الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد جاهد من قبله ابن عمه جهادا قويا شديدا، إذ لقى عشرة أخوة فبرزوا واحدا بعد واحد، حتى قتل تسعة. وأسلم العاشر رغبا لا رهبا وحسن إسلامه والتقى برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فكان إذا لقيه يقول شريد أبى عامر.
وقد سبى فى حرب أوطاس كثيرات كما سبى أكثر من فى حنين.
ويروى فى ذلك أن أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أصابوا يوم أوطاس سبايا لهن أزواج من أهل الشرك، فكان أناس من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم تأثموا من غشيانهن فنزل قوله تعالى: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ (النساء: 24) وإن فى هذه الآية التى نزلت فى بيان المحرمات دلالة على جواز غشيان الإماء المشركات بملك اليمين ولا يمسك أحد بعصمة الكوافر ولكن يستبريء أرحامهن بحيضة يحضنها.
هذا وسميت هذه الغزوة الكبرى بغزوة هوازن وحنين وأوطاس، إلا أنها كانت فى هوازن وفى يوم حنين، واستمرت حتى أوطاس.
ثمرات المعركة
625-
جمع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم غنائم هوازن، وأرسلها إلى الجعرانة حتى يتتبع فلولها ثم ضم إليها ما غنمه من أوطاس من أموال وسبايا، وكان مجموع ذلك كثيرا، لأن هوازن برأى مالك بن عوف قربت السبايا والأموال من موطن الجهاد، فكان مؤدى هزيمته.
أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالسبى والغنائم أن تجمع، فجمع ذلك كله، ووجه إلى الجعرانة، وكان السبى ستة آلاف رأس ما بين نساء وذرية، وعدد الإبل أربعة وعشرون ألفا، وعدد الغنم أكثر من أربعين ألف شاة وأربعة آلاف أوقية من الفضة.
وهذا على أن أكثر معاملتهم النقدية كانت بالفضة، ولم يكن استعمالهم للدينار الرومانى كثيرا.
ولم يوزع هذه الغنائم بين الفاتحين بمجرد انهزامهم، وجمعها، بل استأنى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم رجاء أن يأتوا مسلمين، ولو بظاهر من القول، تقريبا للنفوس، فما كان محمد صلى الله تعالى عليه وسلم إلا هاديا يدعو إلى الإسلام، وخصوصا أن ما أخذ منهم إن لم يكن كل أموالهم، فهو أكثرها.
ولكن مضى بضع عشرة ليلة، ولم يجيء أحد.
فقسمها بين الفاتحين، وصرف منها للمؤلفة قلوبهم، فأعطى أبا سفيان بن حرب تأليفا لقلبه، وليدخله الإيمان أربعين أوقية من فضة، ومائة من الإبل، ولكنه لم يكتف بما أخذ بل طلب لابنه يزيد، فقال: ابنى يزيد، فقال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: أعطوه أربعين أوقية، ومائة من الإبل، ولكنه الطمع، فقال ابنى معاوية فقال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: أعطوه أربعين أوقية ومائة من الإبل، فمعاوية كان من المؤلفة قلوبهم ليدخلها الإيمان فليذكر ذلك من يضعونه أمام على أو يناصرونه.
وأعطى حكيم بن حزام مائة من الإبل، ثم سأله مائة أخرى فأعطاه، وأعطى النضر بن الحارث ابن كلدة، وأعطى العلاء بن حارثة الثقفى خمسين وأعطى العباس بن مرداس أربعين، فقال فى ذلك شعرا، فكمل له مائة.
واختص من بعد ذلك زيد بن ثابت بإحضار الغنائم والناس، ثم فرقها على الناس، فكانت سهامهم لكل رجل أربعا من الإبل وأربعين شاة، فإن كان فارسا أخذ اثنى عشر بعيرا، وعشرين ومائة شاة، وإنه مما يلاحظ أن المؤلفة قلوبهم الذين كانوا فى المعركة نظارة ينظرون، أخذوا أكثر نسبيا من المجاهدين، فبينما كان نصيب المجاهد فى الغنيمة التى استولى عليها بسيفه أربع نوق كان نصيب أبى سفيان المترقب مائة له ولكل واحد من أولاده مائة وله أربعون أوقية، ولكل واحد مثلها.
ولكن المؤمنين الصادقين فى إيمانهم ما كانوا ليعترضوا على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فهو الهادى وهو المرشد، وهو الداعى إلى الحق، والمؤلف للقلوب التى تتجه إليه، ولكيلا تنحرف عنه، وأولئك الذين ألفت قلوبهم ماديون، تجذبهم المادة أكثر مما يجذبهم الحق المجرد.
ولا يصح أن يفهم أحد أن ذلك شراء للإيمان، فإن الإيمان لا يشرى بالمال، ولكن يشترى بالإذعان للحق، ولكن أولئك أخذت منهم رياسة، وأخذ منهم سلطان، وهم كما عرف من ماضيهم لا يذعنون للحق المجرد، ولا للدليل، وفى دخولهم للإسلام، لا بد من تأليف قلوبهم للإسلام، وما يكتسبه الإيمان بدخول الإيمان قلوبهم أكثر ما نخسر من مال، ولقد قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لإمام الهدى على بن أبى طالب «لأن يهدى الله تعالى بك رجلا واحدا، خير لك من حمر النعم» .
ويجب التنبيه هنا إلى أن كثيرين من أهل مكة المكرمة الذين يترددون فى الدخول فى الإسلام دخلوا فيه أفواجا أفواجا لما رأوا النصر المبين، والتأييد البين من الله سبحانه وتعالى.