الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يستطع فبقلبه» مخطئون، وما كان عقاب هؤلاء الثلاثة إلا استنكارا قلبيا بدا فى الوجوه والجوارح ولم يبد فى القول.
وإن هذا الذى سنه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، يجب علينا اتباعه، فلا يصح لنا- أن نبش فى وجوه الأشرار، ولا الذين يرتكبون الآثام لأنه عسى أن يثير ذلك ضمائرهم فتلوم، وإذا كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد فعل ذلك مع ثلاثة لدرن يسير أصاب قلوبهم، أفلا نفعله مع أشرار هذا الزمان، وإذا كنا نعجز عن مقاطعتهم، فإننا لا نمالئهم، ولا نلتف حولهم مع ظلمهم، لأن مجرد الالتفاف حولهم يجعل الرجل من شيعتهم، وإن لم يعمل عملهم، ويجعلنا ذلك سائرين معهم، وإن لم نعاونهم بالفعل، فإنا نعاونهم بالإلف، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم يقول:«من مشى مع ظالم، فقد سعى إلى جهنم» .
سبعة ربطوا أنفسهم بأعمدة المسجد
654-
كانوا عشرة تخلفوا، لعل منهم أولئك الثلاثة الذين ذهبوا إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يستمع إلى الأعذار للمتخلفين يقبل علانيتها، ويترك السرائر إلى الله تعالى، وما كان للرفيق الطاهر الذى قبل لفظ اللسان وليس لفظ القلب إلا أن يقبل العلانية، ويترك لله ما بطن، لأنه لا يفتش عن القلوب.
إن أولئك الثلاثة ذهبوا إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يقولون لا عذر لنا، ولا سبيل لأن نكذب عليك، فصدقهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وطهر قلوبهم، وهذب نفوسهم وأزال الضر بتلك العقوبة الهينة فى ظاهرها القوية فى تأثيرها.
ولكن سبعة آخرون لم يذهبوا معتذرين، لأنه لا عذر لهم، ولم يذهبوا ينفون الاعتذار بل جاؤا وعاقبوا أنفسهم بأنفسهم، فأوثقوا أنفسهم بسوارى المسجد النبوى، فلما رآهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: من هؤلاء الموثقون أنفسهم بالسوارى؟ قالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يا رسول الله أوثقوا أنفسهم حتى يطلقهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ويعذرهم، فقال الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم، حتى يكون الله سبحانه وتعالى هو الذى أطلقهم، رغبوا عنى، وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين، فلما بلغهم ذلك قالوا: ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله هو الذى يطلقنا، فأطلق سراحهم، ومنع الوثاق بأمر الله تعالى، وقيل نزل فيهم وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ، خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً، وَآخَرَ سَيِّئاً، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (التوبة: 102) أرسل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ففك وثاقهم، وأطلقهم وعذرهم.
ولم يجدوا أن ما فعلوه بأنفسهم فيه تكفير لتقصيرهم الذى تخلفوا به عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ورأوا أن الصدقة تطفيء الذنوب كما يطفيء الماء النار، فتصدقوا بكل أموالهم، وقالوا:
يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا، واستغفر لنا قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم «ما أمرت أن آخذ أموالكم» فقيل نزل قوله تعالى فيهم خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (التوبة: 103) .
هذا قسم أخذ فى تطهير نفسه، ولم يطهرهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بإبعاد الناس، وهم فريق واحد، أبى أن ينتحل عذرا شعورا منه بالتقصير فى التخلف عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وإنهم بذلك وقعوا فى خطأ جسيم يكاد يكون خطيئة.
ولقد ذكر ابن كثير رضى الله تعالى عنه أقسام المخلفين، فذكرهم أربعة أقسام قريبا مما ذكرنا، قال:
«كان المتخلفون عن غزوة تبوك أربعة أقسام:
1-
مأمورون مأجورون كعلى بن أبى طالب، ومحمد بن سلمة وابن أم مكتوم.
2-
ومعذورون، وهم الضعفاء والمرضى، والمقلون وهم البكاؤن.
3-
وعصاة مذنبون وهم الثلاثة، وأبو لبابة، وأصحابه المذكورون.
4-
وآخرون ملومون مذمومون، وهم المنافقون.
وقد ذكرنا هذه الأقسام فى القرآن الكريم، ونوافق الحافظ بن كثير على هذا التقسيم، ولكن لا نسمى أبا لبابة وأصحابه مذنبين، ولكن نسميهم مقصرين مخطئين.
وفى الحق أن غزوة تبوك التى كانت آخر غزوات فيها اختبار لنفوس الذين مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فقد بدت فيها أحوال الذين كانوا مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، بدا الأقوياء الذين لا يصدرون إلا عن أمره، وبدا المنافقون الذين لازموه مخذلين بخروجهم، ومخذلين فى سيرهم ومتامرين يريدون اغتيال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
وبدا الذين ينقصهم الهمة والاستجابة فى الشدة، وإن كان لا ينقصهم الإيمان وقوة اليقين، وقد عالجهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم نفسيا بأمر ربه، وعالجوا أنفسهم، والجسم القوى يقبل العلاج، ولم يعالج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم غيرهم ممن تخلفوا، بل تركهم إلى ما هم فيه يحاسبهم الله تعالى.