المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌زوجات النبي صلى الله تعالى عليه وسلم - خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم - جـ ٣

[محمد أبو زهرة]

فهرس الكتاب

- ‌ الجزء الثالث

- ‌رسائله صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌إلى خيبر

- ‌القائد حامل الراية:

- ‌الصلح والغنائم

- ‌خيانة وجزاؤها:

- ‌الأرض والنخيل:

- ‌فدك

- ‌حوادث ذات مغزى في خيبر

- ‌منها أمر الأسود الراعى:

- ‌ومنها قصة أعرابى يجاهد ويرد المغنم:

- ‌مؤمن يتحايل لماله بمكة المكرمة:

- ‌زواج النبي صلي الله تعالي عليه وسلم بأم المؤمنين صفية

- ‌غدر وسماحة

- ‌قدوم جعفر بن أبى طالب ومن معه من المهاجرين

- ‌وادى القرى

- ‌صلح تيماء

- ‌إجلاء عمر لليهود

- ‌الأحكام الشرعية التى تقررت في خيبر

- ‌إباحة المزارعة والمساقاة:

- ‌تحريم أكل لحم الحمر الإنسية:

- ‌تحريم سباع البهائم:

- ‌تحريم وطء الحبالى من السبايا وغيرهن:

- ‌قسمة الغنائم ومالا تقسم منها ووقتها:

- ‌الأمانة واجبة مع الأعداء:

- ‌النبى صلى الله تعالى عليه وسلم تفوته الصلاة:

- ‌تحريم المتعة في خيبر

- ‌حقيقة المتعة:

- ‌وتختص بالأحكام الآتية:

- ‌نهى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عن المتعة:

- ‌تحريم ربا البيوع

- ‌الحكمة فى تحريم البيوع فيها إلا بالمثل:

- ‌علة القياس فى الأموال الربوية:

- ‌تنبيهات:

- ‌شرعية الجزية

- ‌صحيفة مكذوبة:

- ‌الجزية التى كان يأخذها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم:

- ‌وخلاصة عقد الذمة أنه تضمن:

- ‌سرايا بعد خيبر

- ‌سرية أبى بكر الصديق إلى فزارة

- ‌سرية عمر بن الخطاب

- ‌سرية عبد الله بن رواحة إلى يسير اليهودى

- ‌سرية بشير بن سعد إلى بنى مرة من فدك

- ‌سرية أبي حدود

- ‌عمرة القضاء

- ‌عمرة القضاء فى القرآن الكريم

- ‌حكم شرعى فى عمرة القضاء

- ‌سرية ابن أبى العوجاء السلمى

- ‌إسلام خالد بن الوليد

- ‌إسلام عمرو بن العاص

- ‌سرايا للتعرف في البلاد

- ‌إلي بني قضاعة

- ‌غزوة مؤتة

- ‌نتيجة الغزوة

- ‌سرية ذات السلاسل

- ‌سرية أبي عبيدة

- ‌سرية أبي قتادة

- ‌انتشار الإسلام فى البلاد العربية

- ‌بعث الرسائل إلى الملوك

- ‌كتابه إلى هرقل وأثره

- ‌كتابه إلي كسري ملك الفرس

- ‌كتابه إلى النجاشى

- ‌كتاب رسول الله صلي الله تعالى عليه وسلم إلى المقوقس

- ‌كتابه إلى المنذر بن ساوى

- ‌الكتاب إلى ملك عمان

- ‌كتابه عليه الصلاة والسلام إلى صاحب اليمامة

- ‌الذمى

- ‌الفتح المبين

- ‌نقض قريش لصلح الحديبية:

- ‌ذل الغدر

- ‌الاستعداد للفتح

- ‌خروج الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌قريش تتحسس الأخبار

- ‌اللقاء

- ‌دخول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مكة المكرمة:

- ‌إسلام أبى قحافة:

- ‌قتال فى جوانب من مكة المكرمة:

- ‌دخول النبى صلى الله تعالى عليه وسلم المسجد الحرام:

- ‌العفو الكريم الشامل:

- ‌الأمان العام:

- ‌الأنصار يتوهمون أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يعود إلى مكة المكرمة

- ‌حرمة مكة المكرمة

- ‌محطم الأوثان

- ‌بعثة خالد بن الوليد إلى جذيمة

- ‌مدة إقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة المكرمة

- ‌أحكام فقهية شرعت فى الفتح

- ‌مكة المكرمة وما يحرم فيها:

