الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من غير تمييز، مع اعتبار حالة اليسار والثروة دون المحتاجين. وأصحاب الضرورات، وحالتي الخصب والرفاهية دون حالتي الجدب والشدة.
وقال بعضهم: المعتبر هنا العرب الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الخطاب كان لهم. وقال ابن عبد البر، في التمهيد: ذكر عبد الرزاق قال: أخبرني رجل من ولد سعيد بن المسيب قال: أخبرني يحيى بن سعيد قال: كنت عند سعيد بن المسيب، فجاءه رجل من غطفان، فسأله عن الورل فقال: لا بأس به، وإن كان معكم منه شيء فاطعمونا منه. قال عبد الرزاق:
والورل يشبه الضب اهـ.
وقد ذكر في كتاب رفع التمويه فيما يرد على التنبيه، ما حاصله أنه فرخ التمساح، وقال:
لأن التمساح يبيض في البر فإذا خرجت فراخه نزل بعضها في البحر، وبقي بعضها في البر فما نزل إلى البحر صار تمساحا، وما بقي في البر صار ورلا. قال: فعلى هذا يكون في حله الوجهان كما في التمساح اهـ.
وهذا الذي قاله لا أعتقد صحته، وذلك لأن الورل ليس على صفات التمساح، لأن جلده يخالف جلده في النعومة وأيضا فإنه لو كان من التمساح لأخذ في الكبر حتى يصير في حجمه، والورل في المقدار لا يزيد على ذراع ونصف أو ذراعين، والتمساح يبلغ عشرة أذرع وأكثر.
تنبيه مهم
: إعلم أنه تقدم في هذا الكتاب حيوانات لم تتعرض الأصحاب لها بالحل ولا بالحرمة، وذلك نحو البلنصى والدبل والقرعبلان والقرز والقنفشة والورل وغير ذلك، إلا أنهم أعطوا قواعد كلية عامة وقواعد خاصة، وذلك لما أيسوا من الطمع في حصر أنواع الحيوانات.
فمن قواعدهم الخاصة: تحريم كل ذي ناب من السباع، ومخلب من الطير، وكل ما يقتات من النجاسات والخبائث، وكل ما نهي عن قتله أو أمر بقتله، أو تولد بين مأكول وغيره، وكل نهاش والحشرات بأسرها، إلا الضب واليربوع والقنفذ وابن عرس والدلدل.
ومن قواعدهم الخاصة أيضا تحليل كل ذات طوق ولقاط وطيور الماء كلها، إلا اللقلق كما تقدم. ومن هذه القواعد يؤخذ تحريم الورل لأنه من الحشرات، ولم يستثنوه. وكذا غيره من الحشرات كالخلد والربارب وفأرة البيش والإيل ومما يدل على منع أكل الورل قول الجاحظ وغيره:
إن الورل يقوي على الحيات ويأكلها أكلا ذريعا ويخرجها من جحرها ويسكن فيه قال: وبراثن الورل أقوى من براثن الضب إلا أن الورل يخرج الحية من جحرها، ولا يحفر خوفا منه على براثنه.
ثم المعنى بقولهم ما أمر بقتله لمعنى فيه كالفواسق الخمس أما ما أمر بقتله لمعنى في غيره فلا يحرم، ومن ذلك الدابة المأكولة إذا وطئت فإنه يجب ذبحها ولا يحرم أكلها على الصحيح، وإن ورد الأمر بقتلها لأن ذلك ليس لمعنى فيها، بل هو في غيرها وهو تعبير الزاني وتذكره الفاحشة برؤيتها.
وقد أمر عمر رضي الله تعالى عنه بقتل الديكة لأنهم كانوا يتهارشون بها وأمر بقتل الحمام لأنهم كانوا يلعبون بها، ويؤذون الناس بصعودهم الأسطحة والرمي بالأحجار.
