الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والغنم على ضربين ضائنة وماعزة، قال الجاحظ: اتفقوا على أن الضأن أفضل من المعز.
قلت: وصرح الأصحاب بذلك في الأضحية وغيرها واستدلوا على أفضليته بأوجه منها: أن الله تعالى بدأ بذكر الضأن في القرآن، فقال: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ، وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ
«1» ، ومنها قوله تعالى، حكاية على الخصمين: إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ
«2» ولم يقل تسع وتسعون غنزا، ولي عنز واحدة. ومنها قوله تعالى: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ
«3» وأجمعوا كما قال الحافظ أنه كبش. وسيأتي الكلام على ذلك، إن شاء الله تعالى، في باب الكاف.
ومنها أن الضأن تلد في السنة مرة وتفرد غالبا، والمعز تلد مرتين وقد تثنى وتثلث والبركة في الضأن أكثر. ومنها أن الضأن إذا رعت شيئا من الكلأ فإنه ينبت وإذا رعت المعز شيئا لا ينبت، وقد تقدم، لأن المعز تقلعه من أصوله والضأن ترعى ما على وجه الأرض. ومنها أن صوف الضأن أفضل من شعر المعز وأعز قيمة، وليس الصوف إلا للضأن. ومنها أنهم كانوا إذا مدحوا شخصا قالوا: إنما هو كبش، وإذا ذموه قالوا: إنما هو تيس، وإذا أرادوا المبالغة في الذم قالوا: إنما هو تيس في سفينة. ومما أهان الله به التيس، أن جعله مهتوك الستر مكشوف القبل والدبر، بخلاف الكبش. ولهذا شبه النبي صلى الله عليه وسلم المحلل بالتيس المستعار. ومنها أن رؤوس الضأن أطيب وأفضل من رؤوس المعز، وكذلك لحمها فإن أكل لحم الماعز يحرك المرة السوداء، ويولد البلغم ويورث النسيان، ويفسد الدم، ولحم الضأن عكس ذلك انتهى.
فائدة
: قال أبو زيد: يقال لما تضعه الغنم من الضأن والمعز حال وضعه سخلة، ذكرا كان أو أنثى. والجمع سخل بفتح السين، وسخال بكسرها، ثم لا يزال اسمه ذلك مادام يرضع اللبن، ثم يقال للذكر والأنثى، بهمة بفتح الباء والجمع بهم بضمها، ويقال لولد المعز حين يولد سليل وسليط، فإذا بلغ أربعة أشهر وفصل عن أمه وأكل من البقل، فإذا كان من أولاد المعز فهو جفر. والأنثى جفرة والجمع جفار.
وذكر في كفاية المتحفظ، أن الجفر والجفرة يقعان على الطفل والطفلة من بني آدم حين يأكلان الطعام انتهى. فإذا قوي وأتى عليه حول فهو عريض بفتح العين المهملة وكسر الراء والياء المثناة التحتية، وبالضاد المعجمة في آخره وجمعه عرضان بكسر العين والعتود نوع منه وجمعه أعتدة وعتدان. وقال يونس: جمعه أعتدة وعتدة، وهو في كل ذلك جدي والأنثى عناق إذا كان من أولاد المعز، ويقال له إذا اتبع أمه تلو لأنه يتلو أمه، ويقال للجدي أمر بضم الهمزة وتشديد الميم وبالراء المهملة في آخره، ويقال له هلع وهلعة بضم الهاء وتشديد اللام، والبكرة العناق أيضا، والعطعط الجدي، فإذا أتى عليه حول، فالذكر تيس والأنثى عنز، ثم يكون جذعا في السنة الثانية والأنثى جذعة، فإذا طعن في السنة الثالثة فهو ثني، والأنثى ثنية، فإذا طعن في السنة الرابعة كان رباعيا والأنثى رباعية، ثم يكون خماسيا والأنثى خماسية، ثم يكون سداسيا والأنثى سداسية، ثم يكون ضالعا والأنثى كذلك. ويقال ضلع يضلع ضلوعا والجمع الضلع بتشديد الضاد واللام.
قال الأصمعي: الحلان والحلام من أولاد المعز خاصة. وفي الحديث «في الأرنب يصيبها المحرم حلان» . قال الجاحظ: وقد قالوا في أولاد الضأن، كما قالوا في أولاد المعز إلا في مواضع.
قال الكسائي: هو خروف في العريض من أولاد المعز، والأنثى خروفة. ويقال له حمل والأنثى رخل بفتح الراء المهملة وكسر الخاء المعجمة وجمعه رخال بضم الراء المهملة. وهو مما جمع على غير قياس كما قالوا في المرضع ظئر وظؤار، وفي ولد البقرة الوحشية فرير وفرار، وللشاة القريبة العهد بالنتاج ربى ورباب، وللعظم الذي عليه بقية من اللحم عرق وعراق، وللمولود مع قرينه توأم وتؤام، والبهمة للذكر والأنثى من أولاد الضأن والمعز جميعا، ولا يزال كذلك حتى يأكل ويجتر، ثم هو قرقر بقافين مكسورتين والجمع قرقار وقرقور. وهذا كله حين يأكل ويجتر. والجلام بكسر الجيم، الجدي أيضا والبذج بفتح الباء الموحدة والذال المعجمة وبالجيم في آخره من أولاد الضأن خاصة، والجمع بذجان.
