الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إضمار الفعل المتروك، كأنه قال: اغد غدة. قلت: ومن الأوهام أن المستغفري ذكر في كتابه معرفة الصحابة عامر بن الطفيل، وقال: إنه أسلم وسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه كلمات يعيش بهن، فقال صلى الله عليه وسلم:«يا عامر أفش السلام وأطعم الطعام واستحي من الله حق الحياء، وإذا أسأت فأحسن، فإن الحسنات يذهبن السيآت» انتهى.
والصواب أن عامر بن الطفيل لم يؤمن بالله طرفة عين، ولم يختلف أحد من أهل النقل، في ذلك. وأما أربد المذكور، فهو أخو لبيد الشاعر الذي عاش في الإسلام ستين سنة لم يقل فيها شعرا، سأله عمر رضي الله تعالى عنه عن تركه الشعر؟ فقال: ما كنت لأقول شعرا بعد أن علمني الله البقرة وآل عمران. فزاد عمر في عطائه خمسمائة درهم من أجل هذا القول. فكان عطاؤه ألفين وخمسمائة، فلما كان زمن معاوية أراد أن ينقصه الخمسمائة، فقال له: ما بال العلاوة فوق الفودين؟
فقال له لبيد رضي الله تعالى عنه: آن أن أموت ويصير لك العلاوة والفودان. فرق له معاوية وتركها له، ومات لبيد بعد ذلك بأيام قليلة، وقد قيل: إنه قال «1» في الإسلام بيتا واحدا وهو:
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي
…
حتى لبست من الإسلام سربالا
وقيل: قال:
ولقد سئمت من الحياة وطولها
…
وسؤال هذا الناس كيف لبيد «2»
الأمثال
: قالوا «3» : «اسفد من هجرس» «وأغلم «4» وأنزى» «5» .
الهجرع:
الكلب السلوقي الخفيف، قاله ابن سيده.
الهجين:
من الخيل والناس، الذي أبوه عربي وأمه غير عربية، والهجان من الإبل البيض، يستوي فيه الذكر والمؤنث، يقال: بعير هجان، وناقة هجان، وإبل هجان، وامرأة هجان، أي كريمة.
الهدهد:
بضم الهاءين وإسكان الدال المهملة بينهما، طائر معروف ذو خطوط وألوان كثيرة، وكنيته أبو الأخبار وأبو ثمامة وأبو الربيع وأبو روح وأبو سجاد وأبو عباد. ويقال له الهداهد، قال الراعي:
كهداهد كسر الرماة جناحه.
والجمع الهدهد بالفتح، وهو طير منتن الريح طبعا لأنه يبني أفحوصه في الزبل، وهذا عام في جميع جنسه، ويذكر عنه أنه يرى الماء في باطن الأرض، كما يراه الانسان في باطن الزجاجة، وزعموا أنه كان دليل سليمان على الماء، ولهذا السبب تفقده لما فقده. وكان سبب غيبة الهدهد عن سليمان عليه الصلاة والسلام، أن سليمان عليه السلام، لما فرغ من بناء بيت المقدس، عزم على
الخروج إلى أرض الحرم، فتجهز واستصحب من الجن والإنس والشياطين والطير والوحش، ما بلغ من عسكره مائة فرسخ، فحملتهم الريح، فلما وافى الحرم، أقام به ما شاء الله أن يقيم، وكان ينحر كل يوم، طول مقامه بمكة خمسة آلاف ناقة، ويذبح خمسة آلاف ثور، وعشرين ألف شاة، وأنه قال لمن حضره من أشراف قومه:
إن هذا مكان يخرج منه نبي عربي من صفته كذا وكذا ويعطى النصر على من ناوأه، وتبلغ هيبته مسيرة شهر، القريب والبعيد عنده في الحق سواء، لا تأخذه في الله لومة لائم. قالوا: فبأي دين يدين يا نبي الله؟ قال: بدين الحنيفية، وطوبى لمن أدركه وآمن به قالوا: فكم بيننا وبين خروجه يا نبي الله؟ قال: مقدار ألف عام، فليبلغ الشاهد منكم الغائب فإنه سيد الأنبياء وخاتم الرسل.
