الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأحبار، وهو عند عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فقال كعب: يا أمير المؤمنين، ألا أخبرك بأغرب شيء قرأته في كتب الأنبياء عليهم السلام: أن هامة جاءت إلى سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام، فقالت: السلام عليك يا نبي الله، فقال: وعليك السلام يا هامة، أخبريني كيف لا تأكلين من الزرع؟ قالت: يا نبي الله، إن آدم أخرج من الجنة بسببه، قال: فكيف لا تشربين الماء؟ قالت: يا نبي الله لأنه غرق فيه قوم نوح فمن أجل ذلك لا أشربه، قال لها سليمان: كيف تركت العمران وسكنت الخراب؟ قالت: لأن الخراب ميراث الله، فأنا أسكن ميراث الله، قال الله تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ
«1» .
فالدنيا ميراث الله كلها، قال سليمان: فما تقولين إذا جلست فوق خربة؟
قالت: أقول أين الذين كانوا يتنعمون فيها؟ قال سليمان: فما صياحك في الدور، إذا مررت عليها؟ قالت: أقول: ويل لبني آدم كيف ينامون وأمامهم الشدائد؟ قال سليمان عليه السلام: فما لك لا تخرجين بالنهار؟ قالت: من كثرة ظلم بني آدم لأنفسهم، قال:
فأخبريني ما تقولين في صياحك؟ قالت: أقول: تزودوا يا غافلين، وتهيئوا لسفركم، سبحان خالق النور. فقال سليمان عليه السلام: ليس في الطيور طير أنصح لابن آدم، ولا أشفق عليه من الهامة، وما في قلوب الجهال أبغض منها.
فرع
في فتاوي قاضي خان: إذا صاحت الهامة فقال أحد: يموت رجل، فقال بعضهم:
يكون ذلك كفرا إنما يقال هذا على جهة التفاؤل انتهى. وهو قريب مما تقدم في العقعق.
والهوام حشرات الأرض وروى ابن حبان وأبو داود الطيالسي، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن هذه الهوام من الجن فإذا رأى أحدكم في بيته شيئا منها فليحرج عليه ثلاث مرات» «2» قال في النهاية: هو أن يقول لها: أنت في حرج إن عدت إلينا فلا تلومينا أن نضيق عليك بالتتبع والطرد والقتل.
وروى «3» البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ الحسن والحسين يقول: «أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة» ، ثم يقول صلى الله عليه وسلم:«كان أبوكما إبراهيم عليه السلام يعوذ بها إسماعيل واسحاق عليهما الصلاة والسلام» .
قال الخطابي: الهامة إحدى الهوام ذوات السموم كالحية والعقرب ونحوهما، فإن قيل: في هذا الحديث دليل على أن للهامة حقيقة. فالجواب أن الهامة هنا بالتشديد، وتلك بالتخفيف كما تقدم. والمراد هنا هوام الأرض من الحيات والعقارب ونحوهما، كما قاله الخطابي، أو المراد كل ما يهم بالأذى، وهو اسم فاعل من هم يهم فهو هامة كأنه صلى الله عليه وسلم قال: أعيذكما من شر كل نسمة هامة بالأذى، وقوله عليه الصلاة والسلام:«ومن كل عين لامة» معناه ذات لمم، قال الخطابي: وكان
أحمد بن حنبل رحمه الله يستدل بقوله «بكلمات الله التامة» على أن القرآن غير مخلوق، ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستعيذ بمخلوق، وما من كلام مخلوق إلا وفيه نقص، فالموصوف منه بالتمام هو غير مخلوق وهو كلام الله تعالى.
وفي الصحيحين وغيرهما، عن كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه، قال: فيّ أنزلت هذه الآية «1» فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:«أدنه» فدنوت ثم قال: «ادنه» فدنوت، فقال «2» صلى الله عليه وسلم:«أيؤذيك هوامك» ؟ قال ابن عوف: أظنه قال: نعم.
فأمرني بفدية من صيام أو صدقة أو نسك ما تيسر.
وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «3» :«إن لله مائة رحمة، واحدة بين الجن والأنس والبهائم والهوامّ فيها يتعاطفون ويتراحمون، وبها تعطف الوحوش على أولادها، وأخر تسعا وتسعين رحمة، يرحم الله بها عباده يوم القيامة» . وسيأتي هذا في باب الواو، في لفظ الوحش إن شاء الله تعالى.
وفي الإحياء، في فضل الجمعة، يقال: إن الطير والهوام يلقي بعضها بعضها في يوم الجمعة، فتقول: سلام سلام يوم صالح، وهو كذلك في قوت القلوب أيضا.
وفي كتاب فردوس الحكمة، آية في كتاب الله، من قرأها يأمن من الهوام إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
«4» وقد تقدم نظير هذا في باب الباء الموحدة، في البراغيث من رواية ابن أبي الدنيا، في كتاب التوكل، إن عامل أفريقية كتب إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه، يشكو إليه الهوام والعقارب، فكتب إليه: وما على أحدكم إذا أمسى وأصبح أن يقول: وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا
«5» الآية.
وفي كتاب النصائح، أن بعض السياحين، كان مقداما على كل هول يخافه المسافرون، غير متحفظ من الهوام والسباع، فتعجب منه قوم وخوفوه الغرر بنفسه، فقال: إني على بصيرة من أمري، وذلك أني سافرت تاجرا مع رفقة، فكان سراق الأعراب، يطوفون بنا كل ليلة، وكنت أشد أصحابي ذكرا وأطولهم سهرا، وكنت قد أكتريت مع رجل من الأعراب أعرفه بالصلاح والدين فلما رآني على هذه الحالة، قال: صل على محمد صلى الله عليه وسلم مائة مرة، ونم آمنا، ففعلت ذلك ونمت، فإذا رجل يوقظني فارتعت وقلت: من أنت؟ فقال: اصطنعني واستتبني، قلت: مالك؟ قال:
هذه يدي قد احتبسها متاعك، وإذا هو قد شق عدلا كنت نائما عليه، وأدخل يده لاستخراج الثياب منه، فلم يستطيع إخراج يده فأيقظت المكاري وأخبرته وسألته أن يدعو له، فقال: أنت