- ‌دية شبه العمد

- ‌الميراث بين المسلم والكافر

- ‌الولد للفراش

- ‌قطع اليد

- ‌المتعة وتحريمها

- ‌المبايعة على الإسلام

- ‌نفقة الزوجة

- ‌حكم الهجرة بعد الفتح

- ‌ملكية أرض مكة المكرمة

- ‌سب النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌غزوة هوازن

- ‌ابتداء المعركة:

- ‌الانهزام ثم الانتصار:

- ‌الانتهاء بالهزيمة الساحقة:

- ‌ أوطاس

- ‌ثمرات المعركة

- ‌موجدة الأنصار

- ‌الشفاعة في الغنائم بعد توزيعها

- ‌أحكام شرعية في غزوة حنين

- ‌العارية المضمونة:

- ‌عطاء المؤلفة قلوبهم من غنيمة هوازن

- ‌تبادل الرقيق بالحيوان

- ‌غزوة الطائف

- ‌عود إلي غنائم هوازن

- ‌عمرة الجعرانة

- ‌قدوم كعب بن زهير

- ‌السرايا بعد هوازن

- ‌سرية الضحاك بن سفيان:

- ‌سرية قطبة بن عامر:

- ‌سرية علقمة بن محرز:

- ‌سرية على بن أبى طالب لهدم صنم طيئ:

- ‌غزوة تبوك

- ‌الحال عند الغزو:

- ‌المسير

- ‌وصول رسول الله صلي الله تعالي عليه وسلم إلى تبوك وخطبته

- ‌نتائج تبوك

- ‌كتاب قيصر إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌مصالحته عليه الصلاة والسلام ملك أيلة:

- ‌سرية خالد إلى أكيدر دومة

- ‌عودة المسلمين من تبوك

- ‌القائد يرعى جنده حيا وميتا:

- ‌عصمة الله تعالى لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌مسجد الضرار

- ‌الثلاثة الذين خلفوا

- ‌العبرة والتربية:

- ‌سبعة ربطوا أنفسهم بأعمدة المسجد

- ‌الوفود

- ‌وفد مزينة

- ‌وفد بنى تميم

- ‌وفد ثقيف

- ‌وفد بني عامر

- ‌وفد عبد القيس

- ‌وفد بنى حنيفة

- ‌وفد طيىء

- ‌وفد كندة

- ‌وفد الأشعريين وأهل اليمن

- ‌غدا نلقى الأحبة…محمدا وصحبه

- ‌وفد الأزد

- ‌وفد بني الحارث بن كعب

- ‌وفد همذان

- ‌قدوم وفد دوس

- ‌قدوم رسول ملوك حمير

- ‌671- كتاب آخر لليمن:

- ‌وفد نجران

- ‌ما يدل عليه أمر هذا الوفد

- ‌الإذعان والإيمان:

- ‌قدوم وفد بنى سعد بن بكر

- ‌وفد تجيب

- ‌وفد بنى سعد من قضاعة

- ‌وفد فزارة

- ‌وفد بهراء

- ‌قدوم وفد عذرة

- ‌وفد بلى

- ‌وفد ذى مرة

- ‌وفد خولان

- ‌وفد محارب

- ‌وفد صداء

- ‌قدوم وفد سلامان

- ‌وفد غامد

- ‌وفد الأزد

- ‌قدوم وائل بن حجر

- ‌وفد النخع

- ‌المغزى فى هذه الوفود

- ‌بعث معاذ بن جبل

- ‌بعث علي رضى الله عنه

- ‌وننبه هنا إلى أمور ثلاثة يوجب الحق التنبيه إليها:

- ‌أولها:

- ‌ثانيها:

- ‌ثالثها:

- ‌تولية على قضاء اليمن:

- ‌بعث الصديق ليكون أمير الحج

- ‌تنبيهان لا بد منهما:

- ‌697- التنبيه الأول:

- ‌التنبيه الثاني:

- ‌سورة براءة

- ‌ما اشتملت عليه سورة براءة:

- ‌غزوة تبوك فى سورة براءة:

- ‌لمز المنافقين فى الصدقات وغيرها:

- ‌جهاد النفاق والكفر:

- ‌أعذار النفاق:

- ‌ما بين الإيمان والضعف والنفاق:

- ‌بعض ما في سورة براءة من حكم وعبر

- ‌انتشار الدعوة الإسلامية

- ‌الحديبية:

- ‌حجة الوداع

- ‌الخروج لحجة البلاغ، وما قام به من مناسك:

