الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولقد حسن إسلام الطفيل وقوى إيمانه، وإن الابتداء يدل على قوة الانتهاء، فقد ابتدأ طالبا للحق مع الموانع والسدود التى وضعتها قريش فى سبيل إيمانه فاجتازها، ووصل الإيمان إلى قلبه، وكان الداعية فى قومه، حتى هداهم إلى سداد.
وإن قصة إيمان ذلك الرجل تدل على قوة نفسه وعقله وخلقه، وأن المنع لم يجعله يمتنع بل جعله يبحث ويفكر، فإذا كانوا قد زينوا إليه ألا يسمع من النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فقد زين الإيمان فى قلبه أن يذهب وراء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى داره.
وهو قد باعد التقليد عن قلبه، والتقليد هو الذى يعمى عن الحقائق، ويمنع الاتجاه إليها.
قدوم رسول ملوك حمير
670-
الإسلام بعد علم العرب أجمعين به صار هو يدعو لنفسه، لما اشتمل عليه من حقائق ولأنه دين الفطرة، ولم تعد الحوائل تحول بينه وبين الناس، فصار الناس يدخلون فيه طواعية من غير أى نوع من أنواع الإكراه أو التقليد، أو الاتباع من غير علم، بل صارت الحقائق واضحة نيرة. لا يمنع نصرانى ولا يهودى من الاتباع، فاستقامت قلوبهم. ورضوا بالإسلام دينا، ولم يعد الأمراء يقفون محاجزين بين الأقوام والإيمان، وخصوصا بعد أن علموا أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، كان يبقى الأمير على إمرته ما استقام أمره، وما عدل فى قومه. ولم يرهقهم من أمرهم عسرا.
وكانت الوفود تجيء إليه معلنة الإسلام. ومنهم من كان يرسل رسولا، وملوك حمير وهم يمثلون الكثرة الكاثرة فى اليمن لما رأوا الإسلام قد غلب فى كل أرض الشمال، وتراجعت أمامه جيوش الروم التى كدسوها لغزو الإسلام، واقتلاعه، واقتلاع عز العرب، فعاد جندهم ولم يلاقوا محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم بعد أن قتلت جنوده مع قلة عددهم منهم مقتلة عظيمة، وعادوا بحكمة خالد بن الوليد سالمين لم يفقدوا إلا بضعة عشر رجلا.
أدرك ملوك حمير قوة الإسلام منطقا وعقلا وحقا، وأدركوا شوكة الإسلام أمام الرومان فأرسلوا رسلا إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يعلنون إسلامهم، والملوك كحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذى رعين، ومعافر وهمدان وزرعة ذويران مالك بنى مرة الرهاوى، قد أعلنوا الإسلام، ومفارقة الشرك.
وقد كتب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كتابا للوفد الذى جاءه يبين فيه حقائق الدين وما يجب على الأفراد، ليعلموا به من وراءهم، وإليكم الكتاب كما رواه الواقدى:
بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد النبى إلى الحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال والنعمان (قيل ذى رغين) ومعافر وهمدان.
أما بعد ذلكم- فإنى أحمد إليكم الله الذى لا إله إلا هو، فإنه قد وقع نبأ رسولكم منقلبا من أرض الروم. فلقينا بالمدينة فبلغ ما أرسلتم به، وخبرنا ما قبلكم، وأنبأنا بإسلامكم، وقتلكم المشركين، وأن الله تعالى قد هداكم بهداه، إن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأعطيتم من الغنائم حق الله تعالى، وسهم النبى (صلى الله تعالى عليه وسلم) ، وما كتب على المؤمنين فى الصدقة العقار عشر ما سقت العين، وما سقت السماء، وعلى ما سقى الغرب نصف العشر.
وإن فى الإبل فى الأربعين ابنة لبون، وفى ثلاثين من الإبل ابن لبون ذكر، وفى خمس من الإبل شاة، وفى كل عشر من الإبل شاتان، وفى كل أربعين من البقر بقرة، وفى كل ثلاثين تبيع جذع أو جذعة، وفى كل أربعين من الغنم سائمة وحدها، شاة.
وأنها فريضة الله تعالى التى فرضها على المؤمنين فى الصدقة، فمن زاد خيرا فهو خير له، ومن أدى ذلك، وأشهد على إسلامه، وظاهر المسلمين على المشركين، فإنه من المؤمنين له ما لهم، وعليه ما عليهم، وأنه من أسلم من يهودى أو نصرانى فإنه من المؤمنين له ما لهم وعليه ما عليهم.
ومن كان على يهوديته أو نصرانيته، فإنه لا يرد عنها، وعليه الجزية على كل حالة ذكرا أو أنثي، حر أو عبد دينار وافر من قيمة المعافرى (ثياب وبرود منسوبة إلى معافر) أو عرضه ثيابا، فمن أدى ذلك إلى رسول الله فإن له ذمة الله وذمة رسوله، ومن منعه، فإنه عدو لله ولرسوله.
أما بعد: إلى زرعة ذى يزن إذا أتاك رسلى، فأوصيكم بهم خيرا، معاذ بن جبل، ومالك بن عبادة وعقبة بن عمر، ومالك بن مرة وأصحابهم، وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة، والجزية، من مخالفيكم، وأبلغوها رسلي. وإن أميرهم معاذ بن جبل، فلا ينقلبن إلا راضيا.
أما بعد فإن محمدا يشهد أن لا إله إلا الله، وأنه عبده ورسوله، ثم إن مالك بن مرة الرهاوى قد حدثنى أن أسلمت من أمرك حمير، وقتلت المشركين، فأبشر بخير، وآمرك بحمير خيرا ولا تحزنوا ولا تخاذلوا فإن رسول الله هو ولى غنيكم وفقيركم، وإن الصدقة لا تحل لمحمد، ولا لأهل بيته، إنما هى زكاة مزكى بها على فقراء المسلمين، وابن السبيل، وأن مالكا قد بلغ الخبر، وحفظ الغيب، وآمركم به خيرا، وإنى قد أرسلت إليكم من صالحى أهلى، وأولى دينهم وأولى علمهم فامركم بهم خيرا، فإنهم منظور إليهم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.