الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتوكل: كيف أحسنت؟ قال: أحسنت إلى العصفور، ويروى عن الجنيد، أنه قال: أخبرني محمد بن وهب عن بعض أصحابه أنه حج مع أيوب الجمال قال: فلما دخلنا البادية، وسرنا منازل، إذ بعصفور يحوم حولنا، فرفع أيوب رأسه إليه وقال له: قد جئت إلى هنا! فأخذ كسرة خبز ففتها في كفه فانحط العصفور وقعد على كفه، فأكل منها ثم صب له ماء فشربه، ثم قال له: اذهب الآن فطار العصفور، فلما كان من الغد، رجع العصفور، ففعل أيوب مثل فعله في اليوم الأول، فلم يزل كل يوم يفعل به مثل ذلك، إلى آخر السفر. ثم قال أيوب: أتدري ما قصة هذا العصفور؟
قال: لا. قال: إنه كان يجيئني في منزلي كل يوم، فكنت أفعل به في ما رأيت، فلما خرجنا تبعنا يطلب منا ما كنت أفعل به في المنزل.
روى البيهقي وابن عساكر، بسندهما إلى أبي مالك، قال: مر سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام بعصفور يدور حول عصفورة، فقال لأصحابه: أتدرون ما يقول؟ قالوا: وما يقول يا نبي الله؟ قال: يخطبها لنفسه، ويقول: تزوجيني أسكنك أي قصور دمشق شئت. قال سليمان: وإنه عرف أن قصور دمشق مبنية بالصخر، لا يقدر أن يسكنها، لكن كل خاطب كذاب. وسيأتي إن شاء الله تعالى له نظير، في باب الفاء، في الفاختة، وكان سليمان عليه السلام يعرف ما يتخاطب به الطيور بلغاتها، ويعبر للناس عن مقاصدها وإرادتها كما تقدم في باب الطاء المهملة، في الطيطوي. قال الله تعالى حكاية عنه: يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ
«1» وكذلك كان يعرف لغات ما عداها من الحيوانات وسائر صنوف المخلوقات.
فائدة
: روى مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أنها قالت، حين توفي صبي من الأنصار، بين أبوين مسلمين: طوبى له عصفور من عصافير الجنة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أو غير ذلك أن الله تعالى خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم» «2» ومن الناس من قدح في هذا الحديث بأنه من رواية طلحة بن يحيى وهو متكلم فيه. والصواب صحته وهو في صحيح مسلم ولكنه صلى الله عليه وسلم نهانا عن المسارعة إلى القطع، أو أنه قال ذلك قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة كذا. قال بعضهم: وليس بصحيح لأن سورة الطور مكية ودلت على تبعيتهم، أو أن قطع عائشة بذلك قطع بايمان أبويه، ويحتمل أن يكونا منافقين، فيكون الصبي ابن كافرين. وروى ابن قانع، في ترجمة الشريد بن سويد الثقفي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «3» :«من قتل عصفورا عبثا عج إلى الله يوم القيامة، فقال: يا رب عبدك قتلني عبثا ولم يقتلني لمنفعة» . وروى في حديث آخر أن رجلا من أهل الصفة استشهد، فقالت له أمه:
هنيئا لك عصفور من عصافير الجنة، هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتلت في سبيل الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«وما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا ينفعه ويمنع ما لا يضره» .
وروى البيهقي في الشعب، عن مالك بن دينار، قال: مثل قراء هذا الزمان، مثل رجل نصب فخا، فجاء عصفور فوقع في فخه فقال: ما لي أراك مغيبا في التراب؟ قال: للتواضع،
قال: فمم حنيت؟ قال: من طول العبادة. قال: فما هذه الحبة في فيك؟ قال: أعددتها للصائمين. فلما أمسى تناول الحبة فوقع الفخ في عنقه فخنقه. فقال العصفور: إن كان العباد يخنقون خنقك فلا خير في العباد اليوم. وفيه أيضا عن الحسن، أن لقمان قال لابنه: يا بني حملت الجندل والحديد، وكل حمل ثقيل فلا أجد شيئا أثقل من الجار السوء، وذقت المرار كله فلم أذق شيئا أمر من الفقر، يا بني لا ترسل رسولا جاهلا فإن لم تجد حكيما، فكن رسول نفسك. يا بني إياك والكذب، فإنه شهي كلحم العصفور، وعما قليل يقلي صاحبه. يا بني احضر الجنائز ولا تحضر العرس، فإن الجنائز تذكرك الآخرة والعرس يشهيك الدنيا. يا بني لا تأكل شبعا على شبع، فإنك إن تلقيه إلى الكلب خير لك من أن تأكله. يا بني لا تكن حلوا فتبلع، ولا مرا فتلفظ.
ورأيت في بعض المجاميع عن الحسن، أن لقمان قال لابنه: يا بني اعلم أنه لا يطأ بساطك إلا راغب فيك، أو راهب منك، فأما الراهب منك الخائف فأدن مجلسه وتهلل في وجهه، وإياك والغمز من ورائه، وأما الراغب فيك فاظهر له البشاشة مع صفاء الباطن له، وأبدأه بالنوال قبل السؤال، فإنك إن تلجئه إلى السؤال منك تأخذ من حر وجهه ضعفي ما تعطيه. وأنشدوا على هذا:
إذا أعطيتني بسؤال وجهي
…
فقد أعطيتني وأخذت مني
يا بني ابسط حملك للقريب والبعيد، وأمسك جهلك عن الكريم واللئيم، وصل أقاربك، وليكن إخوانك من إذا فارقتهم وفارقوك، لم تعبهم ولم يعيبوك اهـ.
