المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الخروج لحجة البلاغ، وما قام به من مناسك: - خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم - جـ ٣

[محمد أبو زهرة]

فهرس الكتاب

- ‌ الجزء الثالث

- ‌رسائله صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌إلى خيبر

- ‌القائد حامل الراية:

- ‌الصلح والغنائم

- ‌خيانة وجزاؤها:

- ‌الأرض والنخيل:

- ‌فدك

- ‌حوادث ذات مغزى في خيبر

- ‌منها أمر الأسود الراعى:

- ‌ومنها قصة أعرابى يجاهد ويرد المغنم:

- ‌مؤمن يتحايل لماله بمكة المكرمة:

- ‌زواج النبي صلي الله تعالي عليه وسلم بأم المؤمنين صفية

- ‌غدر وسماحة

- ‌قدوم جعفر بن أبى طالب ومن معه من المهاجرين

- ‌وادى القرى

- ‌صلح تيماء

- ‌إجلاء عمر لليهود

- ‌الأحكام الشرعية التى تقررت في خيبر

- ‌إباحة المزارعة والمساقاة:

- ‌تحريم أكل لحم الحمر الإنسية:

- ‌تحريم سباع البهائم:

- ‌تحريم وطء الحبالى من السبايا وغيرهن:

- ‌قسمة الغنائم ومالا تقسم منها ووقتها:

- ‌الأمانة واجبة مع الأعداء:

- ‌النبى صلى الله تعالى عليه وسلم تفوته الصلاة:

- ‌تحريم المتعة في خيبر

- ‌حقيقة المتعة:

- ‌وتختص بالأحكام الآتية:

- ‌نهى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عن المتعة:

- ‌تحريم ربا البيوع

- ‌الحكمة فى تحريم البيوع فيها إلا بالمثل:

- ‌علة القياس فى الأموال الربوية:

- ‌تنبيهات:

- ‌شرعية الجزية

- ‌صحيفة مكذوبة:

- ‌الجزية التى كان يأخذها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم:

- ‌وخلاصة عقد الذمة أنه تضمن:

- ‌سرايا بعد خيبر

- ‌سرية أبى بكر الصديق إلى فزارة

- ‌سرية عمر بن الخطاب

- ‌سرية عبد الله بن رواحة إلى يسير اليهودى

- ‌سرية بشير بن سعد إلى بنى مرة من فدك

- ‌سرية أبي حدود

- ‌عمرة القضاء

- ‌عمرة القضاء فى القرآن الكريم

- ‌حكم شرعى فى عمرة القضاء

- ‌سرية ابن أبى العوجاء السلمى

- ‌إسلام خالد بن الوليد

- ‌إسلام عمرو بن العاص

- ‌سرايا للتعرف في البلاد

- ‌إلي بني قضاعة

- ‌غزوة مؤتة

- ‌نتيجة الغزوة

- ‌سرية ذات السلاسل

- ‌سرية أبي عبيدة

- ‌سرية أبي قتادة

- ‌انتشار الإسلام فى البلاد العربية

- ‌بعث الرسائل إلى الملوك

- ‌كتابه إلى هرقل وأثره

- ‌كتابه إلي كسري ملك الفرس

- ‌كتابه إلى النجاشى

- ‌كتاب رسول الله صلي الله تعالى عليه وسلم إلى المقوقس

- ‌كتابه إلى المنذر بن ساوى

- ‌الكتاب إلى ملك عمان

- ‌كتابه عليه الصلاة والسلام إلى صاحب اليمامة

- ‌الذمى

- ‌الفتح المبين

- ‌نقض قريش لصلح الحديبية:

- ‌ذل الغدر

- ‌الاستعداد للفتح

- ‌خروج الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌قريش تتحسس الأخبار

- ‌اللقاء

- ‌دخول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مكة المكرمة:

- ‌إسلام أبى قحافة:

- ‌قتال فى جوانب من مكة المكرمة:

- ‌دخول النبى صلى الله تعالى عليه وسلم المسجد الحرام:

