الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما النورة فهي حارة يابسة، قال الغزالي في الإحياء: إن النورة بعد الحمام أمان من الجذام، وغسل الرجلين بالماء البارد في الصيف، أمان من النقرس، وبولة في الحمام من قيام في الشتاء أنفع من شربة دواء. قال: ويكره إلصاق الظهر إلى حائط الحمام انتهى. ومعناه أن يطلي جسده بالنورة أولا، قبل أن يسكب على جسده الماء، ثم يستحم بعد ذلك. وينبغي أن يستعمل قبل النورة الخطمي ليأمن من حرقها، ثم يغتسل بالماء البارد، وينشف البدن منه. وإن أحب استعمال النورة أولا ليأمن من الجذام، كما قاله الغزالي وغيره فليأخذ على أصبعه شيئا من النورة، ويشمها ويقل صلى الله على سليمان بن داود، ويكتب ذلك على فخذه الأيمن، فإنه يعرق قبل النورة، فيمسح العرق ويطلي، ويكون ذلك في البيت الحار، ليعرق سريعا. ويستعمل بعد هذا العصفر وبزر البطيخ ودقيق الأرز، ويعجن ذلك بماء الآس والتفاح وماء الورد ويسخن في إناء ويطلى به الجسد مع العسل، فإن ذلك ينقي البدن وينفي عنه ثلاثين داء كالجذام والبرص والبهق والبثر والنفاطات ونحوها.
قال القزويني: إذا طرح في النورة زرنيخ ورماد الكرم وطلي به الجسد ثم غسل بعدها بدقيق الشعير والباقلاء وبزر البطيخ مرارا، فإن الشعر يضعف حتى لا يكاد أن يعود. وقال الإمام العلامة فخر الدين الرازي رحمة الله تعالى عليه: النورة التي قبل الزرنيخ ربما أحدثت كلفا ويدفع ضررها بالأرز والعصفر طلاء، وأن تعجن للمحرورين بماء الشعير والأرز والبطيخ والبيض وللمبرودين بماء المرزنجوش أو النمام، وينبغي أن يخلط مع النورة الصبر والمر والحنظل من كل واحد درهم ليأمن من الحكة والبثر والله أعلم.
خاتمة
: روى مالك في الموطأ، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت، ليلة أسري بي، عفريتا من الجن يطلبني بشعلة من نار، كلما التفت رأيته» «1» فقال جبريل: ألا أعلمك كلمات تقولهن فتنطفىء شعلته ويخر لفيه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بلى» فقال جبريل: قل أعوذ بوجه الله الكريم وبكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن فتن الليل والنهار، ومن طوارق الليل والنهار، إلا طارقا يطرق بخير، يا رحمن. وقد تقدم في باب الجيم في الجن حديث
العفر
يت الذي تفلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يقطع عليه صلاته، «فخنقه النبي صلى الله عليه وسلم وأراد أن يربطه في سارية من سواري المسجد» «2» .
العفر:
بالكسر والضم قاله ابن الأثير في النهاية وهو الجحش والأنثى عفرة.
العقاب:
طائر معروف، والجمع أعقب لأنها مؤنثة. وأفعل بناء يختص به جمع الإناث مثل عناق وأعنق وذراع وأذرع، والكثير عقبان وعقابين جمع الجمع. قال الشاعر:
عقابين يوم الجمع تعلو وتسفل
وكنيته أبو الأشيم وأبو الحجاج وأبو حسان وأبو الدهر وأبو الهيثم، والأنثى أم الحوار وأم
الشعو وأم طبلة وأم لوح وأم الهيثم. والعرب تسمى العقاب الكاسر، ويقال لها الخدارية للونها، وهي مؤنثة اللفظ. وقيل: العقاب يقع على الذكر والأنثى. وتمييزه باسم الإشارة. وقال في الكامل: العقاب سيد الطيور والنسر عريفها. والعقاب، قال ابن ظفر: حاد البصر، ولذلك قالت العرب «أبصر من عقاب» «1» . والأنثى منه تسمى لقوة.