- ‌الأماكن التى نزلها، والأدعية التى ذكرها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌دعاؤه صلى الله تعالى عليه وسلم فى عرفة:

- ‌العودة إلى المدينة المنورة

- ‌الوداع بعد التمام

- ‌بعث أسامة بن زيد

- ‌بعث اسامة إلى أرض فلسطين:

- ‌الوداع

- ‌أولها:

- ‌الأمر الثانى:

- ‌الأمر الثالث:

- ‌توديعه لابنته:

- ‌إنك ميت وإنهم ميتون

- ‌صلاة أبى بكر:

- ‌لكل أجل كتاب:

- ‌غسل الجثمان الطاهر ودفنه:

- ‌تركة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌زوجات النبي صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌زواجه عليه الصلاة والسلام ببقية نسائه:

- ‌العبرة

- ‌أما بعد

- ‌فهرس المحتويات

- ‌المجلد الأول

- ‌المجلد الثانى

- ‌المجلد الثالث

الفصل: ‌زوجات النبي صلى الله تعالى عليه وسلم

‌زوجات النبي صلى الله تعالى عليه وسلم

725-

يحلو لبعض الكتاب غير المسلمين أن يقولوا، إن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم كان رجلا شهوانيا، بدليل أنه تزوج نحو ثلاث عشرة، وتوفى عن تسع وقد أسرفوا على أنفسهم فى القول، وعلى الحقيقة فطمسوها فى زعمهم، ولكن الحق أبلج، نير يكشف دائما ما يكون من غمة يحاول أصحابها أن يعموا الحق ويدلسوا على أهله.

لقد زعموا أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم شهوانى، لزواجه، ونحن نتخذ من زواجه دليلا على أنه لم يكن شهوانيا، بل كان أقرب إلى أن يكون سلبيا، لا تغلبه شهوة، ولا يسيطر عليه هوى فى أى ناحية من النواحى.

لقد تزوج أم المؤمنين خديجة وهو شاب مكتمل القوى فى الخامسة والعشرين من عمره، وكانت هى فى الأربعين من عمرها، وعاش معها نحو ست وعشرين سنة، أى تجاوزت نحو السادسة والستين، وأنجب منها ستة أولاد، ولم يفكر فى أن يتزوج عليها، وكان معروفا بالعفة، والشهوات تتقزز فى نفس أمثاله ممن هم فى مثل سنه، وهو بالنسبة لهم العفيف النزيه الذى لم يزن بريبة قط، ونساء قريش يتمنين أن يكون ضجيعا لهن، ولكنه كان فى عزوف عن كل شهوة، ونظرة إلى النساء.

حتى إذا توفيت أم المؤمنين خديجة وقد تكاثرت مشاغله، فكان مشغولا بالدعوة إلى التوحيد ومكابدة الأذى الذى تفاقم بعد وفاة خديجة وعمه أبى طالب.

ولقد كان التعدد من بعد ذلك، ولمقاصد ليست هى الشهوة، كما أن الشهوة ليست بعض هذه العناصر، والدلائل تدل على أنها كانت بعيدة كل البعد.

وإنا نذكر أن هذا التعدد كان إما لأن امرأة بعض الصحابة الذين جاهدوا معه قد قتل وهو يهاجر، وكانت امرأته أهلها فى الشرك، فإما أن تعود إليهم فتتعرض للعذاب والردة ولا أحد معها فى دار الهجرة من قومها، فيتحمل هو عبء الزواج منها حفاظا لها ورعاية، ولا ينظر فى ذلك إلى أنها يرغب فى الزواج منها، أو ليس فيها ما يرغب إلا رعايتها وحمايتها، إما هذا، وإما ليربط بها مع معين له فى التبليغ، فيرتبط معه برباط المصاهرة مع رباط الإيمان، وإما لإنقاذ امرأة من الرق، من غير نظر إلى كونها جميلة أو غير ذلك.

وإما لبيان أحكام شريعة فيطبقها عملا، ليكون أسوة للناس فى محاربة أمر جاهلى قد اعتادوه، وإن لم يقره الإسلام، فيفعله النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لكيلا يكون حرج على الناس أن يفعلوه. وإما ليرتبط بالقبائل العربية، ليتخذ منها دعاة للإسلام. وإما لإزالة النفرة، وجلب المودة.

ص: 1096

هذه بعض مقاصد التعدد وكلها أو جلها لحماية المرأة من الضياع، فقد حمل نفسه عليه الصلاة والسلام بأمر ربه عبء ذلك، فكان الزواج تكليفا، لا للرغبة بله الشهوة.

