الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قاصدا خيبر، فلما أشرف عليها أخذ يضرع إلى الله تعالى طالبا النصر والمعونة، فقال لأصحابه: قفوا؛ وأخذ يدعو، وهم يرددون معه.
اللهم رب السموات وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما أذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، وخير ما فيها، ونعوذ بك من شر أهلها وشر ما فيها، أقدموا باسم الله تعالى.
خرج رسول الله إلى خيبر، سلك على عصر، وهو جبل قريب من المدينة المنورة، فبنى به مسجدا، ثم مر على الصهباء، ثم أقبل بجيشه ونزل بواد يقال له الرجيع، وهو فاصل بين خيبر غطفان، لكيلا يمكنهم من مظاهرة اليهود عليه، فحال بينهم، ولكنهم كانوا قد خرجوا لليهود لينفذوا ما أرادوا من معاونتهم، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم أرسل إلى ديارهم جماعة من مقاتليه، ليزعجوهم، فلما سمعوا من ورائهم حس أولئك الذين ذهبوا خلفهم فى أموالهم وأهليهم ظنوا أن المؤمنين خالفوهم إليهم، فرجعوا على أعقابهم، فأقاموا فى أهليهم وأموالهم.
وبذلك أمن رسول الله عليه الصلاة والسلام شرهم، وخلوا هم بينه وبين اليهود، واختاروا لأنفسهم السلامة.
القائد حامل الراية:
524-
دخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أرض خيبر وكانت أرض زرع وحرث، وقد خرجوا يحملون أدوات من مساحى يحملونها لحرث الأرض ومكاتل يجمعون فيها الثمار، أو ينقلون السماد الطبيعى من مكان إلى مكان بها، فلما رأوا جيش النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ذعروا وقالوا محمد والخميس.
تقدم محمد صلى الله تعالى عليه وسلم لفتح قريتهم بحصونها، وقد قال ابن القيم، وصاحب معجم البلدان: كانت لهم حصون، هى حصن ناعم وحصن القموص، وقلعة الزبير، وحصن النطاة، والكتيبة والوطيح، والسلام، وهما حصنا أبى الحقيق، وحصن الزبير، وحصن الصعب بن معاذ.
كانت القيادة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ومعه ستمائة وألف مقاتل، فيهم مائتا فارس، وكان قائد اليهود سلام بن مشكم ومعه أربعمائة وألف مقاتل، ولما قتل تولى القيادة أبو زينب بن الحارث.
وكان حامل راية المؤمنين بطل الجهاد على بن أبى طالب، فإنه ليلة أراد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم غزو خيبر قال: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، وإليك الرواية كما رواها البخارى.
قال البخارى بسنده «إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. فبات الناس يذكرون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، كلهم يرجو أن يعطاها فقال عليه الصلاة والسلام: أين على بن أبى طالب، فقالوا: يا رسول الله يشتكى عينيه، فأرسل إليه فأتى فبصق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال: يا رسول الله أقاتلهم، حتى يكونوا مثلنا. فقال صلى الله تعالى عليه وسلم: انفذ على رسلك، حتى تنزل ساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير من أن يكون لك حمر النعم.
ابتدأ القتال حول الحصون، ويقول ابن إسحاق: تقدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الأموال يأخذ الأقرب فالأقرب منها، وفى هذه الأثناء خرج المرحب فارسهم فقصده على بن أبى طالب فقتله.
ثم تدانى جيش المؤمنين، يأخذ الأدنى فالأدنى، وأول حصن فتحوه والراية فى يد على كرم الله وجهه حصن ناعم، ثم القموص حصن أبى الحقيق، وكلما فتح حصن فر من كانوا فيه إلى الحصن الذى يليه، فيجتمع فيه مع من آلوا إليه فارين من حر السيف وقوة الإيمان، وكانت المبارزات أحيانا.