وقولهم: ما نهي عن قتله فحرام، يعنون به ما نهي عن قتله إكراما له. قال «1» : الخطابي:
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الهدهد كرامة له، لأنه أطاع نبيا لا أنه حرام ونقله عنه العبادي وقضيته ترجيح وجه القائل بحل الصرد لأن النهي عن قتله لأمر خارج عنه لا لمعنى فيه، ولما كانت هذه القواعد غير تامة لجميع الحيوان، ذكر الأصحاب قاعدة عامة وهي الاستطابة والاستخباث، وعليها مدار الباب. قال الرافعي: من الأصول المرجوع إليها في التحريم والتحليل الاستطابة والاستخباث. ورآه الشافعي والأصل العظيم المعتمد فيه قوله «2» تعالى: يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ
وليس المراد بالطيب هنا الحلال. وإن كان قد يرد الطيب بمعنى الحلال، لأن الحمل عليه يخرج الآية عن الإفادة.
قال الأئمة: ويبعد الرجوع إلى طبقات الناس، وتنزيل كل قوم على ما يستطيبونه ويستخبثونه، لأن ذلك يوجب اختلاف الأحكام في الحلال والحرام، وذلك يخالف موضوع الشرع في حمل الناس على شرع واحد، ورأوا العرب أولى الأمم بأن يؤخذ باستطابتهم واستخبائهم، لأنهم المخاطبون أولا والدين عربي والنبي صلى الله عليه وسلم عربي، وإنما يرجع إلى سكان البلاد والقرى دون أجلاف سكان البوادي الذين يأكلون مادب ودرج من غير تمييز، مع اعتبار حالة اليسار والثروة دون المحتاجين وأصحاب الضرورات، وحالتي الخصب والرفاهية دون حالتي الجدب والشدة.
وقال بعضهم: المعتبر الرجوع إلى عادة العرب الذين كانوا في عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الخطاب كان لهم.
ويشبه أن يقال: يرجع في كل زمان إلى العرب الموجودين فيه. ويدل لهذا التوجيه ما تقدم، في باب العين المهملة، في لفظ العضاري، عن أبي عاصم العبادي، أنه حكى عن الأستاذ أبي طاهر الزيادي أنه قال: كنا نرى العضاري حراما ونفتي بتحريمه، حتى ورد علينا الأستاذ أبو الحسن الماسرجيني فقال: إنه حلال، فبعثنا منه جوابا إلى البادية وسألنا العرب عنه فقالوا: هذا هو الجراد المبارك، فرجعوا إلى قول العرب فيه. وإذا اختلف المرجوع إليهم فاستطابته طائفة واستخبثته طائفة اتبعنا الاكثرين، فإن استوت الطائفتان، قال المارودي في الحاوي، وأبو الحسن العبادي: إنه يتبع قريش، لأنهم قطب العرب وفيهم النبوة، فإن اختلفت قريش أو لم يحكموا بشيء، اعتبر أقرب الحيوانات شبها به. والشبه يكون تارة في الصورة وتارة في الطبع من السلامة والعدوان، وأخرى في طعم اللحم، فإن تساوى الشبه أو لم يوجد ما يشبه ففيه وجهان انتهى.
زاد في الحاوي هما من اختلاف أصحابنا في أصول الأشياء، قبل ورود الشرع هل هي على الإباحة أو الحظر؟ أحد الوجهين أنها على الإباحة حتى يرد الشرع بالحظر انتهى. قال أبو العباس: إذا وجد حيوان لا يعرف حاله عرض على العرب، فإن سموه باسم ما يحل حل، وإن سموه باسم ما يحرم حرم، وإن لم يكن له اسم عندهم اعتبر بأقرب الأشياء شبها من الذي يحل أو يحرم. وعلى هذا نص الشافعي، رحمه الله تعالى.
وقال الرافعي: وفي استصحاب حكم ما ثبت تحريمه في شرع من قبلنا قولان أحدهما: نعم