الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خيانة وجزاؤها:
526-
وإن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد عاهدهم على أن يقدموا كل صفراء وبيضاء، وكل طعام ومتاع على ألا يكثر منه، وأن العهد كان على ذلك، فإذا كشف شيء كان مكتوما، فإن العهد ينقض، فلما تبين أنهم كتموا مالا نقض العهد، وقتل ابنى أبى الحقيق بسبب هذا النقض، وقد أشرنا إلى ذلك من قبل، والآن نفصل كيف كان اكتشاف الإخفاء وكيف أظهر.
حدث البيهقى عن عبد الله بن عمر
…
أنهم غيبوا مسكا فيه مال وحلى لحيى بن أخطب، وكان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ما فعل مسك حيى بن أخطب الذى جاء به من النضير؟ فقالوا: أذهبته النفقات والحروب، فقال عليه الصلاة والسلام: العهد قريب، والمال أكثر من ذلك
…
وكان حيى قبل ذلك دخل خربة يطوف بها، فذهبوا فطافوا فى هذه الخربة فوجدوا المسك فى الخربة وبذلك كان نقض العهد، ويظهر أن الذين كانوا يسترون على هذا المسك هما ابنا أبى الحقيق فقتلهما رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ولم ينقض العهد برمته، بل نقضه بالنسبة للذين كتموه، وكانوا يعلمون بموضعه وأن الله تعالى قسم الأموال المنقولة بالأسهم، وكان سهم لله ولرسوله ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
ووزع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سهم ذى القربى على بنى هاشم، وبنى المطلب ولم يوزع على بنى عبد شمس ولا بنى نوفل، فمشى عثمان بن عفان من بنى عبد شمس، وهم الأمويون، وجبير بن مطعم من بنى نوفل، وقالا للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم: أعطيت بنى عبد المطلب من خمس خيبر وتركتنا ونحن وهم بمنزلة واحدة منك، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إن بنى هاشم وبنى عبد المطلب شيء واحد، لم يفارقونا فى جاهلية ولا إسلام.
وإنه لم يناصب أحد من بنى المطلب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عداوة، والمطلب هو الذى ربى عبد المطلب، وعندما ضربت قريش حصارا على بنى هاشم فى شعب أبى طالب انضم إليهم فى الحصار بنو المطلب، ورضوا أن يكون ما ينزل بالهاشميين ينزل بهم، فكانوا قائمين بحق القربى، بينما أبو لهب الهاشمى أخو أبى طالب لم يرض الدخول مع إخوته.
الأرض والنخيل:
527-
هذا هو الأمر فى تقسيم البيضاء والصفراء والمتاع وسائر المنقولات، أما الأرض، فإنها لم تقسم كما قسمت الأموال، بل الأمر فيها كان على غير ذلك.
ذلك أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عندما أراد إجلاءهم بمقتضى الشرط الذى أخذه عليهم، قالوا يا محمد، دعنا نكون فى هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها، ولم يكن لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ولا لأصحابه عمال يقومون عليها، وكانوا لا يفرغون أن يقوموا عليها، فأعطاهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خيبر، على أن لهم الشطر من كل زرع ونخيل وشئ ما بدا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
ويستفاد من هذا أمران (أحدهما) أن الأرض تبقى فى أيدى المغلوبين، على أنهم غير مالكين لرقبتها، بل يعملون فى زراعتها ومراعاة أشجارها، ومساقاتها، ولهم شطر ما يخرج من زرع وثمر، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم يأخذ الشطر، وكان يوزعه فى مصارف الغنائم.
الأمر الثانى أن ذلك غير ملزم للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، بل له أن ينزع الأرض من أيديهم إذا أراد، ولا يريد إلا ما يكون فيه مصلحة للمسلمين.
وقال فى ذلك الامام مالك رضى الله عنه: إن الإمام مخير فى الأراضى المفتوحة إن شاء قسمها، وإن شاء أرصدها لمصالح المسلمين وإن شاء قسم بعضها، وإن شاء أرصد بعضها لما ينوبه فى الحاجات والمصالح.
وشطر الغلات الذى يئول للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم روى أنه كان يوزعه توزيع الغنائم، فيكون خمسه لله، وللرسول عليه الصلاة والسلام، ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وأربعة الأخماس للغانمين، وكانوا أهل بيعة الرضوان، وغيرهم نحو أربعمائة وألف، ومن انضم إليهم من مجاهدى خيبر، فبلغ الجميع خمسمائة وألفا فكان يقسم الريع مقسم الغنيمة بينهم.
وروى أبو داود أن النصف الذى كان يخص المسلمين ما كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يقسمه قسمة الغنائم، بل كان يبقيه لمن نزل به من الوفود، والأمور ونوائب الناس، أى يجعله لمصالح المؤمنين من غير تخصيص، ويقول الحافظ ابن كثير: قد تفرد بهذه الرواية أبو داود.
ومهما يكن من الأمر بالنسبة لغلة النصف فإنه يتبين من هذا أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم جعل الأرض فى أيدى أهلها على أن يكونوا زارعين حارثين مصلحين فى الأرض غير مالكين لرقبتها، بل رقبتها لجماعة المسلمين، ولذلك كان للإمام أن يخرجهم منها حيثما كان فى ذلك مصلحة المسلمين.