- ‌العفو الكريم الشامل:

- ‌الأمان العام:

- ‌الأنصار يتوهمون أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يعود إلى مكة المكرمة

- ‌حرمة مكة المكرمة

- ‌محطم الأوثان

- ‌بعثة خالد بن الوليد إلى جذيمة

- ‌مدة إقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة المكرمة

- ‌أحكام فقهية شرعت فى الفتح

- ‌مكة المكرمة وما يحرم فيها:

- ‌دية شبه العمد

- ‌الميراث بين المسلم والكافر

- ‌الولد للفراش

- ‌قطع اليد

- ‌المتعة وتحريمها

- ‌المبايعة على الإسلام

- ‌نفقة الزوجة

- ‌حكم الهجرة بعد الفتح

- ‌ملكية أرض مكة المكرمة

- ‌سب النبى صلى الله عليه وسلم

- ‌غزوة هوازن

- ‌ابتداء المعركة:

- ‌الانهزام ثم الانتصار:

- ‌الانتهاء بالهزيمة الساحقة:

- ‌ أوطاس

- ‌ثمرات المعركة

- ‌موجدة الأنصار

- ‌الشفاعة في الغنائم بعد توزيعها

- ‌أحكام شرعية في غزوة حنين

- ‌العارية المضمونة:

- ‌عطاء المؤلفة قلوبهم من غنيمة هوازن

- ‌تبادل الرقيق بالحيوان

- ‌غزوة الطائف

- ‌عود إلي غنائم هوازن

- ‌عمرة الجعرانة

- ‌قدوم كعب بن زهير

- ‌السرايا بعد هوازن

- ‌سرية الضحاك بن سفيان:

- ‌سرية قطبة بن عامر:

- ‌سرية علقمة بن محرز:

- ‌سرية على بن أبى طالب لهدم صنم طيئ:

- ‌غزوة تبوك

- ‌الحال عند الغزو:

- ‌المسير

- ‌وصول رسول الله صلي الله تعالي عليه وسلم إلى تبوك وخطبته

- ‌نتائج تبوك

- ‌كتاب قيصر إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌مصالحته عليه الصلاة والسلام ملك أيلة:

- ‌سرية خالد إلى أكيدر دومة

- ‌عودة المسلمين من تبوك

- ‌القائد يرعى جنده حيا وميتا:

- ‌عصمة الله تعالى لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌مسجد الضرار

- ‌الثلاثة الذين خلفوا

- ‌العبرة والتربية:

- ‌سبعة ربطوا أنفسهم بأعمدة المسجد

- ‌الوفود

- ‌وفد مزينة

- ‌وفد بنى تميم

- ‌وفد ثقيف

- ‌وفد بني عامر

- ‌وفد عبد القيس

- ‌وفد بنى حنيفة

- ‌وفد طيىء

- ‌وفد كندة

- ‌وفد الأشعريين وأهل اليمن

- ‌غدا نلقى الأحبة…محمدا وصحبه

- ‌وفد الأزد

- ‌وفد بني الحارث بن كعب

- ‌وفد همذان

- ‌قدوم وفد دوس

- ‌قدوم رسول ملوك حمير

- ‌671- كتاب آخر لليمن:

- ‌وفد نجران

- ‌ما يدل عليه أمر هذا الوفد

- ‌الإذعان والإيمان:

- ‌قدوم وفد بنى سعد بن بكر

- ‌وفد تجيب

- ‌وفد بنى سعد من قضاعة

- ‌وفد فزارة

- ‌وفد بهراء

- ‌قدوم وفد عذرة

- ‌وفد بلى

- ‌وفد ذى مرة

- ‌وفد خولان

- ‌وفد محارب

- ‌وفد صداء

- ‌قدوم وفد سلامان

- ‌وفد غامد

- ‌وفد الأزد

- ‌قدوم وائل بن حجر

- ‌وفد النخع

- ‌المغزى فى هذه الوفود

- ‌بعث معاذ بن جبل

- ‌بعث علي رضى الله عنه

- ‌وننبه هنا إلى أمور ثلاثة يوجب الحق التنبيه إليها:

