الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجعل لكل مستحق من أسهم ثمراتها، على ما يخرجه سهمه يديره حيثما يريد.
وبالنسبة لأزواج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فخيرهن رضى الله عنهن وعنه فقال لهن:
من أحب منكن أن أقسم فإنى أقسم مائة وسق على أن يكون لها أصلها وأرضها وماؤها ومن الزرع عشرين وسقا من شعير فعلنا، ومن أحب أن يعزل الذى لها فى الخمس كما هو فعلنا.
ويستفاد من هذا أن سيدنا عمر ما أخذ من نصيب فى سهم ذوى القربى على أنه لهن ليس بالوراثة، بل أخذه لهن من الخمس الذى لله وللرسول عليه الصلاة والسلام، ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، فقد جعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لكل واحد مائة وسق أو مائتى وسق على اختلاف الرواية فى ذلك. وعشرين وسقا من شعير من غير اختلاف فى ذلك، فكان هذا استحقاقا ابتداء لا وراثة عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فخيرهن عمر رضى الله تعالى عنه بين أن يجرى عليهن ما كان يجريه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من أوساق، وبين أن يعزل لهن ما ينتج ذلك، كما فعل مع كل المستحقين فى خيبر.
فدك
529-
لما رأى يهود فدك ما نزل بيهود خيبر، وهم أهل الحصون الممنوعة أصابهم الرعب، ورأوا أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد أبقى الأرض فى أهل خيبر يرعونها ويغرسونها، ويصلحون شجرها على أن يكون لهم نصف ما ينتج، أى يعاملون كما عامل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أهل خيبر، وفدك أرض من أرض خيبر يسكنها يهود، لم يكن لهم حصون، ولم يقاتلهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ولكن ألقى الرعب فى قلوبهم، فاستسلموا.
وقال رواة سيرة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم: إنها كانت كلها خالصة للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم كالشأن فى أموال بنى النضير، فلم تقسم سهاما كما قسم إنتاج خيبر، بل كانت كلها للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
ويقول ابن كثير: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يعزل منها نفقة أهله لسنة، ثم يجعل ما بقى كمال الله تعالى يصرف فى الكراع والسلاح ومصالح المسلمين.
ويجب علينا فى هذا المقام أن نعيد تلاوة ما نزل فى أموال بنى النضير التى عدها العلماء بأنها كفدك فقد قال تعالى فى أموال بنى النضير وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ، فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ، وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ، وَاللَّهُ عَلى كُلِ
شَيْءٍ قَدِيرٌ. ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى، وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ، وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ. لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً، وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ. وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ، وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ، فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ، وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (الحشر: 6: 10)
وإنه إذا كانت المقايسة ثابتة بين أموال بنى النضير، وفدك، فإن التعبير بأنها خالصة للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم مؤداه أنها لا تقسم مقسم الغنائم فلا يكون للفاتحين المجاهدين أربعة الأخماس كما هو الشأن فى الغنائم، وإنما يكون مصرفها مصرف خمس الغنائم لله ولرسوله صلى الله تعالى عليه وسلم ولذى القربى واليتامى والمساكين، لذلك يصرفه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى مصالح المسلمين، ويبقى له ما يكفيه وأهله منه بالمعروف.
وعلى ذلك نقرر أنه لم يكن مملوك الرقبة للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم حتى يورث، ويجرى فيه النزاع على الملكية كما توهم كتب السيرة وكتب التاريخ.
والذى أحسبه أن الاختلاف فى إدارتها، وتولى صرفها فى مصارفها باعتبار أنها ليست فى ظل الولاية العامة، بل لها ولاية خاصة، هى ولاية النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ومن يخلفه من أهله، وبذلك انتهى أمرها فى عهد عمر رضى الله تبارك وتعالى عنه، ولنترك الكلمة بعد ذلك للحافظ ابن كثير فى تاريخه:
كانت هذه الأموال لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خاصة، وكان يعزل منها نفقة أهله لسنة، ثم يجعل ما بقى مجعل مال الله تعالى يصرفه فى الكراع والسلاح ومصالح المسلمين، فلما مات رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، اعتقدت فاطمة وأزواج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، أو أكثرهن أن هذه الأراضى تكون موروثة عنه ولم يبلغهن ما ثبت عنه من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم نحن معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه يكون صدقة.
ولما طلبت فاطمة وأزواج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم نصيبهن من ذلك، وسألوا الصديق أن يسلمه إليهن وذكر لهم قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم «لا نورث ما تركناه صدقة» وقال: أنا
أعول من كان يعول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، والله لقرابة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أحب إلى أن أصل من قرابتي، وصدق رضى الله عنه وأرضاه، فإنه البار الراشد، فى ذلك التابع للحق.
نحن لا نظن أن السيدة الزهراء التى هى قطعة من النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن يكون طلبها للميراث، وإنما طلبها أن تتولى هى الصدقة.
وقد صرح ابن كثير أن فاطمة طلبت بلسان العباس وعلى أن ينظرا فى هذه الصدقة وأن يصرفا ذلك فى المصارف التى كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يصرفها فيها، فأبى عليهم الصديق ذلك، ونحن لا نفرض أنهم طلبوا ميراثا، فعلى كرم الله وجهه ما كان يجهل أن الأنبياء لا يورثون، وهو فقيه الصحابة، وكما قال صلى الله تعالى عليه وسلم أقضى الصحابة.
ويقول الحافظ ابن كثير أن فاطمة رضى الله تبارك وتعالى عنها، والصلاة والسلام على أبيها غضبت عليه فى ذلك ووجدت فى نفسها بعض الموجدة، ولم يكن لها ذلك، والصديق من قد عرفت هى والمسلمون محله من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقيامه فى نصرة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وتوفيت فاطمة بعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
…
هذه عبارات الحافظ ابن كثير، وله مقامه فى علم السنة، والأخذ بمنهاج السلف، ولكن نلاحظ أن عباراته فى حق فاطمة التى تنتهى عترة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إليها لم تكن لائقة بمقامها من النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فإذا كان للصديق مكانته، فلفاطمة مكانتها من المحبة لأنها قطعة منه صلى الله تعالى عليه وسلم، فقوله عنها ما كان لها ذلك فيه تعد للحدود، بدليل أن عمر بن الخطاب من بعده نفذ ما طلبت، فلم تكن متجنية عندما وجدت موجدة على الصديق صديق أبيها.
وهناك عبارة لا نوافقه عليها، لأنه يقول أنهم ثقلوا على عمر رضى الله عنه بجماعة من سادات الصحابة، فإن هذه العبارة لا يصح أن تقال فى على ولا فى عمر، فمقام على أجل من أن يعبر عنه فى طلبه واحتكامه إلى الصحابة بكلمة ثقلوا، وما كان عمر بن الخطاب فاروق الإسلام من صفاته أن يخضع لإثقال أحد من الصحابة، فهو القوى فى الحق الذى لا يخشى فيه لومة لائم، وما كنا نود أن يقع هذا من الحافظ ابن كثير العالم السلفى الإمام، إنما الأمر الذى يتصور أن يكون من العباس وعلى أنهما احتكما إلى جمع من الصحابة فنزل عمر عند رأيهم، لأنه رآه أنه الحق، ولنذكر بقية ما قصه الحافظ ابن كثير.