وأقام سليمان عليه السلام بمكة، حتى قضى نسكه، ثم خرج من مكة صباحا، وسار نحو اليمن، فوافى صنعاء وقت الزوال، وذلك مسيرة شهر، فرأى أرضا حسناء تزهو خضرتها، فأحب النزول فيها ليصلي ويتغدى، فلما نزل، قال الهدهد: إن سليمان قد اشتغل بالنزول، فارتفع نحو السماء، فنظر إلى طول الدنيا وعرضها، يمينا وشمالا، فرأى بستانا لبلقيس، فمال إلى الخضرة فوقع فيه، فإذا هو بهدهد من هداهد اليمن، فهبط عليه، وكان اسم هدهد سليمان يعفور، فقال هدهد اليمن ليعفور: من أين أقبلت وأين تريد؟ قال: أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان بن داود عليهما السلام فقال: ومن سليمان؟ قال: ملك الجن والإنس والشياطين والطير والوحش والريح، وذكر له من عظمة ملك سليمان وما سخر الله له من كل شيء، فمن أين أنت؟ فقال له الهدهد الآخر: أنا من هذه البلاد، ووصف له ملك بلقيس، وأن تحت يدها اثني عشرة ألف قائد، تحت يد كل قائد مائة ألف مقاتل، ثم قال: فهل أنت منطلق معي حتى تنظر إلى ملكها؟
فقال: أخاف أن يتفقدني سليمان في وقت الصلاة، إذا احتاج إلى الماء فقال الهدهد الثاني: إن صاحبك يسره أن تأتيه بخبر هذه الملكة، فمضى معه ونظر إلى ملك بلقيس، وما رجع إلى سليمان إلا بعد العصر.
وكان سليمان قد نزل على غير ماء، فسأل الإنس والجن والشياطين عن الماء؟ فلم يعلموا له خبرا فتفقد الطير، ففقد الهدهد، فدعا عريف الطير وهو النسر، فسأله عن الهدهد فلم يجد عنده علمه، فغضب سليمان عليه السلام عند ذلك، وقال: لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً
«1» الآية. ثم دعا بالعقاب وهو سيد الطير، فقال له: علي بالهدهد الساعة، فارتفع في الهواء فنظر إلى الدنيا كالقصعة في يد الرجل، ثم التفت يمينا وشمالا، فإذا هو بالهدهد مقبلا من نحو اليمن، فانقض عليه العقاب يريده، فناشده الله، وقال: أسألك بحق الذي قواك وأقدرك علي إلا ما رحمتني، ولم تتعرض لي بسوء، فتركه ثم قال له: ويلك ثكلتك أمك، إن نبي الله قد حلف ليعذبنك أو يذبحنك! فقال الهدهد: أو ما ستثنى نبي الله قال: بلى، قال: أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ
«2» قال الهدهد: قد نجوت إذا. ثم طار الهدهد والعقاب، حتى أتيا سليمان عليه السلام، فلما قرب منه
الهدهد أرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض تواضعا، فأخذ سليمان رأسه فمده إليه، وقال: يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله عز وجل، فارتعد سليمان وعفا عنه. ثم سأله عن سبب غيبته، فأخبره بأمر بلقيس، وقد تقدمت الإشارة إلى طرف من قصتها في باب الدال والعين المهملتين في الكلام على الدود والعفريت.
قال الزمخشري: وكان السبب في تخلفه وغيبته عن سليمان عليه السلام، أنه حين نزل سليمان حلق الهدهد، فرأى هدهدا واقفا فوصف له ملك سليمان، وما سخر له من كل شيء، وذكر له صاحبه ملك بلقيس، وأن تحت يدها اثني عشرة ألف قائد، تحت كل قائد مائة ألف، فذهب معه لينظر فما رجع إلا بعد العصر، فدعا سليمان عليه السلام عريف الطير وهو النسر فلم يجد عنده علمه. فقال لسيد الطير، وهو العقاب: علي به، فارتفعت فنظرت فإذا هو مقبل، فقصدته فناشدها الله تعالى، وقال: بحق الذي قواك وأقدرك علي إلا ما رحمتني. فتركته، وقالت:
ثكلتك أمك إن نبي الله حلف ليعذبنك، قال: أو ما ستثنى؟ قالت: بلى قال: أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ
«1» فلما قرب من سليمان، أرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض تواضعا له، فلما دنا منه أخذ رأسه فمده إليه فقال: يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله، فارتعد سليمان وعفا عنه ثم سأله. وأما قوله: لأعذبنه، فتعذيبه بما يحتمله حاله ليعتبر به أبناء جنسه.
وقيل: كان عذاب سليمان عليه السلام للطير، أن ينتف ريشه وذنبه ويلقيه في الشمس ممعطا، لا يمتنع من النمل ولا من هوام الأرض، وهو أظهر الأقاويل. وقيل: إنه يطلى بالقطران ويشمس، وقيل: أن يلقى للنمل تأكله، وقيل: إيداعه القفص، وقيل: التفريق بينه وبين إلفه، وقيل: إلزامه صحبة الأضداد.