روى ابن ماجه وشيخه ابن أبي شيبة، باسناد صحيح عن أم هانىء رضي الله تعالى عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «1» لها:«اتخذي غنما فإن فيها بركة» وشكت إليه امرأة أن غنمها لا تزكو، فقال لها صلى الله عليه وسلم:«ما ألوانها» . قالت: سود. فقال: «عفري» ، أي استبدلي، «أغناما بيضا فإن البركة فيها» . وفي الحديث «2» :«صلوا في مرابض الغنم وامسحوا رغامها» . والرغام ما يسيل من الأنف وقد تقدم، في البهيمة ما رواه أبو داود في أبواب الطهارة، عن لقيط بن صبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم، كانت له مائة شاة لا يريد أن تزيد، وكانت كلما ولدت سخلة ذبح مكانها شاة.
وروى مالك والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن» «3» . شعف الجبال، بفتح الشين المعجمة والعين المهملة رؤوسها وشعف كل شيء أعلاه قال ابن بطال: قال أبو الزناد: خص النبي صلى الله عليه وسلم الغنم من بين سائر الأشياء حضا على التواضع، وتنبيها على إيثار الخمول، وترك الاستعلاء والظهور، وقد رعى الأنبياء والصالحون الغنم. وقال «4» صلى الله عليه وسلم:«ما بعث الله نبيا إلا رعى غنما» . وأخبر «5» صلى الله عليه وسلم «أن السكينة في أهل الغنم» . وروى الطبراني والبيهقي في الشعب، عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أنه خرج في بعض نواحي المدينة ومعه أصحاب له، فوضعوا له السفرة فمر بهم راعي غنم، فسلم فقال له ابن عمر: هلم يا راعي فكل معنا، فقال: إني صائم. فقال له ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أتصوم في هذا اليوم الشديد الحر، وأنت في هذه الجبال ترعى هذه الغنم؟ فقال له: إني والله أبادر أيامي هذه الخالية. فقال له ابن عمر يريد أن يختبر ورعه: هل لك أن تبيعنا شاة من غنمك هذه فنعطيك ثمنها ونطعمك من لحمها فتفطر عليه؟ فقال: إنها ليست لي، إنها غنم سيدي. فقال له ابن عمر: وما عسى سيدك فاعلا إذا فقدها؟ وقلت: أكلها الذئب! فولى الراعي
عنه وهو يقول: فأين الله يرفع بها صوته ويشير بأصبعه إلى السماء! فجعل ابن عمر يردد قول الراعي ذلك. فلما قدم المدينة، اشترى العبد الراعي والغنم، وأعتق العبد ووهب منه الأغنام.
وروى أحمد بإسناد صحيح عن أبي اليسر عمرو بن كعب رضي الله تعالى عنه قال «1» : والله إني لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر عشية، إذ أقبلت غنم لرجل من اليهود تريد حصنهم، ونحن محاصروهم، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من يطعمنا من هذه الغنم» قلت: أنا يا رسول الله. قال:
«فافعل» . قال: فخرجت أشتد مثل الظليم، فلما نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا قال:«اللهم أمتعنا به» فأدركت الغنم، وقد وصل أوائلها الحصن، فأخذت شاتين من آخرها، فاحتضنتهما تحت يدي، ثم أقبلت بهما أشتد كأنه ليس معي شيء، حتى ألقيتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذبحوهما وأكلوهما.
وكان أبو اليسر رضي الله تعالى عنه من آخر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم موتا، وكان إذا حدث بهذا الحديث بكى، ثم قال: امتعوني بعمري حتى صرت آخرهم موتا انتهى. وكان أبو اليسر آخر البدريين موتا رضي الله تعالى عنهم.
وفي الاستيعاب وغيره قصة إسلام الأسود الحبشي الذي كان يرعى غنما لعامر اليهودي، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محاصر لبعض حصون خيبر، ومعه الغنم فقال: يا رسول الله أعرض علي الإسلام فعرضه عليه فأسلم. ثم قال: يا رسول الله إني كنت أجيرا لصاحب هذه الغنم، وهي أمانة عندي، فكيف أصنع فيها؟ فقال:«اضرب في وجوهها فسترجع إلى ربها» . فقام الأسود، فأخذ حفنة من حصى، ورمى بها في وجوهها، وقال: ارجعي إلى صاحبك، فو الله لا أصبحك بعدها أبدا، فرجعت الغنم مجتمعة، كأن سائقا يسوقها حتى دخلت الحصن، ثم تقدم يقاتل مع المسلمين، فأصابه حجر فقتله، وما صلى لله صلاة قط، فأتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد سجي بشملة كانت عليه فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعرض عنه. فقالوا: يا رسول الله لم أعرضت عنه؟
فقال صلى الله عليه وسلم: «إن معه الآن زوجتيه من الحور العين، ينفضان التراب عن وجهه، ويقولان: ترب الله وجه من ترب وجهك وقتل من قتلك» . قال أبو عمرو: إنما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنم إلى الحصن، لأن ذلك كان مصالحا عليه، أو كان قبل حل الغنائم.
