وعلى قول من قال: إن قول الصحابي حجة يشترط فيه أن لا يعارضه قول صحابي آخر، وهذا قد عارضه قول جماعة من الصحابة بالجواز، وأيضا هذا الأثر لم يقل بظاهره أحد من العلماء، وذلك أن ظاهره أن الشطرنج شر من النرد، سواء اشتمل على عوض أم لا، وبعض العلماء قال: إن الشطرنج شر من النرد، لكن شرط فيه أن يكون مشتملا على عوض، وأما إذا لم يكن مشتملا على عوض، فلم نعلم أن أحدا من العلماء قال إنه في هذه الحالة شر من النرد. وإذا كان الأثر مردود الظاهر بالاجماع، سقط الاحتجاج به انتهى.
وروى الآجري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مررتم بهؤلاء الذين يلعبون بالأزلام الشطرنج والنرد فلا تسملوا عليهم» . هذا حديث ضعيف، لأن في سنده سليمان اليماني، وقد قال ابن معين فيه: ليس بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث، فلا تحل الرواية عنه. وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: هو منكر الحديث، لا أعلم له حديثا صحيحا انتهى. فأما إذا انضم إليه اشتغال عن صلاة أو غيرها، فالتحريم إذ ذاك ليس للشطرنج نفسه، وهو مكروه إذا لم يواظب عليه، فإن واظب عليه فإنه يصير صغيرة، كما ذكره الغزالي في كتاب التوبة من الإحياء. لكن ذكر ابن الصباغ، في الشامل خلافه. وأما النرد فحرام على الأصح، لقوله «1» صلى الله عليه وسلم:«من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله» . ولقوله «2» صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يلعب النرد ثم يقوم فيصلي، مثل الذي يتوضأ بالقيح ودم الخنزير ثم يقوم فيصلي» . ومن محاسن