الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولقد كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم رفيقا فى معاملته لها، وقد اعتذر لها من قتل أبيها وزوجها، إذ كان أبوها يحرض عليه القبائل، ويؤلب عليه الناس وما كان يستطيع أن يتركه يؤلب العرب عليه، وقتل زوجها، لأنه خان العهد وأخفى مال أبيه، ونقض الذمة، وكان يتألف قلبها بسماحته ورفقه؛ حتى صار أحب الناس إلى قلبها.
وإن زواج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم من السيدة صفية فيه فوائد اجتماعية، فهو أولا يطفيء ما فى قلوب المؤمنين بالنسبة لليهود، وضرب المثل السامى فى معاملة السبايا، فهى كانت منهن، فاختارها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم زوجا بدل أن يتخذ منها أمة يدخل عليها بملك اليمين، وهو يضرب الأمثال فى حسن العشرة الزوجية، فيكون خير الناس لأهله، كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم:
«خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى» . وإن هذا الزواج فيه مداواة للجروح المكلومة، لقد أمرها بلال على القتلى من قومها، فأكرمها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ورفعها إلى أعلى درجات النساء وهو أن تكون من أمهات المؤمنين.
وأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يصلح بينه وبين اليهود فجعلهم شركاء للمؤمنين، فكان من الحق أن يتألفهم، وأن يرأف بهم، وإن ذلك الزواج تأليف وتقريب، وإبعاد للنفور ولكنهم جاحدون دائما.
غدر وسماحة
534-
كان سلام بن مشكم الحامل الأول للواء اليهود، ولما قتل حمل غيره اللواء وقد بقيت امرأته من بعده بحقدها وضغنها على من قتلوا زوجها عامة، وخاصة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. وأرادت قتل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بأداة القتل عند النساء، وهو السم، وتظاهرت بالمودة واتجهت إلى إهداء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم شاة، وضع السم فى أجزائها، وتعرفت ما يحبه النبى عليه الصلاة والسلام من أجزاء الشاة، فقيل لها الذراع فزادتها سما، وأكثرت فيها.
أهدت النبى صلى الله تعالى عليه وسلم الشاة، فجاءت بها ووضعتها بين يديه، تناول النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ذراع الشاة التى هى أحب أجزائها إليه، فلاك منها مضغة فلم يسغها، لعل ذلك لأنها أسرفت فى وضع السم فيها، فكان غريب المذاق، ولذلك رماها من يده ولم يأكلها ولفظها، وكان معه على الطعام صاحب له هو بشير بن البراء بن معرور، فأكل هو الآخر، فأساغها ولعل ذلك لعدم ظهور السم، وإن كان كامنا، ومات بشر من أكلته هذه، ولكن ذلك لم يكن فور تناولها.
ولقد قال عليه الصلاة والسلام عندما لفظها: «ان هذا العظم ليخبرنى بأنه مسموم» ودعا المرأة وسألها فاعترفت، وصرحت بالعداوة قائلة: بلغت من قومى ما لم يخف عليك، ثم أردفت ذلك بقولها، فقلت إن كان ملكا استرحت منه، وإن كان نبيا فسيخبر.
وقد تجاوز عنها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ويظهر أن بشرا لم يكن قد مات بأثر السم، وإلا ما تجاوز النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عنها، لأنها قتلت نفسا غدرا وعامدة.
وإن عمل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان السماحة كلها، والسماحة دائما تقرب، ولا تنفر، وإن العلماء يقولون إن هذا الفعل الذى لاك به النبى صلى الله تعالى عليه وسلم مضغة اللحم، ولم يسغها كان له أثر فى جسمه صلى الله تعالى عليه وسلم، حتى يقال أنه عندما ضعف جسمه الكريم بمرض الموت أحس به يسرى فى بدنه.
يروى أنه قال فى مرضه الذى توفى فيه، لأم بشر بنت البراء بن معرور، وقد جاءت إليه تعوده قال لها:«يا أم بشر إن هذا الأوان وجدت انقطاع أبهرى التى أكلت مع أخيك بخيبر» .
ويا بنى العلماء على ذلك أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد مات شهيدا.
وهكذا نجد غدرا واضحا، وسماحة غالبة لمداوة جروح النفوس، وإذا كان اليهود ابتداء قد حاولوا رمى الحجر عليه، وهو جالس بجوار جدارهم، فقد حاولته امرأة حقود بالسم تقتله به، وظهر أثره عندما ضعف بالمرض فمات شهيدا وهو أعظم الشهداء.