وفي الحديث «2» أنه عليه الصلاة والسلام قال: «ما من نبي إلا وقد رعى الغنم» . قيل:
وأنت يا رسول الله؟ قال: «وأنا» . وثبت في صحيح البخاري، وسنن ابن ماجه، واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما بعث الله نبيا إلا راعي غنم» . فقال له أصحابه: وأنت يا رسول الله؟ قال: «وأنا كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط» «3» . قال سويد:
يعني كل شاة بقيراط.
وفي غريب الحديث للقعنبي، «بعث موسى عليه الصلاة والسلام وهو راعي غنم، وبعث داود عليه الصلاة والسلام وهو راعي غنم، وبعثت وأنا راعي غنم أهلي بأجياد» . وفي الحديث
«آجر موسى عليه الصلاة والسلام نفسه بعفة فرجه، وشبع بطنه. فقال له ختنه شعيب عليه السلام: إن لك في غنمي ما جاءت به قالب لون» . جاء تفسيره في الحديث أنها جاءت على غير ألوان أمهاتها، كأن لونها قد انقلب.
والحكمة في أن الله تعالى جعل الرعي في الأنبياء تقدمة لهم، ليكونوا رعاة الخلق، ولتكون أممهم رعايا لهم. وروى الحاكم في مستدركه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت غنما سودا دخلت فيها غنم كثير بيض» . قالوا: فما أولته يا رسول الله؟
قال: «العجم يشركونكم في دينكم وأنسابكم» . قالوا: العجم؟ يا رسول الله قال: «لو كان الايمان معلقا بالثريا لناله رجال من العجم» . وفي رواية «1» قال صلى الله عليه وسلم: «رأيت في المنام غنما سودا، يتبعها غنم عفر. يا أبا بكر عبرها» قال: هي العرب تتبعك ثم يتبعها العجم. فقال صلى الله عليه وسلم: «هكذا عبرها الملك سحرا» .
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه ينزع في قليب وحوله أغنام سود وغنم عفر، ثم جاء أبو بكر فنزع نزعا ضعيفا، والله يغفر له، ثم جاء عمر فاستحالت غربا يعني الدلو، فلم أر عبقريا يفري فريه.
فأولها الناس بالخلافة لأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، ولولا ذكر الغنم السود والعفر لبعدت الرؤيا عن معنى الخلافة والرعاية، إذ الغنم السود والعفر عبارة عن العرب والعجم. وأكثر المحدثين لم يذكروا الغنم في هذا الحديث. وذكره الإمام أحمد والبزار في مسنديهما وبه يصح المعنى.
ودخل أبو مسلم الخولاني على معاوية، فقال: السلام عليك أيها الأجير. فقالوا: قل:
السلام عليك أيها الأمير. فقال: السلام عليك أيها الأجير. فقالوا: قل: السلام عليك أيها الأمير. فقال: السلام عليك أيها الأجير. فقال لهم معاوية: دعوا أبا مسلم فإنه أعلم بما يقول.
فقال أبو مسلم: إنما أنت أجير استأجرك رب هذه الغنم لرعايتها، فإن أنت هنأت جرباها، وداويت مرضاها، وحبست أولاها على أخراها، وقاك سيدها. وإن أنت لم تهنأ جرباها، ولم تداو مرضاها، ولم تحبس أولاها على أخراها، عاقبك سيدها.
وفي رسالة القشيري، في باب الدعاء، أن موسى عليه الصلاة والسلام مر برجل يدعو ويتضرع فقال موسى: إلهي لو كانت حاجته بيدي لقضيتها! فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى أنا أرحم به منك، ولكنه يدعوني وله غنم، وقلبه عند غنمه، وأنا لا أستجيب لعبد يدعوني وقلبه عند غيري. فذكر موسى للرجل ذلك، فانقطع إلى الله تعالى بقلبه فقضيت حاجته.
وفي المجالسة للدينوري، من حديث حماد بن زيد، عن موسى بن أعين الراعي، قال:
كانت الغنم والأسد والوحش ترعى في خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه، في موضع واحد، فعرض ذات يوم لشاة منها ذئب، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما أرى الرجل الصالح إلا قد هلك. قال: فحسبناه فوجدناه قد مات في تلك الساعة.