الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما اشتملت عليه سورة براءة:
699-
وإن الروايات كلها أنها قد نزلت بعد غزوة تبوك، وقد تعد من أواخر السور نزولا، وظاهر الروايات أنها نزلت دفعة واحدة، وأن ما اشتملت عليه يدل على أنها نزلت بعد غزوة تبوك، ففيها أخبار المتخلفين والمعتذرين، ومن ليس عليه حرج، وإنها إذا كانت قد ابتدأت بذكر عهود المشركين، وتحريم دخوله على غير الذين يؤمنون بالله وأنه واحد أحد لا شريك له.
قد توسطتها أخبار المخذلين والمنافقين، وما يجب أن يكون عليه المجاهدون، والدعوة إلى استمرار الجهاد فإنه ماض إلى يوم القيامة، وتركه ذل، أو يؤدى إليه.
لقد ابتدأت السورة الكريمة بذكر منع المشركين من البيت الحرام، ووجوب قتالهم، ونبذ عهودهم إليهم، وأن العهد واجب الوفاء بشروط ثلاثة ألا ينقص المعاهد من التزاماته، وألا يظاهر على المؤمنين، وألا يكون مخالفا للقواعد المقررة فى القرآن الكريم.
وجاءت بعد ذلك ببيان جهاد المشركين فى الأرض العربية، بشرط ألا ينتهكوا حرمة من الحرمات، كحرمة الشهر الحرام، وأن الدماء يحميها العهد إذا استقام المعاهد، فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ، ويحميها الأمان والجوار: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ، ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ
وقد بين سبحانه وتعالى ضلال الشرك، وأنه لا يصح لهم أن يشفعوا لأنفسهم بأنهم تولوا عمارة البيت وتولوا سدانته وسقايته، فإن الإيمان بالله تعالى هو الأول، ولا يمكن أن يكون هذا كذلك، وأن لهم فضلا فى العمارة إن آمنوا بالله واليوم الآخر، إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (التوبة)
وإذا كانت عمارة المسجد لا تعادل الإيمان بالله واليوم الآخر، وأن عمارة المساجد لا ثواب لها مع الكفر فإنه لا يمكن أن يكون للمشركين ماثر فى أى عمارة، لأن ما يفعله المشرك من خير هباء لا أثر له، إذ يكون كمثل وابل من المطر أصاب أرض قوم، فنزل على أحجار لا تنبت، ولم ينزل على ما ينبت.
ولذلك كان الواجب جهاد المشركين، ولأنهم لا يؤمنون بشيء لا عهد له ولا ذمة، وليس لمؤمن أن يرقب فيهم إلّا ولا ذمة، لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً (التوبة)
ولا طريق إلا الجهاد، وإن الجهاد يوجب أن يكون كله لله تعالى لا يؤثر عليه أحدا من مال أو زوج أو ولد، أو راحة، فإذا كان الجهاد قوة بشرية ونفسية، أو تقديما للنفس والمال، فهو تجرد روحى،
وخصوصى لله تعالى، وصدق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذ يقول:«لكل أمة رهبانية ورهبانية أمتى فى الجهاد» ، ولذلك أمر الله تعالى عند البدء فى الكلام فى الجهاد بعد أن بين أن المشركين يصدون عن سبيل الله ويعادون المؤمنين، وينتهزون فرصة لينقضوا، قال تعالت كلماته:
قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ، وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها، وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ، فَتَرَبَّصُوا، حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ.
وذكرهم سبحانه وتعالى بأن الكثرة، وقوة العدة لا تغنى عن الاتجاه إلى الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم شيئا، ثم ذكرهم بموقعة حنين، إذ لم تغن شيئا، إذ لم يكن الاتجاه إلى الله من الجيش كله كاملا، وإن كان كاملا كل الكمال فى بعضه فأولئك الذين ناداهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وقد اشتدت الشديدة، وكثر الفرار، وقل الإقدام، حتى كان المجاهدون الأبذال الذين بدلوا بالهزيمة نصرا، وبالفرار إقداما.
وكان الجهاد فى هذا الموضع تتميما للكلام فى البيت، وبيان أنه لا يحميه إلا الجهاد فهو الذى يمنع دخول المشركين، ولذلك ختم آيات البيت الحرام بقوله تعالت كلماته: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا، وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (التوبة)
700-
وقد بين الله سبحانه وتعالى معاملة أهل الكتاب من الكفار، بأنه لا يجوز لأهل الإيمان السكوت عن دعوتهم، وإن كانوا فى الجزيرة العربية أهون على أهل الإيمان من المشركين الذين إذ كانوا أقل خطرا وعددا، وإن كان اليهود شرا فى أنفسهم.
ولقد أمر سبحانه وتعالى فى سورة التوبة أن يقاتلوهم، فقال الله تعالى: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (التوبة)
وبين سبحانه فى السورة حالهم من اتخاذهم المسيح إلها، واتخاذ اليهود عزيرا إلها، وأنهم بذلك يضاهئون قول المشركين فى اتخاذهم الأوثان، فإن الشرك كما يكون بعبادة الأوثان يكون بعبادة الأشخاص.
وذكر سبحانه وتعالى العماد الذى قام عليه انحراف الذين قالوا إنا نصارى عن الوحدانية، وهو أن قام الأحبار والرهبان بين المسيحيين، وبين إدراك الحقائق المسيحية، فقد اتخذ الأحبار والرهبان أربابا ثم ذكر ما