وهذا إجمال، ولنذكر تفصيله فى زواج كل امرأة من أمهات المؤمنين بعينها.

لقد كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعد أن يعقد زواجه ممن كتب عليه أن يتزوجها، لا يدخل بها إلا بعد أن يتأكد رضاها بهذا الزواج، وأنها راغبة فيه راضية، فيطلب إليها أن تهب نفسها له.

726-

وعدد زوجات النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ثلاث عشرة وكانت له جاريتان مارية القبطية وريحانة بنت زينب، وقد أعتق ريحانة فأسلمت، ولحقت بأهل لها، وبقيت مارية، وروى أنه أعتقها وتزوجها، وبقيت عنده، حتى توفى صلى الله تعالى عليه وسلم.

وأول أزواجه صلى الله تعالى عليه وسلم أم المؤمنين خديجة، وقد ذكرنا خبر هذا الزواج فى موضعه من حياة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وقد بقى معها نحو ست وعشرين سنة كما أشرنا، وكان له منها أولاده الستة، القاسم والطيب، وقد ماتا قبل الهجرة، أو قبل البعثة، ورقية وأم كلثوم وزينب وفاطمة، وماتا قبله، ولم يمت بعده إلا فاطمة، وقد ماتت رضى الله عنها بعد وفاته بستة أشهر، وبأولادها حفظت العترة المحمدية فى ولديها الحسن والحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة، كما ورد بذلك الأثر عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم. ولم يتزوج فى حياتها غيرها، كما ذكرنا.

وتزوج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم من بعدها قبل الهجرة سودة بنت زمعة، وكانت نحو سن خديجة أى فى ست وستين من عمرها، ولم تكن فى جمال خديجة.

وكانت قد أسلمت مع زوجها، وهاجرا إلى الحبشة فرارا من أذى الجاهليين من قريش، ومات بعد أن عادا، وكان أهلها لا يزالون على الشرك، فإذا عادت إليهم فتنوها فى دينها، فتزوجها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم حماية لدينها من الفتنة.

وتزوج من بعدها أم المؤمنين عائشة بنت صاحبه الصديق، وكانت فى نحو التاسعة من عمرها فما كانت لتشتهى لأنها كانت ضاوية، حتى يقال إنه تزوجها للشهوة، ولم يدخل بها إلا بعد الهجرة، وما كان الزواج إذن لشهوة يبتغيها، ولكن لصحبة بالصديق يوثقها، بالمصاهرة، وهى تشبه النسب، وقد كان أحد وزيريه.

ويروى أنه تزوجها قبل سودة، ولكن الرواية الراجحة ما ذكرنا، ولعل التقارب فى الزمن بين الزواجين لم يعين السابق منهما تعيينا دقيقا فى الروايات.

ص: 1097

3-

وبعد الهجرة تزوج عليه الصلاة والسلام حفصة بنت عمر بن الخطاب وكانت زوجا لخنيس بن حذافة مات عنها مؤمنا.

وكان الزواج لتوثيق الصحبة بأبيها رضى الله عنه، فقد كان الوزير الثانى للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم. وما أحاط بزواجه يدل على أن مودته عليه الصلاة والسلام هى التى دفعت إلى هذا الزواج، ذلك أن عثمان رضى الله تعالى عليه لما ماتت زوجته رقية وغزوة بدر قائمة، رغب عمر رضى الله عنه فى أن يزوج ابنته حفصة من عثمان رضى الله تعالى عنه، فعرض عليه، فسكت عثمان، فشكا عمر ذلك للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال سيتزوجها من هو خير من عثمان، وسيتزوج عثمان من هى خير من حفصة، فتزوج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم حفصة، وتزوج عثمان أم كلثوم بنت النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.

وترى من هذا أن زواجه عليه الصلاة والسلام منها كان ربطا للمودة وإرضاء للقلوب.

4-

وتزوج عليه الصلاة والسلام والحرب قائمة بينه صلى الله تعالى عليه وسلم وبين المشركين بقيادة كبيرهم أبى سفيان، تزوج أم حبيبة رملة بنت أبى سفيان هذا.

