الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وله ملغزا في قفل وقد أجاد:
وأسود عار أنحل البرد جسمه
…
ومازال من أوصافه الحرص والمنع «1»
وأعجب شيء كونه الدهر حارسا
…
وليس له عين وليس له سمع
وله شعر جيد، وشعره عند أهل الصناعة يسمى السهل الممتنع. وكان متمكنا من الملك الصالح ولا يتوسط إلا بالخير، وكانت وفاته سنة ست وخمسين وستمائة رحمه الله تعالى.
ويقال: إذا صاح الغراب مرتين، فهو شر، وإذا صاح ثلاث مرات فهو خير على قدر عدد الحروف. ولما كان صافي العين حاد البصر سموه أعور. وقال الجاحظ: إنهم إنما سموه بالأعور تطيرا منه وتشاؤما به وليس به عور. وقيل: إنما سموه أعور تفاؤلا بالسلامة منه، كما سموا البرية بالمفازة، واليد الشمال باليسار.
والتطير أصله من الطير إذا مر بارحا أو سانحا أو قعيدا أو ناطحا، فالبارح ما أتى من ناحية الميامن والسانح، بالنون والحاء المهملة ما أتى من ناحية المياسر، والناطح ما تلقاك والقعيد ما استدبرك. وإنما كان الغراب هو المقدم عندهم في باب الشؤم، لأنه لما كان أسود ولونه مختلفا إن كان أبقع، ولم يكن على إبلهم شيء أشد من الغراب. وكان حديد البصر يخاف من عينيه كما يخاف من عين المعيان قدموه في باب الشؤم انتهى. وقيل: إنما سموه أعور لتغميض إحدى عينيه أبدا، من قوة بصره. قاله ابن الأعرابي، وسيأتي في الأمثال شيء من هذا.
فائدة
: قال صاحب العشرات: اسم الغراب من الأسماء المشتركة، يقع على الثلج وعلى الضفيرة من الشعر وعلى المعول وعلى رأس الورك وعلى الغراب نفسه. قال: أنشدني أبو عبد الله المهلبي، يعني نفطويه كنى عنه لأنه كان في زمانه، عن ثعلب عن ابن الأعرابي:
يا عجبا للعجب العجاب
…
خمسة غربان على غراب
وقال ارسطاطاليس في النعوت: غراب البين جسمه أسود ومنقاره ورجلاه صفر، ومأكله من جميع النبات واللحوم. وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن نقرة الغراب» «2» . يريد بذلك تخفيف السجود، وأنه لا يمكث فيه، إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله. وروى البخاري في الأدب، والحاكم في المستدرك والبيهقي في الشعب، وابن عبد البر وغيرهم عن عبد الله بن الحارث الأموي، عن أمه ريطة بنت مسلم، عن أبيها، أنه قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حنينا، فقال:«ما اسمك» ؟ قلت: اسمي غراب. فقال صلى الله عليه وسلم: «بل أنت مسلم» «3» . وإنما غير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه لأنه حيوان خبيث الفعل، خبيث المطعم، ولذلك أمر صلى الله عليه وسلم بقتله في الحل والحرم.
وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال: «ما أسمك» ؟ قال: أصرم. قال: «بل أنت زرعة» . وإنما غيره لما فيه من معنى الصرم وهو القطع. قال أبو داود: وغير النبي صلى الله عليه وسلم اسم
العاص وعزيز وعقلة وشيطان والحكم وحباب وشهاب وأرض تسمى عفرة فسماها النبي صلى الله عليه وسلم خضرة. فالعاص كرهه لمعنى العصيان، وإنما صفة المؤمن الطاعة والاستسلام. وعزيز إنما غيره لأن العزة لله تعالى وشعار العبد الذلة والاستكانة، وقد قال الله تعالى عندما قرع بعض أعدائه:
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ
«1» وعقلة معناه الشدة والغلظة، ومن صفة المؤمن اللين والسهولة. قال صلى الله عليه وسلم:«المؤمنون هينون لينون» . والشيطان اشتقاقه من البعد عن الخير. والحكم هو الحاكم الذي لا يرد حكمه، وهذه الصفة لا تليق بغير الله سبحانه وتعالى. والحباب اسم الشيطان، والشهاب اسم للشعلة من النار والنار عقوبة الله تعالى، وهي محرقة مهلكة، نسأل الله النجاة منها. وأما عفرة فهو نعت لأرض لا تنبت شيئا، فسماها خضرة على معنى التفاؤل لتخضر وتزرع.
وفي سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن شبل، وليس له في الكتب الستة سواه أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى المصلي عن نقرة الغراب» «2» . ورواه الحاكم بلفظ «نهى عن نقرة الغراب وافتراش السبع وأن يوطن الرجل المكان كما يوطنه البعير» . يريد بنقرة الغراب تخفيف السجود، وأنه لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله.
وروى أبو يعلى الموصلي، والطبراني، في معجمه الأوسط، عن سلمة بن قيصر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من صام يوما ابتغاء وجه الله، باعده الله من النار كبعد غراب طار وهو فرخ حتى مات هرما» . وفي إسناده ابن لهيعة، وفيه كلام.
وروى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه مثله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورواه الإمام أحمد في الزهد والبزار، وفيه رجل لم يسم، وقد تقدم في باب الحاء المهملة، في لفظ الحية، ما رواه الدارقطني عن أبي أمامة قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم بخفيه ليلبسهما فلبس أحدهما ثم جاء غراب فاحتمل الآخر ورمى به فخرجت منه حية فقال صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما» «3» وفي إسناده هشام بن عمر، وذكره ابن حبان في الثقات وهو حديث صحيح إن شاء الله تعالى. وقد تقدم في الأسود السالخ حديث نظير هذا.
وروى الإمام أحمد في الزهد، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أنه كان إذا نعب الغراب قال: اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك. وروينا عن ابن طبرزذ، بإسناده إلى الحكم بن عبد الله بن حطان عن الزهري، عن أبي واقد عن روح بن حبيب قال:
بينما أنا عند أبي بكر رضي الله تعالى عنه، إذ أتي بغراب، فلما رآه بجناحين حمد الله تعالى ثم قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما صيد قط صيد إلا بنقص من تسبيح، ولا أنبت الله تعالى نابتة إلا وكل بها ملكا يحصي تسبيحها حتى يأتي به يوم القيامة، ولا عضدت شجرة ولا قطعت، إلا بنقص من تسبيح، ولا دخل على امرىء مكروه إلا بذنب، وما عفا الله عنه أكثر» . يا غراب اعبد الله، ثم خلى سبيله. وسيأتي نظير هذا في لفظ القسورة، من كلام عمر رضي الله تعالى عنه.