الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي آخر كتاب مناقب الشافعي رضي الله تعالى عنه، للحاكم أبي عبد الله، بإسناده إلى محمد بن عبد الله بن عبد
الحكم
، قال: سمعت الشافعي يقول: اختصم رجلان إلى بعض القضاة، في هرة ادعى كل منهما أنها له، وأن عنده أولادها، فحكم القاضي أن توسط بين داريهما ثم ترسل فأي دار دخلت فهي لصاحبها. قال الشافعي: فانجفل الناس، وانجفلت معهم، فلم تدخل الهرة دار واحد منهما. قال الشافعي: فبطل قضاؤه.
غريبة
: ذكر أن مروان الجعدي المنبوز بالحمار، آخر خلفاء بني أمية، لما ظهر السفاح بالكوفة، وبويع له بالخلافة، وجهز العساكر إليه، فانهزم منهم، حتى وصل إلى أبي صير، وهي قرية عند الفيوم.. قال: ما اسم هذه القرية؟ قيل: أبو صير. قال: فإلى الله المصير، ثم دخل الكنيسة التي بها، فبلغه أن خادما له نم عليه، فأمر به فقطع رأسه، وسل لسانه وألقي على الأرض، فجاءت هرة فأكلته. ثم بعد أيام، هجم على الكنيسة التي كان نازلا بها عامر بن إسماعيل، فخرج مروان من باب الكنيسة، وفي يده سيف، وقد أحاطت به الجنود، وخفقت حوله الطبول، فتمثل ببيت الحجاج بن الحكم السلمي وهو «1» :
متقلدين صفائحا هندية
…
يتركن من ضربوا كأن لم يولد
ثم قاتل حتى قتل، فأمر عامر برأسه فقطع في ذلك المكان، وسل لسانه وألقي على الأرض، فجاءت تلك الهرة بعينها فخطفته فأكلته. فقال عامر: لو لم يكن في الدنيا عجب إلا هذا، لكان كافيا، لسان مروان في فم هرة! وقال في ذلك شاعرهم:
قد يسّر الله مصرا عنوة لكم
…
وأهلك الكافر الجبار إذ ظلما
فلاك مقوله هرّ يجر جرّه
…
وكان ربّك من ذي الظلم منتقما
ودخل عامر بعد قتله الكنيسة، فقعد على فرش مروان، وكان مروان، حين الهجوم على الكنيسة، يتعشى، فلما سمع الوجبة، وثب عن عشائه، فأكل عامر ذلك الطعام، ودعا بابنة مروان، وكانت أسن بناته، فقالت: يا عامر إن دهرا أنزل مروان عن فرشه، وأقعدك عليه، حتى تعشيت بعشائه، واستصبحت بمصباحه، ونادمت ابنته، لقد أبلغ في موعظتك، وأجمل في إيقاظك.
فاستحيا عامر وصرفها وكان قتل مروان في سنة ثلاث وثلاثين ومائة.
الحكم
: يحرم أكل الهر على الصحيح، والثاني، وبه قال الليث بن سعد، يحل أكله.
واختاره أبو الحسن البوشنجي، وهو من أئمة أصحابنا، وهو حيوان طاهر لما روى الإمام أحمد والدارقطني والحاكم والبيهقي، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم دعي إلى دار قوم فأجاب، ودعي إلى دار آخرين فلم يجب، فقيل له في ذلك، فقال «2» :«إن في دار فلان كلبا» . فقيل له: وإن في دار فلان هرة، فقال صلى الله عليه وسلم: «الهرة ليست بنجسة إنما هي من الطوافين
عليكم والطوفات» .
قال الإمام النووي، في شرح المهذب: وبيع الهرة الأهلية جائز بلا خلاف عندنا، إلا ما حكاه البغوي، في شرح مختصر المزني، عن ابن القاص، أنه قال: لا يجوز، وهذا شاذ باطل مردود، والمشهور جوازه وبه قال جماهير العلماء.
قال ابن المنذر: أجمعت الأمة على جواز اتخاذها، ورخص في بيعها ابن عباس والحسن وابن سيرين والحكم وحماد ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبو حنيفة، وسائر أصحاب الرأي.
وكرهت طائفة بيعها منهم: أبو هريرة وطاوس ومجاهد وجابر بن زيد.
وقال ابن المنذر: إن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن بيعه، فبيعه باطل، وإلا فجائز.
احتج من منعه بحديث ابن الزبير، قال: سألت جابرا رضي الله تعالى عنه عن ثمن الكلب والسنور، فقال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. رواه مسلم.
وفي سنن «1» أبي داود والترمذي وابن ماجه من حديث جابر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن ثمن الهر» .
واحتج أصحابنا بأنه طاهر منتفع به ووجد فيه جميع شروط البيع، فجاز بيعه كالحمار والبغل، والجواب عن الحديثين من وجهين أحدهما: جواب أبي العباس بن القاص والخطابي والقفال وغيرهم، أن المراد الهرة الوحشية، فلا يصح بيعها، لعدم الانتفاع بها، إلا على الوجه الضعيف القائل بجواز أكلها، والثاني أن المراد نهي تنزيه. فهذان الجوابان هما المعتمدان. وأما ما ذكره الخطابي وابن عبد البر، أن الحديث ضعيف فغلط منهما لأن الحديث في صحيح مسلم بإسناد صحيح كما تقدم بيانه، في باب السين المهملة.
وفي السنن «2» الأربعة، من حديث كبشة بنت كعب بن مالك، وكانت تحت بعض ولد أبي قتادة، أن أبا قتادة رضي الله تعالى عنه، دخل فسكبت له وضوءا، فجاءت هرة فشربت منه، فأصفى لها الإناء حتى شربت. قالت كبشة: فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟
فقلت: نعم. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات» . والطوافون الخدم، والطوافات الخادمات، جعلها بمنزلة المماليك في قوله تعالى «3» :
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ
. ومنه قول إبراهيم النخعي: إنما الهرة كبعض أهل البيت.
كذا نقله الزمخشري.
وفي المستدرك وسنن ابن ماجه وكامل بن عدي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «4» : «الهرة لا تقطع