الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجميع، وأباح دم التسعة الذين ذكرهم وأجاز قتلهم، ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة الشريفة. وأنه لم يقسم أرض مكة المكرمة بين القائمين ولم يعتبر أموال أحد من أهلها غنيمة ولا نفلا من الأنفال، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم نهى عن القتل والقتال، فكيف يقال بعد ذلك إنها فتحت عنوة، إن المقياس الضابط بين العنوة والصلح هو أن يكون تسليم أهل البلدة فى العنوة بقوة السيف والغزو، وأما الصلح فهو التسليم من غير قتال ولا أمن، ولقد سلم أهل مكة المكرمة من غير قتال، وكان الأمن الكامل من الرسول الكريم صلى الله تعالى عليه وسلم هو فى قوله «اذهبوا فأنتم الطلقاء» .
وإنا نميل إلى أن مكة المكرمة لم تفتح عنوة ولا صلحا، فلم يتحقق أصل الفتح، وإنما تحقق اللقاء بالمودة والرحمة من غير عقد، بل بما هو أعلى من العقد، وهو صلة الرحم بعد قطعها من قريش، ولو أننا اخترنا الموازنة بين الرأيين، وكان لا بد أن نختار أحدهما، لاخترنا أنها لم تفتح عنوة.
مكة المكرمة وما يحرم فيها:
608-
قلنا إن الله تعالى حرم القتال فى مكة المكرمة، ونقلنا قول الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فى ذلك، والآن سنذكر بعض الأحكام المتعلقة بمكة المكرمة فنقول.
إن الله تعالى حرم الصيد فى الحرم الشريف مكة المكرمة وما حولها لمن أحرم بالحج، ولقد قال تعالى فى ذلك: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ، وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ، وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (المائدة- 96) .
ولقد ذكر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم تحريم القتل والقتال فى مكة المكرمة، وذكر بعده محرمات أخرى فقال صلى الله تعالى عليه وسلم: «إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهى حرام بتحريم الله سبحانه وتعالي، لا تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ولم تحل لى إلا ساعة من الدهر، لا ينفر صيدها، ولا يعضد شوكها، ولا يتخلى خلاؤها، ولا تحل لقطتها إلا المنشد، فقال العباس إلا الإذخر فإنه لا بد منه للدفن والبيوت، فسكت النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ثم قال: إلا الإذخر.
هذا ما رواه البخاري، وقد انفرد بروايته، وحسب البخارى صدقا، لأنه صادق فى جملة ما رواه.
وإن أخذت عليه بعض الأحاديث لمتنها.
وبذلك ننتهى من بيان هذا الحديث.
(أ) بأنه يحرم الصيد فى الحرم كما قال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم «لا ينفر صيدها وكلها حرم آمن من كل نواحيه» .
(ب) وبأنه لا تقطع أشجارها، لتوجد جوا صالحا من جوها، وإن شوكها لا يعضد، ولا يحتجز خلاء لأحد فلا إقطاع فيها لأحد، ولا تحل لقطتها إلا بعد التعريف بها، وذلك حكم عام لا تختص به مكة المكرمة، فإن اللقطة لا تحل إلا بعد تعريف صاحبها، ويكون حلها أن يتصدق بها، فإن كان اللاقط مستحقا للصدقة تصدق بها على نفسه.
وقد لوحظ أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، حرم على المقيم فى مكة المكرمة ما لا يكون ضروريا للإقامة، فنبه العباس أن الإذخر محتاج إليه فى البيوت، ومحتاج إليه فى دفن الموتي، فذكر للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم فتفكر النبى عليه الصلاة والسلام، ثم وافق، ولعل الوحى قد نزل عليه بذلك، فما كان كلامه اتباعا للعباس، ولكن كان اتباعا لأمر ربه.
ومهما يكن من ذلك، فإن العباس بإدراكه الإسلامي، فهم أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أباح من زرع مكة المكرمة ما لا يمكن الاستغناء عنه فقال مقاله، فنزل الوحى بما قال، فكان الوحى قد وافق نظره كما يذكر أنه وافق رأى عمر فى بعض الأمور التى كان يؤخذ الرأى فيها.
فما كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم تابعا للعباس، بل جاء الوحى بموافقته، كما جاء الوحى بموافقة عمر كما ادعى فى بعض المواضع.
لقد حرم الله تعالى القتل فى مكة المكرمة أفلا يصح القتل قصاصا، أو إقامة الحد أو نحو ذلك، قرر العلماء أن ذلك جائز، فيجوز فيها القصاص، وتتبع العصاة وعقابهم، ولذلك قال عمرو بن سعيد إجابته لأبى شريح. قال أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يفيد عاصيا (أى لا يحمى عاصيا) ولا فارا بدم ولا فارا بجزية.
وهكذا فالمحرم القتل بغير حكم شرعي، أما القصاص بحكم القصاص فإنه يجوز، ولقد استباحت خزاعة أن تأخذ بثأرها من بعض بنى بكر، فقتلت واحدا، فنهاها نهيا قاطعا، ودفع دية المقتول.
ولقد خاطب خزاعة عند ودى قتيلها، «يا معشر خزاعة، ارفعوا أيديكم عن القتل، لقد قتلتم قتيلا فوديته فمن قتل بعد مقامى هذا، فأهله بخير النظرين، إن شاؤا قدموا قاتله، وإن شاؤا نعقله لأى وثبة» .