- ‌أولها:

- ‌ثانيها:

- ‌ثالثها:

- ‌تولية على قضاء اليمن:

- ‌بعث الصديق ليكون أمير الحج

- ‌تنبيهان لا بد منهما:

- ‌697- التنبيه الأول:

- ‌التنبيه الثاني:

- ‌سورة براءة

- ‌ما اشتملت عليه سورة براءة:

- ‌غزوة تبوك فى سورة براءة:

- ‌لمز المنافقين فى الصدقات وغيرها:

- ‌جهاد النفاق والكفر:

- ‌أعذار النفاق:

- ‌ما بين الإيمان والضعف والنفاق:

- ‌بعض ما في سورة براءة من حكم وعبر

- ‌انتشار الدعوة الإسلامية

- ‌الحديبية:

- ‌حجة الوداع

- ‌الخروج لحجة البلاغ، وما قام به من مناسك:

- ‌الأماكن التى نزلها، والأدعية التى ذكرها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌دعاؤه صلى الله تعالى عليه وسلم فى عرفة:

- ‌العودة إلى المدينة المنورة

- ‌الوداع بعد التمام

- ‌بعث أسامة بن زيد

- ‌بعث اسامة إلى أرض فلسطين:

- ‌الوداع

- ‌أولها:

- ‌الأمر الثانى:

- ‌الأمر الثالث:

- ‌توديعه لابنته:

- ‌إنك ميت وإنهم ميتون

- ‌صلاة أبى بكر:

- ‌لكل أجل كتاب:

- ‌غسل الجثمان الطاهر ودفنه:

- ‌تركة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌زوجات النبي صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌زواجه عليه الصلاة والسلام ببقية نسائه:

- ‌العبرة

- ‌أما بعد

- ‌فهرس المحتويات

- ‌المجلد الأول

- ‌المجلد الثانى

- ‌المجلد الثالث

الفصل: ‌الخروج لحجة البلاغ، وما قام به من مناسك:

‌حجة الوداع

709-

كانت حجة الوداع فى آخر التبليغ المحمدى، إذ عم العلم بالدعوة الإسلامية البلاد العربية كلها، وخرج نور الإسلام إلى الشام، فدخل فيه من العرب الذين كانوا يخضعون لحكم الرومان، وسميت حجة الوداع، لأن النبي صلي الله تعالى عليه وسلم انتقل إلي الرفيق الأعلي بعدها بأمد قصير، ولأن العبارات فى خطبة الوداع كانت تفيد بأن النبي صلي الله تعالي عليه وسلم لا يلقاهم بعد عامهم هذا، وسميت حجة البلاغ. لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يذكر فى خطبتها عبارة التبليغ، ونحن نرى أنها سميت حجة البلاغ، لأنها خاتمة البلاغ إلى البلاد العربية، فعمهم العلم بالدعوة الإسلامية، ودخلوا في الإسلام وأشرب حبه في قلوب بعضهم، حتى صاروا مؤمنين، وقدم بعضهم الطاعة له ولأحكامه، ولما يدخل الإيمان قلوبهم.

وقد حمل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عبء الدعوة وتبليغ ما علموا وما أدركوا من حضرة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، فحمل الأمانة الذين شاهدوا وعاينوا وقبسوا من نور الوحى الإلهي، وإن كان قد ختم الوحي برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وهم الذين رضي الله تعالي عنهم ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم فى بيعة الرضوان، كأبى بكر وعمر وعثمان وعلي، وأبي عبيدة وغيرهم من الذين كانوا كالحواريين لعيسي عليه الصلاة والسلام، حمل هؤلاء الأطهار الأمانة، ورعوها حق رعايتها، وكانت البلاد العربية كلها بعد أن ارتد من ارتد، قد تجردت لحماية الدعوة، حتي أشربوا حب الإيمان، فكانت القيادة الحربية أحيانا لغير أهل البيعة، ولكن يكون بجوارهم مرؤسون لهم من بعض أهل البيعة، كأبي عبيدة، كان بجوار خالد بن الوليد، وإن كنا نعتقد أن خالدا ممن دخل الإيمان قلبه، ولكن لم يكن كأهل البيعة في العلم بالإسلام، وأحكامه وفرائضه.