ولقد فتح القموص بعد حصار دام عشرين ليلة كما جاء فى سيرة ابن إسحاق، وكان فى أرض وخمة شديدة الحر، فجهد أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جهدا شديدا لوخم الأرض وحرارتها.
ولقد تحركت اليهود من بعد ذلك كما قال الواقدى إلى قلعة الزبير، وهى حصن منيع، فأقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى حصاره ثلاثة أيام.
وقد جاء رجل يهودى يظهر من أمره أنه مال إلى الإسلام، كما يدل قوله وعمله، فقال للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم: يا أبا القاسم إنك لو أقمت شهرا ما بالوا، إن لهم سردابا وعيونا تحت الأرض.
يخرجون بالليل فيشربون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم، فيمتنعون منك، فإن قطعت مشربهم عليهم خرجوا لك، فسار رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى مائهم، فلما قطع عليهم خرجوا فقاتلوا أشد القتال وقتل من المسلمين يومئذ نفر وأصيب من اليهود عشرة، وافتتحه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وكان آخر حصون النطاة.
وقد أحس المسلمون بقلة الزاد، وقالوا: والله يا رسول الله قد جهدنا وما بأيدينا شيء، فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم شيئا يعطيهم إياه، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم ضارعا إلى ربه:«اللهم إنك عرفت حالهم، وأن ليست بهم قوة، وأن ليس بيدى شيء ما أعطيهم إياه فافتح عليهم أعظم حصونها غناء، وأكثرها طعاما وودكا» فغدا الناس، ففتح الله عز وجل حصن الصعب بن معاذ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعاما وودكا منه.
وإنه بعد أن فتحت حصون النطاة قبل حصن الصعب بن معاذ تحول إلى الشق، وكانت به حصون ذوات عدد، فكان أول حصن بدأ به حصن أبى الحقيق، فقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على قلعة يقال لها سموان، فقاتل عليها أشد القتال، فخرج منهم رجل يقال له عزول، فدعا إلى البراز، فبرز له الحباب بن المنذر، فقطع الحباب يده اليمنى، فأتبعه الحباب فقطع عرقوبه وبرز رجل آخر فقام إليه رجل من المسلمين، فقتله اليهودى، فنهض إليه أبو دجانة فقتله وأخذ سلبه، وأحجموا عن البراز.
بعد أن أحجم اليهود عن البراز كبر المسلمون وتحاملوا على الحصن فدخلوه، وأمامهم أبو دجانة فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما، وهرب من كان فيه من المقاتلة وتقحموا الحصن كأنهم الضباب، ثم تحولوا إلى حصن آخر من حصون الشق، وهو حصن البزاة وامتنعوا به أشد الامتناع، فزحف إليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه، وتراموا بالنبل، ورمى معهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بيده الكريمة، حتى أصاب نبلهم بنانه عليه الصلاة والسلام، فأخذ عليه الصلاة والسلام من الحصى، فرمى حصنهم بها، فرجف بهم حتى ساخ فى الأرض، وأخذهم المسلمون أخذا باليد. هذا ما ذكره الواقدى فى تاريخه.
ويقول الواقدى مسترسلا فى بيان فتح الحصون:
ثم تحول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى أهل الأظبية والوطيح والسلام حصنى أبى الحقيق، وتحصنوا أشد التحصين، وجاء إليهم كل من انهزم من النطاة إلى الشق، فتحصنوا معهم فى حصن وكان حصنا منيعا وفى الوطيح والسلام، وجعلوا لا يطلعون من حصونهم، حتى هم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن ينصب المنجنيق عليهم، فلما أيقنوا بالهلكة، وقد حصرهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أربعة عشر يوما (أى فى هذه الحصون الأخيرة) نزل إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حصون بن أبى الحقيق وطلب الصلح بعد أن تأكد أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم نصب المنجنيق ليقضى على البنيان إذ تحصنوا بها ولا سبيل إلى الوصول إليهم إلا بهدمها لأنها حصون لا مساكن.