وقد أذكرني هذا، ما حكاه بعض أشياخي أن الاسكندر وجه رسولا إلى بعض ملوك الشرق فعاد رسوله برسالة، شك الاسكندر في حرف منها، فقال له الاسكندر: ويحك إن الملوك لا يخاف عليها إلا إذا مالت بطانتها، وقد جئتني برسالة صحيحة الألفاظ، بينة العبارة، غير أن فيها حرفا ينقصها، فعلى يقين أنت منه أم شاك فيه؟ فقال الرسول: على يقين. فأمر الاسكندر أن تكتب ألفاظها حرفا حرفا، وتعاد إلى الملك مع رسول آخر، فتقرأ عليه وتترجم له. فلما قرىء الكتاب على الملك، مر بذلك الحرف فأنكره، فقال للمترجم: ضع يدك على هذا الحرف، فوضعها وأمر أن يقطع ذلك الحرف، فقطع من الكتاب، وكتب إلى الاسكندر رأس المملكة صحة فطنة الملك، ورأس الملك صدق لهجة رسوله، إذا كان عن لسانه ينطق، وإلى اذنه يؤدي وقد قطعت ما لم يكن من كلامي، إذ لم أجد إلى قطع لسان رسولك سبيلا. فلما جاء الرسول بهذا إلى الاسكندر، دعا الرسول الأول، وقال له: ما حملك على كلمة أردت بها الفساد بين ملكين؟
فأقر الرسول أن ذلك لتقصير رآه من الموجه إليه، فقال له الاسكندر: ما أراك سعيت إلا لنفسك لا لنا، فلما فاتك ما أملت، جعلت لك ثأرا في الأنفس الخطيرة الرفيعة. ثم أمر بلسانه فنزع من قفاه. وقال يحيى بن خالد بن برمك: ثلاثة أشياء تدل على عقول الرجال: الهدية والرسول والكتاب.
وسمع أبو الأسود الدؤلي رجلا ينشد:
إذا كنت في حاجة مرسلا
…
فأرسل حكيما ولا توصه
فقال: قد أساء قائل هذا أيعلم الغيب إذا لم يوصه كيف يعلم ما في نفسه؟ هلا قال:
إذا أرسلت في أمر رسولا
…
فأفهمه وأرسله أديبا
ولا تترك وصيته بشيء
…
وإن هو كان ذا عقل أريبا
فإن ضيعت ذاك فلا تلمه
…
على أن لم يكن علم الغيوبا
وفي تاريخ ابن خلكان وغيره من التواريخ، أن الزمخشري «1» كان مقطوع الرجل، فسئل عن ذلك. فقال: دعاء الوالدة، وذلك أني كنت في صباي أمسكت عصفورا وربطته بخيط في رجله، فأفلت من يدي وأدركته وقد دخل في خرق من الجدار، فجذبته فانقطعت رجله بالخيط، فتألمت والدتي لذلك، وقالت: قطع الله رجل الأبعد كما قطعت رجله! فلما وصلت إلى سن الطلب، رحلت إلى بخارى لطلب العلم، فسقطت عن الدابة فانكسرت رجلي، وعملت عملا أوجب قطعها.
وفي الحلية للحافظ أبي نعيم، في ترجمة زين العابدين، قال أبو حمزة اليماني: كنت عند علي بن الحسين، فإذا عصافير يطرن حوله ويصرخن، فقال: يا أبا حمزة هل تدري ما تقول هذه العصافير؟ قلت: لا. قال: إنها تقدس ربها جل وعلا، وتسأله قوت يومها.
وفي الصحيحين وسنن النسائي وجامع الترمذي، من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن أبي بن كعب وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«قام موسى خطيبا في بني إسرائيل، فسئل أي الناس أعلم فقال: أنا أعلم، فعتب الله تعالى عليه إذا لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إلى موسى، أن عبدا من عبادي، بمجمع البحرين هو أعلم منك» «2» .
وفي الرواية الأخرى أنه قيل له: هل تعلم أحدا أعلم منك؟ قال موسى: لا فأوحى الله تعالى إلى موسى، بل عبدنا خضر. فقال: يا رب وكيف به؟ فقال له: احمل حوتا في مكتلك، فإذا فقدته فهو، ثم انطلق، وانطلق معه فتاه يوشع بن نون، وحملا حوتا في مكتل، حتى إذا كانا عند الصخرة، وضعا رؤوسهما، فناما وانسل الحوت من المكتل، فاتخذ سبيله في البحر سربا، وكان لموسى ولفتاه عجبا، فانطلقا بقية ليلتهما ويومهما حتى أصبحا، فقال موسى لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا. ولم يجد موسى شيئا من النصب حتى جاوز المكان الذي أمر به. فقال له فتاه: أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت. قال موسى: ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا، فلما انتهيا إلى الصخرة، إذا رجل مسجى بثوب أو قال: تسجى بثوبه فسلم موسى.
وفي الرواية الأخرى وكان يتبع أثر الحوت في البحر، فقال الخضر: وأني بأرضك السلام فقال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. ثم قال: هل أتبعك على أن تعلمني مما