وأحيانا تكون القيادة لأهل البيعة كما كان في فتح فارس، فقد كان القائد سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين بالجنة.

‌الخروج لحجة البلاغ، وما قام به من مناسك:

710-

يقول ابن القيم: إن الحج فرض في السنة التاسعة، وما كان من حج الناس قبلها إنما كان على العادة التي كانت عند العرب، ولذلك لم يرسل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أميرا علي الحج إلا في السنة التاسعة، ولم يحج هذا العام، لأن المشركين كانوا يحجون علي عادة الجاهلية، فأرسل أبا بكر ولم يذهب بنفسه، حتي لا يكون فى سكوته إقرار لهذه الأمور الجاهلية، ولما منعت بمنع المشركين من القرب من المسجد الحرام، قام صلى الله تعالى عليه وسلم بالحج وتولي إمرته بنفسه.

ص: 1071

وقد اعتزم الخروج من المدينة المنورة ميمما وجهه شطر المسجد الحرام لست بقين من ذى القعدة ولما عزم أعلن على الحج في المدينة المنورة وما حولها- فقدموا يريدون الحج مع رسول الله صلى الله تعالي عليه وسلم، ولما شاع الخبر في البلاد العربية، وافاه في الطريق خلق كثير، لا يحصون فكانوا من بين يديه، وعن يمينه وعن شماله على قدر رؤية البصر.

خرج بمن حول المدينة المنورة نهارا في التاريخ الذى أشرنا إليه وخطب الذين صحبوه من المدينة المنورة وعلمهم مناسك الحج، وكان كلما وفد عليه، وهو فى طريقه، وفد علمه مناسك الحج، وأبعدهم عن بقايا الجاهلية التي كان المشركون يتخذونها في بيت الله الحرام كالطواف عرايا.

وبين لهم كيف يكون الإحرام، ومواقيت الحج، وبين لهم أنواع الإحرام وما يلزم في كل نوع فبين لهم أن من أحرم بالحج والعمرة فعليه أن يسوق الهدي، ولا يتحلل إلا يوم النحر بعد أداء الحج، فيتحلل بنحر الهدي يوم النحر، ومن نوي العمرة ولم يسق الهدي فله أن يتحلل بنحر بعد السعي بين الصفا والمروة، والطواف بالبيت سبعا، يجب في ثلاث منها الهرولة، ويستلم في ابتداء كل واحدة الحجر الأسود تعرفا لكمالها.

وفى السعي سبعا بين الصفا والمروة يرمل بين الميلين الأخضرين، وأنه يلبي بعد الإحرام بأن يقول لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك لبيك.

ثم بعد أن علم هذه المناسك قولا، وأراهم إياها عملا من بعد أن أحرم من ذي الحليفة ميقات المدينة المنورة، وعلمهم المواقيت كلها، وأنه يحرم عندها أو قبلها ولا يمر عليها إلا محرما.

وأهل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بعد إحرامه بالحج والعمرة، وأهل بعض من معه، بالحج فقط، لأن العمرة تدخل فيه، وبالعمرة فقط، وقد فهم بعض الناس من إهلاله بالحج والعمرة أنه كان قارنا أى جامعا بينهما لأنه ساق الهدي ومن أهل بالحج كان مفردا أي لم ينو العمرة في حجته، ومن أهل بالعمرة فقط فإنه متمتع. لأنه المتمتع، يهل بالعمرة، ويؤديها ثم يتحلل منها، ثم ينوي الحج، ويذبح الهدي يوم النحر، وقد سمي القرآن القران تمتعا فجمع بينه وبين التمتع في عبارة واحدة، وهي قول الله تعالى:

فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ، تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ، ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.