قال البطليوسي، في الشرح: قال الخليل: اللّقوة واللّقوة بالفتح والكسر العقاب السريعة الطيران انتهى. وتسمى العقاب عنقاء مغرب لأنها تأتي من مكان بعيد، وليس هو العنقاء الآتي ذكرها، وبهذا فسر قول أبي العلاء المعري «2» :
أرى العنقاء تكبر أن تصادا
…
فعاند من تطيق له عنادا «3»
وظنّ بسائر الاخوان شرا
…
ولا تأمن على سرّ فؤادا
فلو خبرتهم الجوزاء خبري
…
لما طلعت مخافة أن تصادا
وكم عين تؤمل أن تراني
…
وتفقد عند رؤيتي السوادا
وله من قصيدة قد أبدع فيها «4» :
فإن كنت تهوى العيش فابغ توسطا
…
فعند التناهي يقصر المتطاول
توافي البدور النقص وهي أهلة
…
ويدركها النقصان وهي كوامل
وفي المعنى لابن العفيف التلمساني «5» :
أيسعدني يا طلعة البدر طالع
…
ومن شقوتي خط بخديك نازل
نعم قد تناهى في الجفاء تطاولا
…
وعند التناهي يقصر المتطاول
وتقدم أن العقاب، إذا صاحت، تقول: في البعد عن الناس راحة. وهي نوعان عقاب، وزمج فأما العقاب فمنها السود والخوخية والسفع والأبيض والأشقر، ومنها ما يأوي الجبال وما يأوي الصحاري وما يأوي الغياض وما يأوي حول المدن، ويقال: إن ذكورها من طير لطيف الجرم لا يساوي شيئا. وقال ابن خلكان، في آخر ترجمة العماد الكاتب: ويقال إن العقاب جميعه أنثى، وأن الذي يسافده طير آخر من غير جنسه، وقيل: إن الثعلب يسافده. قال: وهذا من العجائب.
ولا بن عنين «6» الشاعر في هجو شخص يقال له ابن سيده:
ما أنت إلا كالعقاب فأمّه
…
معروفة وله أب مجهول
والعقاب تبيض ثلاث بيضات في الغالب، وتحضنها ثلاثين يوما، وما عداها من الجوارح يبيض بيضتين ويحضن عشرين يوما، فإذا خرجت فراخ العقاب، ألقت واحدا منها لأنه يثقل عليها طعم الثلاث، وذلك لقلة صبرها، والفرخ الذي تلقيه، يعطف عليه طائر آخر، يسمى كاسر العظام، ويسمى المكلفة فيربيه. ومن عادة هذا الطائر أن يزق كل فرخ ضائع.
والعقاب، إذا صادت شيئا، لا تحمله على الفور إلى مكانها، بل تنقله من موضع إلى موضع، ولا تقعد إلا على الأماكن المرتفعة، وإذا صادت الأرانب تبدأ بصيد الصغار ثم الكبار.
وهي أشد الجوارح حرارة، وأقواها حركة، وأيبسها مزاجا، وهي خفيفة الجناح، سريعة الطيران، تتغدى بالعراق وتتعشى باليمن، وريشها الذي عليها فروتها في الشتاء، وحليتها في الصيف، ومتى ثقلت عن النهوض وعميت، حملتها الفراخ على ظهرها ونقلتها من مكان إلى مكان، فعند ذلك تلتمس لها عينا صافية بأرض الهند، على رأس جبل فتغمسها فيها، ثم تضعها في شعاع الشمس فيسقط ريشها، وينبت لها ريش جديد، وتذهب ظلمة بصرها، ثم تغوص في تلك العين فإذا هي قد عادت شابة، كما كانت. فسبحان القادر على كل شيء، الملهم كل نفس هداها.
