الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومما يحكى من محاسن القاضي محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن قريعة، ووفاته سنة ثلاثين وثلاثمائة أن العباس بن المعلى الكاتب، كتب إليه: ما يقول القاضي وفقه الله تعالى في يهودي زنى بنصرانية، فولدت ولدا، جسمه للبشر ووجهه للبقر، وقد قبض عليهما فما يرى القاضي فيهما؟
فكتب الجواب بديها: هذا من أعدل الشهود على الملاعين اليهود فإنهم أشربوا حب العجل في صدورهم حتى خرج من أيورهم وأرى أن يناط برأس اليهودي رأس العجل ويصلب على عنق النصرانية الرأس مع الرجل ويسحبا على الأرض، وينادى عليهما ظلمات بعضها فوق بعض والسلام.
فائدة أخرى
: نقل القرطبي عن أبي بكر الطرطوشي رحمهما الله تعالى، أنه سئل عن قوم يجتمعون في مكان يقرؤون شيئا من القرآن ثم ينشد لهم منشد شيئا من الشعر، فيرقصون ويطربون ويضربون بالدف والشبابة هل الحضور معهم حلال أم لا؟ فأجاب مذهب السادة الصوفية أن هذا بطالة وجهالة وضلالة إلى آخر كلامه.
قلت: وقد رأيت أنه أجاب بلفظ غير هذا، وهو أنه قال: مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري، لما اتخذ لهم عجلا جسدا، له خوار قاموا يرقصون حوله ويتواجدون، فهو دين الكفار وعباد العجل. وإنما كان مجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، «كأنما على رؤوسهم الطير» «1» من الوقار، فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعوهم من الحضور في المساجد وغيرها، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم، ولا يعينهم على باطلهم، هذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم من أئمة المسلمين.
فائدة أخرى
: روي أنه كان في بني إسرائيل رجل غني وله ابن عم فقير لا وارث له، سواه، فلما طال عليه موته قتله ليرثه وحوله إلى قرية أخرى، فألقاه بفنائها ثم أصبح يطلب بثأره، وجاء بناس إلى موسى عليه الصلاة والسلام فادعى عليهم القتل، فسألهم موسى فجحدوا فاشتبه أمر القتيل على موسى، قال الكلبي: وذلك قبل نزول القسامة في التوراة فسألوا موسى أن يدعو الله ليبين لهم ذلك، فدعا الله، فأوحى إليه أن يعلمهم أن الله يأمرهم أن يذبحوا بقرة.
وروي أنه كان في بني إسرائيل رجل صالح، وله طفل له عجلة، فأتى بها إلى غيضة، وقال: اللهم إني أستودعك هذه العجلة لابني حتى يكبر، ومات الرجل. فصارت العجلة في الغيضة عوانا، وكانت تهرب من كل من رآها فلما كبر الابن، وكان بارا بأمه، كان يقسم الليل ثلاثة أثلاث: يصلي ثلثا، وينام ثلثا، ويجلس عند رأس أمه ثلثا، وكان إذا أصبح، انطلق فاحتطب على ظهره، وأتى به السوق فيبيعه بما شاء الله، ثم يتصدق بثلثه ويأكل بثلثه ويعطي أمه ثلثه. فقالت أمه له يوما: إن أباك ورثك عجلة استودعها الله في غيضة كذا وكذا، فانطلق وادع إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب أن يردها عليك. وعلامتها أنك إذا نظرت إليها يخيل لك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها، وكانت تسمى المذهبة لحسنها وصفرتها.
