الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ساحر، وإن ذلك فتنة، ولعل هذه المصادفات كانت من أسباب عبادة الأصنام التى لا تملك من الأمر شيئا وكان ما ينتجونه يجعلون نصفه لهذا الصنم قربانا، ونصفه لله، وما يجعلونه لله، يعطون لصنمهم منه شيئا، ولا يعطون مما لصنمهم شيئا لله تعالى، وذلك كله فيما يحسبونه للقربات.
وقد ذكر متكلم الوفد ذلك لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من أنهم كانوا يقسمون لصنمهم هذا من أنعامهم وحروثهم، وأنهم كانوا يجعلون ذلك جزآ له وجزآ لله فى زعمهم، قالوا كنا نزرع الزرع، فنجعل له وسطه (أى أحسنه) فنسميه له، ونسمى زرعا آخر حجرا لله تعالى، فإذا مالت الريح، فالذى سميناها لله جعلناه لعم أنس، ولم نجعله لله تعالى، فذكر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله أنزل فى كتابه عملهم مستنكرا، فقال تعالى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً، فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا، فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ، وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ، ساءَ ما يَحْكُمُونَ (الأنعام: 136) .
وهكذا كانت الأوهام مسيطرة عليهم تلك السيطرة، وقد اقتلعتها عقيدة الوحدانية اقتلاعا من نفوسهم، وكانت دعوة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وما اقترن بها ظاهرة لهذه الأوهام مبينة ما فيها من زيف وباطل، وتبين الرشد من الغى والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم.
وقد أوصى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بوصايا كريمة، أوصاهم بالوفاء بالعهد، وأداء الأمانة وحسن الجوار لمن جاوروا وألا يظلموا أحدا وقال عليه الصلاة والسلام:«إن الظلم ظلمات يوم القيامة» .
وسألوه عن فرائض الدين وأحكامه فعلمهم إياها. ثم غادروه بعد أيام، وأجازهم العطايا، ولما رجعوا إلى قومهم لم يحلوا عقدة رحالهم حتى هدموا عم أنس صنمهم.
وفد محارب
684-
أخذ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل فى السنتين الآخريين من مقامه بمكة المكرمة قبل الهجرة وذلك فى موسم الحج، بعد أن علم أنه لن يؤمن من قريش إلا من قد آمن، فكان أشد القبائل غلظة فى الرد وعنفا فى اللقاء قبيلة محارب، ردوا دعوة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى التوحيد ردا فظا غليظا منكرا. وذلك لغلظ قلوبهم، ولذلك كانوا من آخر القبائل إيمانا، فلم يجيء وفدهم إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مؤمنا إلا فى السنة العاشرة عام حجة الوداع.
ولقد كان عدد الوفد عشرة جاؤا نائبين عمن وراءهم وقد أعلنوا إسلامهم، وإسلام قومهم.
ولقد نزلوا فى ضيافة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فكان بلال يأتيهم بالغداء والعشاء، حتى التقوا برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم معلنين إسلامهم وإسلام قومهم.
وقد جاء معهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يوما من الظهر إلى العصر. وكان فيهم رجل أخذ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بالنظر فيه، وأدامه فيه.
فقال المحاربى: كأنك يا رسول الله توهمتنى.
فقال النبى عليه الصلاة والسلام: لقد رأيتك. وكأنه آلى أنه كان منه شيء.
قال المحاربى: إى والله لقد رأيتنى وكلمتنى وكلمتك بأقبح الكلام ورددتك بأقبح الرد، بعكاظ وأنت تطوف على القبائل.
فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: نعم.
قال المحاربى: ما كان فى أصحابى أشد عليك يومئذ ولا أبعد عن الإسلام منى. فأحمد الله الذى أبقانى حتى صدقت بك، ولقد مات أولئك النفر الذين كانوا معى على دينهم.
فقال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: إن هذه القلوب بيد الله عز وجل.
قال المحاربى: يا رسول الله استغفر لى من مراجعتى إياك.
قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إن الإسلام يجب ما كان قبله من كفر.
ثم انصرفوا من بعد ذلك عائدين إلى أهلهم.
وقد نرى فى هذا الوفد ولقاء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ظاهرتين واضحتين:
إحداهما: أن الله تعالى قد يخرج من القلوب القاسية قلوبا مذعنة طيبة.
الثانية: ضلال العقول وسيرها فى الشر، فإذا قذف الله تعالى فيها بنور الحق اهتدت وآمنت وسبحان مقلب القلوب.
وإنك ترى سماحة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ورفقه، وإتيانه القلوب من حيث إقبالها.