وإن الروايات تتضافر علي أن حجه صلي الله تعالى عليه وسلم كان قرانا وأنه عليه الصلاة والسلام يرتضي لنفسه أشدها كلفة، ولا شك أن القران يجمع كمالين: الهدى يساق ويعلم من أول إهلاله

ص: 1072

والاستمساك بالتحريم في مناسك الحج، حتي تؤدي كلها من السعي والطواف والوقوف بعرفات ثم بالمزدلفة، ثم الذهاب إلي مني بعد المشعر الحرام، والتمتع فيه رخصة في أحد الأمرين ففيه رخصة التحلل قبل الحج، ثم الإحرام له، والحج بإفراده من غير عمرة معه فيه رخصة من عدم الالتزام بالهدي، فاختار سبحانه وتعالي القران، لأنه لا سهولة فيه أولا، ولأن فيه تعليم العمرة عملا ثانيا، ولأن فيه سوق الهدي من أول الحج، وإشعاره بوضع مزادة فيه، فقد وضع المزادة وشق جانبا من سنام زاملته، كان ذلك كله تعليما، وما كان ليعلم ذلك عمليا لو كان قد أحرم بالحج مفردا، أو أحرم متمتعا، فكان القران فيه كمال التعليم.

ومع أنه صلي الله تعالي عليه وسلم اختار لنفسه القران نسكا فى الحج فقد رخص للناس، من غير بيان أيها أفضل فى أن يختاروا بين الأنساك الثلاثة. القران، أو التمتع، أو الإفراد، ولكنه اشترط في حال القران سوق الهدى، وفى التمتع الهدي يوم النحر.

وقد حدث فى أثناء سير ركب النبي صلي الله تعالى عليه وسلم أن أصاب الحيض أم المؤمنين عائشة، فأمرها بالاستمرار فى حجها علي ألا تدخل المسجد الحرام، وتطوف، وولدت أسماء بنت عميس زوج أبي بكر ولده محمد بن أبى بكر، وقد أمرها أن تغتسل لإحرامها، كما أمر عائشة رضي الله عنها وعن أبيها.

مضي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لحجته، والمسلمون وراءه يتعلمون من عمله، وهو يلبى، كلما تحول من مكان إلي مكان، وكلما علا مرتفعا، أو انخفض في واد.

وقد منع أن يصاد حيوان من الحرم، وأن يؤكل صيد الحرم، لأنه حرام فما يؤدي إليه يكون حراما، ولكن أباح للمحرمين أن يأكلوا صيد غيرهم ممن يكونون في حل.

وفى أثناء سيره، كان يبين العبر فيما مر به من أرض، وبوادى عسفان فقال لصاحبه أبي بكر، يا أبا بكر أي واد هذا؟ قال: وادي عسفان، فقال صلي الله تعالى عليه وسلم. «لقد مر به هود وصالح» .

711-

ومن الروايات الراجحة يثبت أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان قارنا جمع بين الحج والعمرة فى إهلال واحد، وقد ساق الهدي وكان ثلاثا وستين بدنة، ولما جاء إليه علي من اليمن أشركه في بدنه. وقد قلد البدنة وأشعرها.

ولكن لم يكن من معه قارنين، بل قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كان منهم من كان قارنا كالرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ومنهم من أفرد بالحج، ومنهم من تمتع، فقد روي ابن أبى شيبة أن عائشة رضي الله عنها قالت: «خرجنا مع رسول الله صلي الله تعالى عليه وسلم، للحج علي ثلاثة

ص: 1073

أنواع، فمنا من أهل بعمرة وحجة، ومنا من أهل بحج مفرد، ومنا من أهل بعمرة مفردة، فمن كان أهل بحج وعمرة معا، لم يحلل من شئ مما حرم منه، حتي يقضي مناسك الحج، ومن أهل بعمرة مفردة فطاف بالبيت، وبالصفا والمروة حل ما حرم منه، حتي يستقبل حجا. وإن هذا يدل علي أمرين:

أحدهما: أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان قارنا، ولم يدع الناس جميعا إلي القران، لأنه ربما يكون فيهم من لا يستطيع الهدي، ومن لا يحتمل تحريم محرمات الحج مدة طويلة، فأجاز لهم التمتع والقران والإفراد، وبين لهم ما يلزم كل نوع من هذه النسك، ولم ينه عن واحد منها، بل لم يبين أفضلها، وإن كان الأفضل يعرف من اختيار النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا من قوله، وربما يفهم من التخيير من غير مفاضلة المساواة فيها.