وأن ما فعله عمر رضى الله تبارك وتعالى عنه فى أرض سواد العراق الذى أشرنا إليه عند الكلام فى أموال بنى النضير، يشبه هذا، وكان للإمام عمر رضى الله تعالى عنه أن يحتج به عندما خالفه جمع من الصحابة كان على رأسهم بلال رضى الله عنه.
وأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أقام عبد الله بن رواحة على المقاسمة بينهم وبين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فكان يأتيهم كل عام، فيخرجها عليهم، ويضمنهم الشطر، وكان عادلا لا يظلمهم، ولا يطفف شيئا من نصيب المسلمين، فشكوا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم شدة حرصه.
ولقد أرادوا أن يرشوه فقال: يا أعداء الله تطعموننى السحت، والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلى، ولأنتم أبغض إلى من عدتكم من القردة والخنازير، ولا يحملنى بغضى إياكم، وحبى إياه على ألا أعدل إياكم.
فهو لا يظلم لعداوة، ولا لمحبة، ولذلك قالوا: بهذا قامت السموات والأرض. ولما قتل عبد الله بن رواحة، فى مؤتة، ولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعده جبار بن صخر رضى الله تعالى عنه وكان من أهل الخبرة، فى خرص الزروع والثمار.
528-
وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يوزع الزرع والثمار فى النصف الذى يخص المسلمين على تقسيم الغنائم وخصص أراضى لإخراج سهم من الأسهم، فجعل ما ينتجه حصن الشق ونطاة فى أسهم المسلمين ما ينتج منهما يكون نصفه قسمة على حسب سهام الفاتحين.
وكان ما ينتجه حصن الكتيبة مخصصا لخمس الله ورسوله عليه الصلاة والسلام وذى القربى.
واليتامى والمساكين وابن السبيل وطعم رجال سواء بالصلح بين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى أهل فدك.
وكان لنطاة والشق ثمانية عشر سهما، لنطاة خمسة والباقى للشق يأخذ الفاتحون هذه الأسهم الثمانية عشر.
وقسمت الثمانية عشر على 1800 سهم، أى أن كل سهم فى النطاة والشق كان مقسما على مائة.
ويقول ابن اسحاق «قسم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الكتيبة وهى واد خاص بين قرابته وبين نسائه، وبين رجال مسلمين، ونساء أعطاهم» وقد ذكر المقادير التى كان يعطيها لذوى قرابته ونسائه، ولبعض رجال المسلمين، فكان يقسم على الضعفاء وذوى الصلة كل على مقدار حاجته.
وهكذا كان التقسيم للغلات، ولم يقسم الأرضين، ولكن كان لكل طائفة سهام فى حصن معين من حصون خيبر، ولقد كان بعض المؤمنين يشرفون على الأرض من حيث إنتاجها وصلاحها،
وكان يتولى مقاسمة اليهود عبد الله بن رواحة أولا، فلما استشهد رضى الله تعالى عنه، تولاها جبار بن صخر، واستمر طول حياة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
فلما انتقل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى نفذ أبو بكر ما كان يفعله رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ثم لما توفى الصديق نفذ عمر شطرا من إمارته ما كان يفعله النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ثم بدا له أن يخرج الأرض من أيدى اليهود، ويعطيها ذوى السهام فيها. وذلك لأمرين: أولهما أنهم قتلوا فى عهد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم رجلا أنصاريا، وهو عبد الله بن سهل وكان قد خرج فى أصحاب له يمتارون تمرا فانفرد عنهم، ووجد فى عين قد دقت ثم طرح فيها فأخذوه وأخفوه، ثم قدموا على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وأقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم القسامة، واتهمهم من بعد ذلك عمر فى عهده بأنهم قتلوه.
واعتدوا ثانية فى عهد عمر على عبد الله بن عمر فقد خرج هو والزبير بن العوام والمقداد بن الأسود إلى أموال المسلمين بخيبر يتعهدونها، وتفرقوا فى الأموال فقدعوا يديه (أى خلعوا أى أزيلت عن مفاصلها، وأصلح زملاؤه يده) .
فلما حضر إلى أمير المؤمنين فقال هذا عمل يهود، ثم قام فى الناس خطيبا، فقال:
وهذا مؤداه أنهم أصبحوا غير أمناء على المؤمنين، وقد ارتبطوا معهم بعلاقة المزارعة فكانوا يعاملونهم معاملة عدو، لا معاملة معاون.
الأمر الثانى الذى أوجب على عمر أن يخرجهم وخصوصا بعد ما أظهروا عداوتهم وحقدهم، أنه علم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال «لا يصبحن بجزيرة العرب دينان» ، فكان لا بد من إجلائهم، فدعاهم إلى الجلاء، وقال: من كان عنده عهد من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فليتجهز للجلاء. وإذا كان بقاؤهم فى الأرض فقد كان بالمشيئة وليس عودا دائما. وقد خصص النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لكل ذى سهم دائم جزآ من الأرض يجمع شطر ثماره، فلما أجلى سيدنا عمر رضى الله عنه اليهود، قال لأصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم «أيها الناس إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عامل يهود خيبر على أن يخرجهم إذا شاء، فمن كان له مال فليلحق به.
فإنى مخرج يهود» .