الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويدل أيضا على سعة تفكير هرقل، ورفضه أن يثير حربا لأجل الخرج الذى كان يقدمه تابع له، لأنه اتبع دينا آخر وظهر ميله للإسلام واعتقاده بأنه صدق، وكان يعلن ذلك لوصيه بملكه، ومهما يكن أمر إسلامه، فإنه يظهر بمظهر رجل حر الفكر والرأى يقدر حرية التدين فى غيره، كما يقدرها فى نفسه.
وفى الكلام ما يوميء إلى أن هذا الكتاب كان بعد فتح مكة المكرمة، لأنه سأله عن قريش اتبعوا محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم أم لم يتبعوه، فأجاب عمرو بأنهم اتبعوه، إما رغبا وإما قهرا، وإن ذلك كان بعد الفتح لا ريب فى ذلك.
وأنه يبدو بلا ريب أن عمرو بن العاص كان ذا فراسة قوية عندما اختار أحد الأميرين وهو الأصغر، عندما ابتدأه فى تقديم الكتاب، فعن طريقه أقنع أخاه ذا الصلف والكبرياء.
ويلاحظ أن عمرا كان شديدا فى قوله عندما خاطب الأمير الأكبر، ولعل ذلك من أنفة العربى إذ منعه الملك من الجلوس، وأبى إلا أن يقدم كتاب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو واقف، فلم يرد أن يكون ذليلا.
ولم يضر ذلك بقضية الإسلام لأنه كان يستعين بأخى الأمير الذى أبدى لينا غير منتظر، وأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم ين عن الدعوة، وسط الحروب وفى تدبير الدولة.
كتابه عليه الصلاة والسلام إلى صاحب اليمامة
585-
أرسل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مع سليم بن عمرو العامرى كتابا إلى صاحب اليمامة هوذة بن على، وكان نص الكتاب:
«بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هوذة بن على سلام على من اتبع الهدى.
اعلم أن دينى سيظهر إلى منتهى الخف والحافر، فأسلم تسلم، وأجعل لك ما تحت يدك» .
فلما قدم عليه سليط حامل الكتاب وكان مختوما أنزله وحياه وبعد أن قرأ الكتاب ودعاه رد على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بكتاب جاء فيه «ما أحسن ما تدعو إليه، وأجمله، والعرب تهاب مكانى، فاجعل لى بعض الأمر أتبعك» .
وأجاز سليطا الرسول بجائزة، وكساه أثوابا من نسيج هجر.
قدم الرسول على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ومعه الكتاب والهدايا، فلما قرأ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، امتنع عن أن يعطيه جزآ من الأرض.
وبعد فتح مكة المكرمة، علم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بالوحى أن هوذة صاحب هذا الكتاب الطامع قد مات وقد ذم رجال اليمامة، وقال أما إنه سيخرج بها كذاب سينتهى بقتله. قال بعض الصحابة: ومن يقتله؟ قال له النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: أنت وأصحابك.
وإن نبوءة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كانت صادقة، فإن الأعراب كانت فيهم ردة، وكانت اليمامة ذات ضلع فيها، وقام الصديق خليفة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعزمة كانت عز الإسلام وبها صار قارا ثابتا، وقد حفظ الله تعالى بأبى بكر قوة الإسلام، وعزته وقالها قولة حازمة جازمة:«إما سلم مخزية، وإما حرب مجلية» .
586-
وقد أرسل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم غب الحديبية إلى أمير الغساسنة بكتاب فيه هذا المعنى. وهو الدعوة إلى الإسلام، ولم يذكر كتاب السيرة أأجاب إلى الهدى أم لم يجب.
ونحن ذكرنا كتابته إلى الملوك، والأمراء والرؤساء وردهم عليه صلى الله تعالى عليه وسلم، ما بين مستجيبين ومترددين مجاملين فى الرد وإن لم يؤمنوا، وجاحدين كافرين معاندين مريدين إنزال الأذى بالنبى صلى الله تعالى عليه وسلم قاصدين الكيد، فرد الله تعالى كيدهم فى نحورهم.
وتركنا مؤقتا الكلام فى المغازى لأسباب ثلاثة:
أولها: أن المقصود من الرسالة المحمدية هو تبليغ الدعوة إلى الإسلام وما كانت الحروب إلا لحماية الدعوة ولمنع الكافرين من أن يفتنوا المؤمنين فى دينهم، كما فعل مشركو مكة المكرمة ونصارى الشام. فما كانت الحرب مشروعة لذاتها، ولكن كانت دفاعا وحماية للدعوة، وهى المقصود أولا وبالذات.
ثانيها: أن هذه المكاتبات والرد عليها تبين مدى انتشار الدعوة، وإيمان الناس واستجابتهم، فقد رأيت بعضهم يستجيب فورا، وبعضهم يستجيب ويسأل عن حكم الشريعة فى أمر من تحت يده من اليهود والمجوس كابن ساوى، ومنهم من كان يتردد فى الاتباع، ثم ينتهى بالإذعان هو وقومه. ورأينا صاحب اليمامة يساوم، وكانت موضع الردة هى وبنو حنيفة، وقد تنبأ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك، فكان منهم رأس الفتنة فى الردة.