وإن الحق أن كلا له فضله في حاله، ففي حال الضعف، أو عدم القدرة علي الهدي يكون الأيسر، هو الأفضل، لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يختار الأيسر، فما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما.

وقد رأي عمر وعثمان رضي الله عنه قد تبعه أن يكون الإفراد أولي، حتي لا يخلو البيت الحرام من قاصديه طول العام، لأنه إذا شاع اجتماع العمرة والحج في أشهر الحج، ما قصد البيت في أثناء العام، وعمر يريد ألا يخلو البيت طول العام من قاصديه.

ولقد تبع ذلك عثمان رضي الله عنه، لأنه قد تعهد عند مبايعته أن يعمل بكتاب الله تعالي وسنة رسوله صلي الله تعالي عليه وسلم، وسنة الشيخين أبي بكر وعمر، واختيار الإفراد في الحج كان من سنة عمر رضي الله عنه، ولم يقره علي ذلك كثير من الصحابة كسعد بن أبي وقاص وعلى بن أبى طالب وعبد الله بن عباس، وعائشة رضي الله تعالي عنها.

وقد روي أبو داود والإمام أحمد أن معاوية قال وكان في ملأ من أصحاب رسول الله صلي الله تعالي عليه وسلم: أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نهي عن جلود النمور أن يركب عليها؟ قالوا اللهم نعم، قال: وتعلمون أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نهي عن لباس الذهب إلا مقطعا، قالوا: اللهم نعم، قال أتعلمون أنه نهي عن الشرب فى أواني الذهب والفضة؟ قالوا اللهم نعم، قال:«وتعلمون أنه نهى عن المتعة (أي الجمع بين العمرة والحج) قالوا اللهم لا» . «قال فوالله إنها لمعهن» .

وإن هذا يدل على أن معاوية اتبع ما سار عليه عثمان اتباعا لعمر، للمقصد الاجتماعي الذي رآه، ولعل معاوية ظن، أو أراد أن يوهم أن عمله وعمل ذي النورين عثمان لنهي النبي صلى الله تعالى عليه

ص: 1074

وسلم. والحقيقة- أن لا نهي عن نوع من الأنساك الثلاثة «القران والتمتع والإفراد» وخصوصا أن التمتع بالجمع بين العمرة والحج قد نص عليه في القران الكريم، وما كان لأحد مهما تكن مكانته بين المسلمين أن ينهي عن أمر أجازه القرآن الكريم وبين أحكامه.

ولكن عمر رضى الله تعالي عنه اختار الإفراد لهذا المعنى الاجتماعي الذي ذكرناه، وخالفه فيه كثيرون من الصحابة، حتي إن ابنه عبد الله لم يوافقه.

وخالف علي عثمان رضى الله تعالي عنه، ورد نهيه عن التمتع ردا شديدا وأعلن التمتع أمامه وفي حضرة جمع من الصحابة.

ولقد روي أن عبد الله بن عمر كان يري التمتع بالقران، أو مجرد الجمع في أشهر الحج بين العمرة والحج قارنا أو متمتعا، فقال قائل إن أباك نهي عن العمرة «أي مع الحج» فقال الصحابي التقي:

«أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أحق أن يتبع أم أمر أبي؟! ولقد قال ابن عباس لمن كان يعارضه في القران والتمتع بعمل عمر «يوشك أن ينزل عليكم حجارة من السماء. أقول لكم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر» .

ص: 1075