قال التوحيدي: ومن عجيب ما ألهمته، أنها إذا اشتكت أكبادها، أكلت أكباد الأرانب والثعالب فتبرأ. وهي تأكل الحيات إلا رؤوسها، والطيور إلا قلوبها، ويدل لهذا قول امرىء القيس «1» :
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا
…
لدى وكرها العناب والحشف البالي «2»
ومنه قول طرفة بن العبد «3» :
كأنّ قلوب الطير في عشها
…
نوى القسب ملقى عند بعض المآدب «4»
وقيل لبشار بن برد الأعمى الشاعر: لو خيرك الله أن تكون حيوانا ماذا كنت تختار؟ قال: العقاب لأنها تلبث حيث لا يبلغها سبع ولا ذو أربع، وتحيد عنها سباع الطير ولا تعاني الصيد إلا قليلا، بل تسلب كل ذي صيد صيده. ومن شأنها أن جناحها لا يزال يخفق قال عمرو بن حزام:
لقد تركت عفراء قلبي كأنه
…
جناح عقاب دائم الخفقان
وفي عجائب المخلوقات، في ذكر الأحجار، أن حجر العقاب يشبه نوى التمر هندي إذا حرك يسمع منه صوت، وإذا كسر لا يوجد فيه شيء يوجد في عش العقاب. والعقاب يجلبه من أرض الهند وإذا قصد الإنسان عشه، يرمي إليه بهذا الحجر ليأخذه ويرجع، فكأنه عرف أن قصدهم إياه لخاصيته. فمن خواصه أنه إذا علق على من بها عسر الولادة، تضع سريعا. ومن جعله تحت
لسانه، فإنه يغلب الخصم في المقاولة، ويبقى مقضي الحاجة. وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب النون نظير هذا، في لفظ النسر.
وأول من صاد بها وأدبها أهل المغرب، يحكى أن قيصر ملك الروم أهدى إلى كسرى ملك فارس عقابا، وكتب إليه علمها فإنها تعمل عملا لا يدركه أكثر الصقور، فأمر بها فعلمت وصاد بها فأعجبته ثم جوعها ليصيد بها، فوثبت على صبي من حاشيته فقتلته. فقال كسرى: غزانا قيصر في بلادنا بغير جيش. ثم أهدى كسرى إليه نمرا أو فهدا، وكتب إليه: قد بعثت إليك بما تقتل به الظباء وما قرب منها من الوحش، وكتم عليه ما صنعته العقاب، فأعجب به قيصر، إذ وافقت صفته ما وصف، فغفل عنه يوما، فافترس فتى من بعض فتيانه. فقال: صادنا كسرى فإن كنا قد صدناه فلا بأس، فلما بلغ ذلك كسرى قال: أنا أبو ساسان.
وذكر ابن خلكان، في ترجمة «1» جعفر بن يحيى البرمكي وغيره، عن الأصمعي قال: لما قتل الرشيد جعفرا، طلبني ليلا فجئته وأنا خائف، فأومأ إليّ بالجلوس فجلست، فالتفت إليّ وقال:
أبيات أحببت أن تسمعها، قلت: إن شاء أمير المؤمنين فأنشدني:
لو أن جعفر خاف أسباب الردى
…
لنجا به منها طمر ملجم
ولكان من حذر المنية حيث لا
…
يرجو اللحاق به العقاب القشعم
لكنه لما أتاه يومه
…
لم يدفع الحدثان عنه منجم
فعلمت أنها له فقلت: إنها أحسن أبيات. فقال: الحق الآن بأهلك. ففكرت فلم أعرف لذلك معنى إلا أنه أراد أن يسمعني شعره وأحكيه.
