الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويبدو لنا أن السبب فى ذلك تشير إليه أمور:
أولها: تمكن الوثنية عند كل أهل مكة المكرمة ومن حولها، وسيطرة الأوهام عليهم، واعتزازهم بأنسابهم.
وثانيها: حب الرياسة فيهم التى نشأت من اقامتهم بالبيت الحرام، والاستمساك بسيطرتهم على العرب من طريق خدمتهم للبيت الحرام، وأنهم سدنته، وأن ذلك الدين الجديد ينزع منهم ما بأيديهم من سلطان، فاشتدت مقاومتهم، لا من جهة الإيمان، ولكن من جهة السلطان.
وثالثها: أن أهل الجنوب اليمنى، كان فيهم علم بالأديان، فكان فيهم اليهود والنصارى، ولهم بذلك علم بالرسائل السماوية.
ولم يكن اليهود الذين كانوا باليمن من بنى إسرائيل، بل كانوا من السامرة، وهم اليهود الذين اتبعوا موسى عليه السلام من غير بنى إسرائيل، فلم تكن عندهم العصبية الإسرائيلية الحادة التى كانت تؤمن بأنه لا نبى إلا من بنى إسرائيل، ولما جاء محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وكانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، أنكروا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ (البقرة: 89) .
وكانوا لا يعترفون بالسامرة على أنهم من اليهود أتباع موسى، لأن اليهودية عندهم جنسية وليست بعقيدة، فكانوا يضطهدونهم، كما يحاولون إيذاء غيرهم من أى دين، وربما كان مجيء نبى من العرب مثير الحماستهم له.
ورابعها: أنهم نظروا إلى الإسلام على أنه الدين الظاهر فى البلاد العربية، فسارعوا إليه، لأنه صار الدين الغالب، وصارت كلمة الله تعالى هى العليا. والله أعلم.
وفد الأزد
666-
وهم من اليمن تجرى عليهم الأسباب التى ذكرناها فى مسارعتهم إلى الإسلام بعد أن امتدت كلمته فى البلاد العربية.
قال ابن إسحاق: قدم وفد من الأزد، وكان على رأسهم صرد بن عبد الله الأزدى، قد أسلم وحسن إسلامه فأمره رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على من أسلم من قومه، وأمره أن يجاهد بمن أسلم من كان يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن ومن جاورهم.
أخذ صرد بن عبد الله يجاهد من حوله من المشركين، وكان بجوارهم مدينة مغلقة يقال لها جرش، وبها قبائل من اليمن، وقد انضمت إليهم خثعم، فتضافروا معهم عندما علموا أن جيش المسلمين يسير إليهم بقيادة صرد بن عبد الله.
حاصرهم فى مدينتهم جرش نحوا من شهر، وهم فيها ممتنعون، فترك الحصار، وأوى إلى جبل يقال له شكر، واعتصم به رجاء أن ينتهز فرصة، فيأتيهم من حيث لا يشعرون، ويفرقهم عن بلدهم.
ظنوا أن صرد بن عبد الله ومن معه ولى عنهم منهزما أو يائسا من أن يقتحم بلدهم، فزين لهم أن يخرجوا فى طلبه، فكان خروجهم تمكينا له من ضربهم، فإنهم إذ أدركوه عطف عليهم، ولم يكن لهم معتصم يعتصمون به فقتلهم قتلا شديدا، وكانت الهزيمة الشديدة قد نزلت، وعلم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك النصر الذى كان من عند الله تعالى العزيز الحكيم، ولم يكن بسرية من المدينة المنورة، ولكن بمن أسلم من العرب.
وفى الوقت الذى علم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فيه بهزيمة المشركين كان عنده وفد من جرش جاءه عشية أن علم، وكان مسلما.
سأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وفد جرش وكان مكونا من اثنين: بأى بلاد الله تعالى شكر، فقالا: يا رسول الله ببلادنا جبل يقال له كشر، ولذلك تسميه أهل جرش، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إنه ليس بكشر، ولكنه شكر.
قالا له: فما شأنه يا رسول الله.
فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم «إن بدن الله لتنحر عنده الآن» . لم يفهم الرجلان مؤدى كلام النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فجلسا إلى الشيخين الجليلين فى الصحابة، أبى بكر وعثمان، رضى الله تبارك وتعالى عنهما، فسألا ماذا يريد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فقال لهما صاحبا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ويحكما، إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ينعى إليكما قومكما، فاقدما إليه، فاسألاه أن يدعو الله أن يرفع عن قومكما.
فذهب الرجلان إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سألاه الدعاء لقومهما، فقال: اللهم ارفع عنهم.
خرج الرجلان إلى قومهما، فوجدا قومهما قد أصيبوا فى اليوم الذى قال لهما النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك، بل فى الساعة التى ذكر فيها ما ذكر.