وعن بعضهم أنه قال: أضيق السجون صحبة الأضداد، وقيل: حبسه مع غير جنسه، وقيل: الزامه خدمة أقرانه، وقيل: تزويجه عجوزا. فإن قلت: من أين أحل له تعذيب الهدهد؟
قلت: يجوز أن يبيح الله له ذلك، كما أباح ذبح البهائم والطيور للأكل وغيره من المنافع.
وحكى القزويني أن الهدهد قال لسليمان عليه السلام: أريد أن تكون في ضيافتي قال: أنا وحدي، قال: بل أنت وأهل عسكرك في جزيرة كذا في يوم كذا فحضر سليمان عليه السلام بجنوده فطار الهدهد فاصطاد جرادة فخنقها ورمى بها في البحر، وقال: كلوا، يا نبي الله من فاته اللحم، ناله المرق. فضحك سليمان وجنوده من ذلك حولا كاملا. وفي ذلك قيل:
جاءت سليمان يوم العرض هدهدة
…
أهدت له من جراد كان في فيها
وأنشدت بلسان الحال قائلة
…
إنّ الهدايا على مقدار مهديها
لو كان يهدى إلى الإنسان قيمته
…
لكان يهدى لك الدنيا وما فيها
قال عكرمة: إنما صرف سليمان عليه السلام عن ذبح الهدهد، لأنه كان بارا بأبويه، ينقل الطعام إليهما فيزقهما في حال كبرهما.
قال الجاحظ: وهو وفاء حفوظ ودود، وذلك أنه إذا غابت أنثاه، فلم يأكل ولم يشرب، ولم يشتغل بطلب طعم ولا غيره، ولا يقطع الصياح حتى تعود إليه، فإن حدث حادث أعدمه إياها، لم يسفد بعدها أنثى أبدا، ولم يزل صائحا عليها ما عاش، ولم يشبع بعدها أبدا بطعم، بل ينال منه ما يمسك رمقه، إلى أن يشرف على الموت، فعند ذلك ينال منه يسيرا.
وفي الكامل، وشعب الإيمان للبيهقي، أن نافع بن الأزرق، سأل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فقال: سليمان عليه السلام، مع ما خوله الله من الملك وأعطاه، كيف عنى بالهدهد مع صغره؟ فقال له ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إنه احتاج إلى الماء، والهدهد كانت الأرض له كالزجاج كما تقدم. فقال ابن الأزرق لابن عباس: قف يا وقاف كيف يبصر الماء من تحت الأرض، ولا يرى الفخ إذا غطى له بقدر أصبع من تراب؟ فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إذا نزل القضاء عمي البصر وأنشدوا في ذلك لأبي عمرو الزاهد:
إذا أراد الله أمرا بامرىء
…
وكان ذا عقل ورأي وبصر
وحيلة يفعلها في دفع ما
…
يأتي به محتوم أسباب القدر
غطى عليه سمعه وعقله
…
وسله من ذهنه سلّ الشعر
حتى إذا أنفذ فيه حكمه
…
رد عليه عقله ليعتبر
ونافع ابن الأزرق هو رأس فرقة من الخوارج، يقال لها الأزارقة، يكفرون علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه إذ حكم، وهو قبل التحكيم عندهم إمام عدل، ويكفرون الحكمين أبا موسى وعمرا. ويرون قتل الأطفال ولا يقيمون الحدود على من قذف محصنا، ويقيمونها على قذف المحصنات وغير ذلك من الأقوال. وأنشد أبو الشيص «1» في صفة الهدهد «2» :
لا تأمنن على سري وسرّكم
…
غيري وغيرك أو طي القراطيس
أو طائر سوف أجليه وأنعته
…
ما زال صاحب تنقير وتدريس
سود براثنه ميل ذوائبه
…
صفر حمالقه في الحسن مغموس
البراثن بالباء الموحدة وبالثاء المثلثة وبالنون في آخره: اظفاره، والذوائب ريشه، والحمالق الأجفان.
قال أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، صاحب دمية القصر، وهي ذيل يتيمة الدهر، قتل سنة سبع وستين وأربعمائة:
لا تنكري يا عز إن ذلّ الفتى
…
ذو الأصل واستعلى خسيس المحتد
إنّ البزاة رؤوسهن عواطف
…
والتاج معقود برأس الهدهد