فأتى الفتى الغيضة فرآها ترعى فصاح بها، وقال: أعزم عليك بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب أن تأتي، فأقبلت تسعى حتى قامت بين يديه، فقبض على عنقها وأقبل يقودها، فتكلمت العجلة بإذن الله تعالى وقالت: أيها الفتى البار بوالدته اركبني فإن ذلك أهون عليك، فقال الفتى: إن أمي لم تأمرني بذلك، ولكن قالت خذ بعنقها. فقالت: وإله بني إسرائيل لو ركبتني لما قدرت علي أبدا، فانطلق فإنك لو أمرت الجبل أن ينقلع من أصله، وينطلق معك لفعل، لبرك بأمك. فسار الفتى بها إلى أمه فقالت له: إنك فقير لا مال لك، ويشق عليك الاحتطاب بالنهار والقيام بالليل، فانطلق فبع هذه البقرة، قال: بكم أبيعها؟ قالت: بثلاثة دنانير، ولا تبع بغير مشورتي، وكان ثمن البقرة إذا ذاك ثلاثة دنانير، فانطلق بها إلى السوق، فبعث الله إليه ملكا ليري خلقه قدرته، وليختبر الفتى كيف بره بوالدته، وكان الله عليما خبيرا، فقال له الملك: بكم تبيع هذه البقرة؟ قال: بثلاثة دنانير، وأشترط عليك رضا والدتي، فقال له الملك: فإني أعطيك ستة دنانير ولا تستأمر والدتك! فقال الفتى: لو أعطيتني وزنها ذهبا لم آخذه إلا برضا والدتي! ثم إن الفتى رجع إلى أمه وأخبرها بالثمن، فقالت له: ارجع وبعها بستة دنانير، على رضا مني، فانطلق بها إلى السوق فأتاه الملك فقال له: استأمرت أمك؟ فقال له الفتى: إنها أمرتني أن لا أنقصها عن ستة دنانير على أن أستأمرها، فقال له الملك: فإني أعطيك اثني عشر دينارا، على أن لا تستأمرها، فأبى الفتى ورجع إلى أمه، فأخبرها بذلك، فقالت له: إن الذي يأتيك ملك في صورة آدمي ليجربك، فإذا أتاك فقل له: أتأمرنا أن نبيع هذه البقرة أم لا؟ ففعل فقال له الملك: اذهب إلى أمك وقل لها: أمسكي هذه البقرة فإن موسى يشتريها منك لقتيل من بني إسرائيل، فلا تبيعيها إلا بملء مسكها ذهبا، أي جلدها دنانير، فأمسكوها. وقدر الله عز وجل، على بني إسرائيل، ذبح تلك البقرة بعينها مكافأة له على بره بأمه، فضلا منه ورحمة فما زالوا يستوصفون، حتى وصف لهم تلك البقرة بعينها.
واختلف العلماء في لونها فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: شديدة الصفرة، وقال قتادة: لونها صاف، وقال الحسن البصري: الصفراء السوداء. والأول أصح لأنه لا يقال أسود فاقع، وإنما يقال أصفر فاقع، وأسود حالك، وأحمر قان، وأخضر ناضر، وأبيض يقق، للمبالغة.
فلما ذبحوها، أمرهم الله أن يضربوا القتيل ببعضها، واختلف في ذلك البعض فقال ابن عباس وجمهور المفسرين: ضربوه بالعظم الذي يلي الغضروف وهو المقبل. وقال مجاهد وسعيد بن جبير:
بعجب الذنب لأنه أول ما يخلق وآخر ما يبلى ويركب عليه الخلق. وقال الضحاك: بلسانها لأنه آلة الكلام، وقال عكرمة والكلبي: بفخذها الأيمن. وقيل: بعضو منها لا بعينه ففعلوا ذلك، فقام القتيل حيا بإذن الله تعالى، وأوداجه تشخب دما وقال: قتلني فلان، ثم سقط ومات مكانه، فحرم قاتله الميراث، وفي الخبر ما ورث قاتل بعد صاحب البقرة واسم القتيل عاميل. قاله البغوي وغيره.
قال الزمخشري وغيره: روي أنه كان في بني إسرائيل شيخ صالح له عجلة، فأتى بها الغيضة، وقال: اللهم إني أستودعكها لابني حتى يكبر، فكبر الولد وكان بارا بأمه، فشبت وكانت من أحسن البقر وأسمنه، فساوموها اليتيم وأمه حتى اشتروها بملء جلدها ذهبا. وكانت البقرة إذ ذاك