الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى عليه وسلم من تبوك حين فرغ، فأراد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الحج، ثم قال: إنما يحضر المشركون، فيطوفون عراة، فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك، فأرسل أبا بكر وعليا رضى الله عنهما، فطافا بالناس
…
فأذنوا أصحاب العهد أن يؤمنوا أربعة أشهر متتاليات» وإن هذا يدل على أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان على نية أن يحضر الحج ولكن عوقه عن ذلك أنه قدر أن سيحضر الحج المشركون، ويطوفون على جاهليتهم عراة، ويظهر انحرافهم عن سنة إبراهيم فى الحج فامتنع عن الحضور حتى لا يكون حضوره عليه الصلاة والسلام فيه نوع إقرار لعملهم ولم يمنعهم من الحج لأنه لم يعلمهم من قبل بأنه لا يجوز لهم أن يقربوا المسجد الحرام. والحكمة الإسلامية فى الأحكام ألا تنفذ الأحكام المانعة إلا بعد العلم بها.
سورة براءة
698-
إن المتفق عليه أن أبا بكر رضى الله عنه، ذهب بالناس يحج بهم، وأن عليا رضى الله تعالى عنه، ذهب حامل براءة يتلوها عليهم.
ويروى أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عندما حمّلها عليا رضى الله تعالى عنه قال على:
يا نبى الله تعالى، إنى لست باللسن ولا بالخطيب، فقال عليه الصلاة والسلام: لا بد لى أن أذهب بها أنا، أو تذهب بها أنت، قال على: إن كان لا بد فسأذهب بها أنا، وقال له النبى صلى الله تعالى عليه وسلم:
«انطلق فإن الله تعالى يثبت لسانك، ويهدى قلبك، ثم وضع يده على فيه. فهذه دعوة أولى من النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بأن يثبت لسانه ويهدى قلبه. والثانية كانت بعد ذلك عندما بعثه إلى اليمن داعيا وقاضيا.
وبهذه الدعوة الطيبة الطاهرة المستجابة كان على كرم الله وجهه أخطب الناس بعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
حمل على كرم الله وجهه فى الجنة سورة براءة، أهو حملها كلها؟، وهى من طوال السور، أم حمل الجزء الأول منها الخاص بعهود المشركين ودخولهم البيت الحرام؟.
نقول فى الجواب عن ذلك أن عبارة ابن كثير فى رواياته تفيد أن الذى حمله على هو أول السورة الخاص بالمشركين، ودخولهم البيت، وعهودهم، فقد جاء فيه عن محمد بن كعب القرظى وغيره قالوا بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أبا بكر أميرا على الموسم سنة تسع، وبعث على بن أبى طالب بثلاثين أو أربعين آية من براءة فقرأها على الناس، يؤجل المشركين أربعة أشهر.
وإن هذه الرواية تدل على أنها لم تكن قد نزلت كلها، أو حملت كلها بل حمل منها ثلاثون آية تنتهى بقوله تعالى عن أهل الكتاب: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ، أو أربعون آية تنتهى بقوله: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا، وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
هذا ما رواه ابن كثير، أما ما ذكره ابن إسحاق فإن ظاهره أن السورة كلها أنزلت عقب تبوك وحملها على بن أبى طالب ليتلوها على الناس، ويبين ما يتعلق بالحج.
ويقول فى ذلك ابن إسحاق: نزلت براءة فى نقض ما بين رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وبين المشركين من العهد الذى كانوا عليه فيما بينه وبينهم ألا يصد عن البيت أحد جاءه، ولا يخاف أحد فى الشهر الحرام. وكان ذلك عهدا على ما بينه وبين الناس من أهل الشرك، وكانت بين ذلك عهود بين رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وبين قبائل العرب خصائص إلى آجال مسماة فنزلت فيه، وفيمن تخلف من المنافقين عنه فى غزوة تبوك، وفى قول من قال منهم، فكشف الله تعالى فيها سرائر أقوام كانوا يستخفون بغير ما يظهرون، وظاهر هذا الكلام أن سورة براءة كلها نزلت عقب غزوة تبوك، وأن نصوصها السامية كلها تؤكد هذا المعنى وتوضحه، فهى كما رأينا عند الدعوة إليها تتبين فيها حال مؤمنهم ومنافقهم فى هذه الغزوة عندما دعا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إليها، وحال المخلفين، وأعذار المستضعفين، وما ينبغى أن يكون بالنسبة للجهاد.
وإننا إذا تركنا ظواهر هذه الرواية فإنا نقول: إنها نزلت كلها عقب غزوة تبوك، ولكن ما يحمل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عليا، إلا ببعض من أولها- الذى فيه منع المشركين من البيت الحرام، وصدهم عنه، لأنه لا يعمر مساجد الله إلا من آمن بالله واليوم الآخر، وذلك ما صرح به ابن إسحاق إمام السيرة، فقد قال رضى الله عنه: ولأن ذلك كان يشتمل على ما كلف عليا أن يبلغه، وهى الأمور التى ذكرناها آنفا.
وعبارات ابن إسحاق بعد تعميمه الأول تفيد تخصيصا بأول سورة براءة.
فقد قال: «دعا عليه الصلاة والسلام على بن أبى طالب رضوان الله تعالى عليه، فقال له اخرج بهذه القصة من صدر براءة، وأذن فى الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى، أنه لا يدخل الكعبة المشرفة كافر ولا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عهد، فهو إلى مدته.
وهذا النص يدل على أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم حمله صدر سورة براءة، ولم يحمله السورة كلها.