كانت قد سافرت مع زوجها عبد الله بن جحش إلى الحبشة، ولكنه تنصر، وخرج عن الإسلام فكانت بين أن ترجع لأبيها زعيم الشرك فتفتن فى دينها، وبين أن تعود إلى المدينة المنورة لا مأوى لها، فاواها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بزواجه منها، فبعث النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عمرو بن أمية الضمرى إلى أرض الحبشة فخطبها عليه الصلاة والسلام، فزوجها منه عثمان بن أبى العاص، ودفع النجاشى صداقها. وهو أربعمائة دينار. وبعث بها إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.

وبهذا الزواج أصاب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم هدفين: أحدهما أنه وقاها من الشرك وأن تفتن فى دينها، وأصهر من أبى سفيان الذى سر منه، ورحب به، وروى أنه قال: نعم الفحل محمد.

5-

وتزوج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم زينب بنت خزيمة، وهى من بنى عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة، ويقال لها أم المساكين، وقد قتل زوجها يوم أحد، وكان ذلك إيواء لها، وتشجيعا لها على إعانة المساكين، ولكنها لم تلبث إلا قليلا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ثم توفيت فى حياته عليه الصلاة والسلام.

6-

وتزوج النبى عليه الصلاة والسلام زينب بنت جحش، وكانت زوجا لزيد بن حارثة، وقد تزوجته على أنه ابن محمد صلى الله تعالى عليه وسلم إذ أطلق النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك الاسم، لما رفض أن يعود مع أهله، ورضى أن يبقى مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فلما أنزل الله

ص: 1098

سبحانه وتعالى على نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم: وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ، وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ. ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ (الأحزاب) تململت ببقائها مع زيد، إذ تبين أنه ليس بقرشى، وقد تململ زيد من كبريائها واستأذن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى طلاقها، فقال له: اتق الله وأمسك عليك زوجك، وقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم أن يتزوجها بعد أن يطلقها زيد، ولكنه أخفى ذلك، وخشى مقالة الناس أن يقولوا تزوج محمد زوجة ابنه.

ولكن الله تعالى أمره بقوله تعالى: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (الأحزاب) وإن الله تعالى أمره بذلك لكى لا يكون على المؤمنين حرج فى أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا فأمر النبى عليه الصلاة والسلام بذلك الزواج لكى تزول تلك العادة المستحكمة فيهم وهى عادة التبنى التى سرت إليهم من الرومان، وليست من طبائع القرابة، بل هى كذب، وافتراء وفساد للأسرة، إذ يدخل فيها ما ليس منها.

727-

واقرأ الآيات التى اشتملت على ذلك:

وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً. وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ، أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ، وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ، وَتَخْشَى النَّاسَ، وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ، فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها، لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ، إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً، وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا. ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ، وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً. الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ، وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ، وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً. ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ، وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً»

(الأحزاب- 36: 40) .

هذا أمر زينب بنت جحش، وزيد بن حارثة كما ساقها القرآن الكريم، وهى تدل:

أولا: أنه فى الجاهلية كان يعتبر الدعى- أى المتبنى- ابنا وألغى الله تعالى حكم هذه العادة، وقد تلونا من قبل فى أول سورة الأحزاب ما يدل على ذلك.

ص: 1099

ثانيا: على أن الله تعالى اقتضت حكمته أن يؤكد إبطال ذلك الحكم الجاهلى الذى يدخل فى الأسرة بحكم النسب من ليس منها، فلا تتعاطف بحكم الفطرة، وتفسد الأسر، واقتضت حكمته أن يكون تأكيد الإبطال بالنبى صلى الله تعالى عليه وسلم يتزوج زوجة دعيه، وقد فسدت العلاقات بينهما بتململ القرشية من أن تكون تحت غير قرشى هو عتيق وليس ابنه، فاستكبرت، وتململ زيد من كبريائها فأراد تطليقها، فقال له الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم أمسك عليك زوجك، وهو يعلم أن الله كتب أن يطلقها، وكتب على محمد صلى الله تعالى عليه وسلم أن يتزوجها، ولكنه يخفى فى نفسه ما لا يبديه من أن الله تعالى كتب الطلاق من زيد، وللزواج منه صلى الله تعالى عليه وسلم لأنه يخشى أن يجابه العرب، بمخالفة ما ألفوا.

ولقد أمر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بأن يتزوجها بعد الطلاق لكيلا يكون على المؤمنين حرج فى أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهم وطرا. كما دلت الآيات:

ثالثا: على أن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم لم يكن أبا لأحد من رجال العرب، إن انتفت أبوة الأدعياء، هذا ما تدل عليه الآيات الكريمات بظاهرها، ومقصدها ومرماها.