وقد حكى أهل التاريخ، في سبب قتل جعفر حكايات مختلفة، منها ما روي عن أبي محمد اليزيدي، أنه قال: من قال إن الرشيد قتل جعفرا بغير سبب يحيى بن عبد الله العلوي فلا تصدقه، وذلك أن الرشيد دفع يحيى إلى جعفر فحبسه، ثم إن جعفر بن حسن، دعا به ليلة من الليالي، وسأله عن أمره فأجابه، ثم إن يحيى قال له: اتق الله فيّ يا جعفر، ولا تتعرض إلى دمي، فيكون رسول الله صلى الله عليه وسلم خصمك يوم القيامة، فو الله ما أحدثت حدثا، ولا آويت محدثا. فرق له جعفر وأطلقه بعد أن استحلفه أن لا يحدث حدثا، وبعث معه من أوصله إلى مأمنه. فنقل ذلك إلى الرشيد، فقال لجعفر: ما فعل بيحيى بن عبد الله؟ قال: على حاله يا أمير المؤمنين في السجن، والأكبال الثقيلة، فقال: بحياتي؟ فأحجم لها جعفر. وكان من أصح الناس فكرا، فهجس في نفسه أنه قد علم شيئا من أمره. فقال: لا وحياتك يا أمير المؤمنين، بل أطلقته، لعلمي أن لا مكروه لديه، فأظهر الرشيد الاستحسان لذلك، وأسرها في نفسه، وقال: نعم ما فعلت، ما عدوت عما كان في خاطري. فلما خرج، أتبعه الرشيد بصره، وقال: قتلني الله بسيوف العدا على الضلالة إن لم أقتلك.
وفي تاريخ صاحب حماه «1» وغيره، أن الرشيد كان لا يصبر عن جعفر ولا عن أخته عباسة بنت المهدي، فقال لجعفر: أزوجكها ليحل لك النظر إليها، ولا تمسها فكانا يحضران مجلسه، ثم يقوم الرشيد من المجلس، فيمتلئان من الشراب وهما شابان، فيقوم إليها جعفر فيجامعها فحملت وولدت غلاما، وخافت الرشيد فوجهت المولود مع خواص لها إلى مكة، ولم يزل الأمر مستورا، حتى وقع بين عباسة وبين بعض جواريها شر، فأنهت أمر الصبي، وأخبرت بمكانه ومن معه من جواريها وما معه من الحلي. فلما حج الرشيد أرسل من أتاه بالصبي وخواصه فوجد الأمر صحيحا فأوقع بالبرامكة.
وقيل: إنما قتل الرشيد جعفرا لأنه كان قد حاز ضياع الدنيا لنفسه، وكان الرشيد إذا سافر لا يمر بضيعة ولا بستان إلا قيل: هذا لجعفر، فلم يزل كذلك حتى جنى جعفر على نفسه، بأن وجه فقطع رأس بعض الطالبين من غير أن يكون أمر بقتله، فاستحل الرشيد بذلك دمه. وقيل:
كان سبب قتله أنه رفعت إلى الرشيد قصة لم يعرف رافعها وفيها هذه الأبيات «2» :
قل لأمين الله في أرضه
…
ومن إليه الحلّ والعقد
هذا ابن يحيى قد غدا مالكا
…
مثلك ما بينكما حد
أمرك مردود إلى أمره
…
وأمره ليس له رد
وقد بنى الدار التي ما بنى
…
الفرس لها مثلا ولا الهند
والدرّ والياقوت حصباؤها
…
وتربها العنبر والنّد «3»
ونحن نخشى أنه وارث
…
ملكك إن غيبك اللحد
ولن يباهي العبد أربابه
…
إلا إذا ما بطر العبد
فلما وقف الرشيد عليها أضمر له الشر وأوقع به. وقيل: بل أرادت البرامكة إظهار الزندقة وفساد الملك، فأوقع بهم وقتلهم. قلت: وهو قول بعيد لا أعتقد صحته.
