الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا رؤوس الجبال، إنما يسكن المغارات والكهوف وصدوع الجبال.
وللصقر كفان في يديه، وللسبع كفان في يديه لأنه يكف بهما عما أخذ، أي يمنع وأول من صاد به الحارث بن معاوية بن ثور «1» ، وذلك أنه وقف يوما على صياد وقد نصب شبكة للعصافير، فانقض صقر على عصفور وجعل يأكله، والحارث يعجب منه فأمر به فوضع في بيت ووكل به من يطعمه ويؤدبه ويعلمه الصيد، فبينما هو معه ذات يوم، وهو سائر إذ لاحت أرنب فطار الصقر إليها فأخذها، فازداد الحارث به إعجابا، واتخذه العرب بعده.
الصنف الثاني من الصقور الكونج، ونسبته من الصقور، كنسبة الزرق إلى البازي، إلا أنه أحرمه ولذلك هو أخف منه جناحا وأقل بخرا ويصيد أشياء من صيد المياه ويعجز عن الغزال الصغير.
الصنف الثالث من الصقور اليؤيؤ، ويسميه أهل مصر والشام الجلم، لخفة جناحيه وسرعتهما، ولأن الجلم هو الذي يجز به وهو المقص، وهو طائر صغير الذنب، ومزاجه بالنسبة إلى الباشق بارد رطب، لأنه أصبر منه نفسا، وأثقل حركة، ولا يشرب الماء إلا ضرورة، كما يشربه الباشق، إلا أنه أبخر منه، ومزاجه بالنسبة إلى الصقر، حار يابس، ولذلك هو أشجع منه.
ويقال: إن أول من ضراه واصطاد به بهرام جور، وذلك أنه شاهد يؤيؤا يطارد قنبرة ويراوعها ويرتفع وينخفض معها وما تركها إلى أن صادها فأعجبه وأمر به فأدب وصاد به وقال الناشىء «2» في وصفه:
ويؤيؤ مهذّب رشيق
…
كأنّ عينيه لدى التحقيق
فصّان مخروطان من عقيق
وقال أبو نواس «3» في وصفه:
قد اغتدي والصبح في دجاه
…
كطرة البدر لدى مثناه «4»
بيؤيؤ يعجب من رآه
…
ما في اليآيئ يؤيؤ سواه
أزرق لا تكذبه عيناه
…
فلو يرى القانص ما يراه
فداه بالأمّ وقد فدّاه
…
هو الذي خوّلناه الله
تبارك الله الذي هداه
فائدة أدبية
: ذكر الإمام العلامة الطرطوشي، في سراج الملوك، عن الفضل بن مروان، قال: سألت رسول ملك الروم عن سيرة ملكهم فقال: بذل عرفه وجرد سيفه، فاجتمعت عليه
القلوب رغبة ورهبة، سهل النوال حزن النكال، الرجاء والخوف معقودان في يده. قلت: كيف حكمه؟ قال: يرد المظالم ويردع الظالم، ويعطي كل ذي حق حقه، فالرعية اثنان: مغتبط وراض.
قلت: فكيف هيبته فيهم؟ قال: تصورت في قلوبهم فتغضى له العيون، فنظر رسول ملك الحبشة إلى إصغائي إليه وإقبالي عليه، وكانت الرسل تنزل عندي، فقال لترجمانه: ما الذي يقول الرومي؟ قال: يصف لهم ملكهم، ويذكر سيرته. فكلم ترجمانه فقال لي الترجمان: إنه يقول إن ملكهم ذو اناة عند القدرة، وذو حلم عند الغضب، وذو سطوة عند المغالبة، وذو عقوبة عند الإجرام، قد كسا رعيته جميل نعمته، وفسرهم بعنيف عقوبته، فهم يتراءونه ترائي الهلال خيالا، ويخافونه مخافة الموت نكالا، قد وسعهم عدله، وراعهم قهره، لا تمتهنه مزحة، ولا توالسه غفلة، إذا أعطى أوسع، وإذا عاقب أوجع، فالناس اثنان راج وخائف، فلا الراجي خائب الأمل، ولا الخائف بعيد الأجل. قلت: فكيف كانت هيبتهم له؟ قال: لا ترفع العيون إليه أجفانها، ولا تتبعه الأبصار إنسانها، كأن رعيته طيور فرفرف عليهم صقور صوائد. قال الفضل: فحدثت المأمون بهذين الحديثين فقال: يا فضل كم قيمتها عندك؟ قلت: ألفا درهم. قال: إن قيمتها عندى أكثر من الخلافة، أما علمت حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه:
«قيمة كلّ امرىء ما يحسن» أفتعرف أحدا من الخطباء والبلغاء، يحسن أن يصف أحدا من خلفاء الله الراشدين المهديين، بمثل هذه الصفة؟ قلت: لا. قال: أمرت لهما بعشرين ألف دينار معجلة واجعل العدة بيني وبينهما، على العود فلولا حقوق الاسلام وأهله، لرأيت إعطاءهما جميع ما في بيت المال دون ما استحقاه انتهى.
وكان الفضل بن مروان «1» ، قد أخذ البيعة للمعتصم «2» ببغداد، والمعتصم بالروم مع المأمون، فاعتد المعتصم له بها يدا، واستوزره فغلب عليه، واستقل بالأمور، فكانت الخلافة للمعتصم اسما وللفضل معنى. قيل: إن الفضل جلس يوما لأشغال الناس، فرفعت إليه قصص العامة فرأى فيها رقعة مكتوبا فيها هذه الأبيات «3» :
تفرعنت يا فضل بن مروان فاعتبر
…
فقبلك كان الفضل والفضل والفضل
ثلاثة أملاك مضوا لسبيلهم
…
أبادتهم الأقياد والحبس والقتل
وإنك قد أصبحت في الناس ظالما
…
ستؤذى كما أوذي الثلاثة من قبل
أراد الفضل بن يحيى البرمكي «4» ، والفضل بن الربيع «5» ، والفضل بن سهل «6» . وكان المعتصم