الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأبو نعيم وأبو الهيصم، وذهب بعض الناس إلى أنه الغرنوق، وهو أغبر طويل الساقين، والأنثى منه لا تقعد للذكر عند السفاد، وسفاده سريع كالعصفور، وهو من الحيوان الذي لا يصلح إلا برئيس، لأن في طبعه الحذر والتحارس في النوبة، والذي يحرس يهتف بصوت خفي، كأنه ينذر بأنه حارس، فإذا قضى نوبته قام الذي كان نائما يحرس مكانه حتى يقضى كل ما يلزمه من الحراسة ولها مشات ومصايف، ومنها ما يلزم موضعا واحدا ومنها ما يسافر بعيدا، وفي طبعه التناصر، ولا تطير الجماعة منه متفرقة، بل صفا واحدا، يقدمها واحد منها، كالرئيس لها وهي تتبعه، يكون ذلك حينا، ثم يخلفه آخر منها مقدما، حتى يصير الذي كان مقدما مؤخرا، وفي طبعه أن أبويه إذا كبرا عالهما، وقد مدح هذا الخلق أبو الفتح كشاجم حيث يقول مخاطبا لولده:
اتخذ في خلة الكراكي
…
أتخذ فيك خلة الوطواط
أنا إن لم تبرني في عناء
…
فببري ترجو جواز الصراط
ومعنى قوله خلة الوطواط، أنه يبر ولده فلا يتركه بمضيعة، بل يحمله معه حيثما توجه، وقد كذب المحدثون جميع بن عمير التيمي في قوله: إن الكراكي تفرخ في السماء ولا تقع فراخها، وله في السنن الأربعة ثلاثة أحاديث وحسن له الترمذي لكنه من عتق الشيعة.
قال القزويني: والكراكي لا يمشي على الأرض إلا بإحدى رجليه، ويعلق الأخرى، وإن وضعها وضعها وضعا خفيفا مخافة أن تخسف به الأرض. وسيأتي إن شاء الله تعالى، في مالك الحزين طرف من هذا. ولملوك مصر وأمرائها في صيده تغال لا يدرك حده، وإنفاق مال لا يستطاع حصره وعده، فلذلك علت مملكتهم على كثير من الممالك، ولن يهلك على الله إلا هالك أو متهالك.
وفي مصنف عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس وأبي موسى، أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان نقش خاتمه كركي له رأسان، قال ابن بطال: وهذا إن كان صحيحا، فلا حجة فيه لإباحة ذلك لترك الناس العمل به، ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن التصوير.
فائدة
: ذكر السهيلي عن رواية ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في بني سعد، نزل عليه كركيان فشق أحدهما بمنقاره جوفه، ومج الآخر في فيه بمنقاره ثلجا، أو بردا أو نحو هذا. قال:
وهي رواية غريبة ذكرها يونس عنه. وفي أوائل المجالسة للدينوري، أنه «أقبل عليه صلى الله عليه وسلم طيران أبيضان، كأنهما نسران» . إلى آخره. وفي المستدرك: «فأقبل عليه صلى الله عليه وسلم طيران أبيضان كأنهما نسران» . وذكر الحديث بطوله.
وروى ابن أبي الدنيا وغيره، بإسناد يرفعه إلى أبي ذر رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله كيف علمت أنك نبي وبم علمت حتى استيقنت؟ قال صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر أتاني ملكان فوقع أحدهما بالأرض، وكان الآخر بين السماء والأرض، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال:
هو هو. قال: فزنه برجل، فوزنني برجل فرجحته. ثم قال: زنه بعشرة فوزنني بعشرة فرجحتهم.
ثم قال: زنه بمائة فوزنني فرجحتهم. ثم قال: زنه بألف فوزنني فرجحتهم. ثم قال أحدهما
لصاحبه: شق بطنه. فشق بطني، فأخرج قلبي، فأخرج منه مغمز الشيطان وعلق الدم، ثم قال أحدهما لصاحبه: اغسل بطنه غسل الإناء، واغسل قلبه غسل الملاء، ثم قال أحدهما لصاحبه:
خط بطنه، فخاط بطني، وجعل الخاتم بين كتفي كما هو الآن، ووليا عني فكأني أعاين الأمر معاينة» اهـ.
قلت: وفي هذا الحديث من الفوائد أن خاتم النبوة لم يكن قبل ذلك، واختلف العلماء في صفته على عشرين قولا حكاها الحافظ قطب الدين. ففي سيرة ابن هشام أنه كأثر المحجمة القابضة على اللحم. وفي الحديث أنه كان حوله خيلان فيها شعرات سود. وروي أنه كان كالتفاحة، وكزر الحجلة، مكتوب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله. وقد تقدم في باب الحاء المهملة ما وقع فيه للترمذي. وروى أنه كان كبيضة الحمامة.
وروى الحاكم والترمذي في المناقب عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه، قال «1» : خرج أبو طالب إلى الشأم، وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب، هبطوا فحلوا رحالهم، فخرج إليهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: هذا سيد الخلق أجمعين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين. فقال له أشياخ قريش: ما أعلمك بهذا؟ فقال: إنكم حين أشرفتم على العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا خر ساجدا لله تعالى، وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يفعل ذلك إلا لنبي وإني لأعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة.
ثم رجع فصنع لهم طعاما، فلما أتاهم به لم يجده وكان صلى الله عليه وسلم في رعية الإبل، فقال: ارسلوا إليه، فأرسلوا إليه فأقبل صلى الله عليه وسلم وعليه غمامة تظله، فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة، فلما جلس صلى الله عليه وسلم مال فيء الشجرة عليه، قال: فبينما هو قائم عليهم يناشدهم أن لا يذهبوا به إلى الروم، فإن الروم إذا رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه، فالتفت فإذا هو بسبعة من الروم قد أقبلوا، فاستقبلهم وقال: ما جاء بكم؟ قالوا: أخبرنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر، فلم يبق طريق إلا وقد بعث إليه أناس، وإنا قد أخبرنا يقينا أنه في طريقك هذا. فقال: هل خلفتم أحدا هو خير منكم؟ قالوا: لا وإنما اخترنا طريقك هذا لأجلك. قال: أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه، هل يستطيع أحد من الناس أن يرده؟ قالوا: لا. قال: فبايعوه، فبايعوه وأقاموا معه. ثم قال: أنشدكم بالله أيكم وليه؟ قالوا: أبو طالب، فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب، وبعث معه أبو بكر بلالا رضي الله عنهما، وزوده الراهب من الكعك والزيت. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. اهـ ورجال سنده جميعهم مخرج لهم في الصحيح.
قال الحافظ الدمياطي: في هذا الحديث وهمان، الأول قوله فبايعوه وأقاموا معه، والثاني قوله وبعث معه أبو بكر وبلالا، ولم يكونا معه، ولم يكن بلال أسلم ولا ملكه أبو بكر بعد، بل كان أبو بكر حينئذ لم يبلغ عشرين سنة، ولم يملك بلالا إلا بعد ذلك بأكثر من ثلاثين عاما.