ولكن الذين يفسدون المعانى، ويريدون الكيد للإسلام اخترعوا هذا اختراعا فى العهد الأموى، اخترعها يوحنا الدمشقى ونشرها بين المسلمين ليقولها أتباعه، وينشروها بين بعض التابعين، وقد توهم صدقها بعض الذين تبهرهم الروايات من غير تمحيص، ومع الأسف كان من بين هؤلاء أبو جعفر بن جرير فنقلها مصدقا لها، ونقلها أكثر المفسرين عنه، حتى بين كذبها وافتراءها ابن كثير فى كتابه تفسير القرآن العظيم، رضى الله تعالى عنه، وعفا الله عن الطبرى فى أن نشر ذلك الضلال، وإن نقل الكذب لا يحوله إلى صدق، ولو كان الطبرى ناقله.

ومن الغريب أن حملوا الآية الفرية التى افتروها، وكان المتعصبون من غير المسلمين هم الذين ادعوها، لقد ادعوا أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم رآها تغتسل، فوقع فى قلبه حبها، فأراد من زيد أن يطلقها ليتزوجها، وادعوا أن ذلك هو ما أخفاه، وخشى من الناس، وأن الله أبداه، وإن ذلك لا يمكن أن ينطبق بحال من الأحوال على معانى الآية وظواهرها، إلا أن يكون ذلك اختراعا اخترعوه، ويدل على مناهضة الآية لهذه المعانى الفاسدة ما يأتى:

أولا: أن الزواج منها لم يكن كما تدل الآية برغبة من النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، حتى تكون الشهوة هى المحركة، بل إن الزواج كان بأمر الله تعالى وذلك بنص الآية بقوله تعالى: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ.

ص: 1100

ولأن الله تعالى نسب التزويج إلى ذاته العلية، بأن الله تعالى هو الذى قال: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها وذكر سبحانه وتعالى السبب فى هذا الزواج الذى فرضه الله تعالى وتولى تعالى عقده ليس الشهوة، وإنما هو ألا يكون على المؤمنين حرج فى أن يتزوجوا أزواج الذين يتبنونهم وليس شهوة، ولا ما يشبهها.

والخشية التى خشيها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم هى مجابهة ما عليه الجاهلية، فعاتبه سبحانه وتعالى على هذه الخشية بأن الله تعالى أحق بأن يخشاه فيطيع أوامره.

وثانيا: أن الله تعالى قال: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ فيقولون هو العشق الذى أخفاه، والآية تناقض ذلك، لأن الله تعالى ما أبدى عشقا، ولكن أبدى الأمر بالزواج، فكان هو الذى أخفاه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم على زيد، وقال: أمسك عليك زوجك واتق الله.

وثالثا: أن الآية الكريمة تدل بنصها ومغزاها على أن موضوعها منع أن يكون المتبنى ابنا، ولذلك أمر الله تعالى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن يتزوج امرأة دعيه، ليكون بيانا للشرع عمليا، كما بينه النص القرآنى، قولا مفروضا بالمنع المؤكد.

ولذلك أكد سبحانه وتعالى النفى بقوله تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ، وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ هذا هو المعنى الجلى من غير تلبيس كذاب، ولا اتباع متوهم.

وكنا نود أن يدرك المفسرون، والذين يتكلمون فى معانى القرآن الكريم، وأخبار النبى صلى الله تعالى عليه وسلم حقيقة هذه الفرية، ومصدرها، الذى أراد إفشاءها كيدا للمسلمين بعد أن بين ابن كثير الحافظ للسنة، كذب هذه الرواية، ورد كلام ابن جرير ردا قويا.

وكنا نود أن يتعرف الذين يكذبون الآن فى السيرة ذلك، وكنا نحسب أن لهم ذوقا بيانيا، وعمقا فى دلالات الألفاظ ومراميها، كنا نود منهم أن يمحصوا القول ويدركوه، ولكن غلبت النزعة الروائية التى نسمع أمثالها منسوبا إليهم، فكتبوا فيما تصدوا له من كلام فى السيرة عنوانا يقول: النبى العاشق، وقد كتبوا تحت العنوان تلك الفرية المفتراة على أنها وقائع وقعت، وكأنها قصة من الروايات التى كتبوها.

وتبعهم من يقلدونهم من غير أن يفرقوا بين حق وباطل، ولا أقول عفا الله عنهم، لأن أقوالهم لا تزال تردد منسوبة إليهم، ولهم فى المجتمع الأدبى مكانة، جزاهم الله تعالى بمقدارها.

ص: 1101