وقيل: إن مسرورا قال: سمعت الرشيد سنة حج وهي سنة ست وثمانين ومائة، يقول في الطواف: اللهم إنك تعلم أن جعفرا قد وجب عليه القتل، وأنا أستخيرك في قتله فخر لي. وإن الرشيد لما عاد إلى الأنبار، بعث إليه بمسرور وحماد فوافياه، والمغني يغنيه «4» :
فلا تبعد فكلّ فتى سيأتي
…
عليه الموت يطرق أو يغادي
فقال مسرور: لذلك جئت، قد والله طرقك الأمر، أجب أمير المؤمنين، فتصدق بأمواله، وأعتق عبيده، وأبرأ الناس من حقوقه. ثم أتى به إلى المنزل الذي فيه الرشيد، فحبسه وقيده بقيد حمار، وأخبر الرشيد. فقال: ائتني برأسه! فعاوده فيه مرتين، فشتمه وصاح عليه. فدخل عليه واحتز رأسه وجاء به إليه. وذلك في مستهل صفر سنة سبع وثمانين ومائة، وهو ابن سبع
وثلاثين سنة. ثم صلب رأسه على الجسر وصلب كل قطعة على جسر، فلم يزل كذلك حتى مر عليه الرشيد عند خروجه إلى خراسان، فقال: ينبغي أن يحرق هذا فأحرق. ولما قتله أحاط بجميع البرامكة وأتباعهم، ونودي أن لا أمان لهم إلا لمحمد بن خالد بن برمك وولده وجماعته، لما عرف من براءة محمد بن خالد وولده وجماعته.
وقيل: إن علية بنت المهدي قالت للرشيد: لأي شيء قتلت جعفر؟ فقال: لو علمت أن قميصي يعلم سبب قتل جعفر لأحرقته! ولما صلب جعفر وقف عليه يزيد الرقاشي وقال «1» من أبيات:
أما والله لولا خوف واش
…
وعين للخليفة لا تنام
لطفنا حول جذعك واستلمنا
…
كما للناس بالحجر استلام
فما أبصرت قبلك يا ابن يحيى
…
حساما فلّه السيف الحسام
على اللذات والدنيا جميعا
…
لدولة آل برمك السلام
فبلغ الرشيد مقالته فأحضره، وقال: ما حملك على ما فعلت وقد بلغك ما توعدنا به كل من يقف عليه أو يرثيه؟ قال: كان يعطيني كل سنة ألف دينار، فأمر له الرشيد بألفي دينار، وقال: هي لك منا مادمنا في قيد الحياة.
ويروى أن امرأة وقفت على جعفر ونظرت إلى رأسه معلقا، فقالت: أما والله لئن صرت اليوم آية، لقد كنت في المكارم غاية ثم أنشدت تقول «2» :
ولما رأيت السيف خالط جعفرا
…
ونادى مناد للخليفة في يحيى
بكيت على الدنيا وأيقنت أنما
…
قصارى الفتى يوما مفارقة الدنيا
وما هي إلا دولة بعد دولة
…
تخول ذا نعمى وتعقب ذا بلوى
إذا أنزلت هذا منازل رفعة
…
من الملك حطّت ذا إلى الغاية السفلى
ثم مرت كأنها الريح ولم تقف.
ولما بلغ سفيان بن عيينة قتل جعفر، وما نزل بالبرامكة حول وجهه إلى القبلة، وقال:
اللهم إن جعفرا كان قد كفاني مؤونة الدنيا فاكفه مؤونة الآخرة. وكان جعفر من الكرم والعطاء على جانب عظيم، وأخباره في ذلك مشهورة، وفي الدفاتر مسطورة، ولم يبلغ أحد من الوزراء منزلة بلغها جعفر من الرشيد، وكان الرشيد يسميه أخا، ويدخله معه في ثوبه، وأن الرشيد، لما قتل جعفرا، خلد أباه يحيى في السجن. وكانت البرامكة في الغاية من الجود والكرم كما هو مشهور عنهم. وكانت مدة وزارتهم للرشيد سبع عشرة سنة.